في خطر المتغطرسَين ترامب ونتنياهو
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كذّاب متغطرس بمفهومَين. الأول الكذب المَرضي أو القَهري (pathological laying)، وهو نوع من الكذب لا يقدر المصابُ به على ردع نفسه عن الكذب، مدركاً أو غير مدرك. والثاني الكذب الاحترافي، أو التضليلي، الذي يصدر عن شخصٍ مخادع مدرك لما يفعله وغاياته من كذبه. وبعيداً عن تفاصيل كثيرة، يندرج زعم نتنياهو أن قراره شنّ عدوانٍ على إيران في 13 من يونيو/ حزيران الجاري، إنما جاء لمنع "هولوكوست ثانٍ نوويٍّ" ضدّ "الشعب اليهودي"، في سياق مفهومَي الكذب السابقَين، إذ إنه يعلم، من ناحية، أن إيران بعيدة من امتلاك سلاح نووي، إلا أنه أقنع نفسه بذلك. ومن ناحية ثانية، يريد تسويغ العدوان لبقية العالم. المفارقة أن إسرائيل تملك أسلحةً نوويةً، وإن كانت تمارس غموضاً في هذا الشأن، ولكنّها تعدُّ نفسها دولةً "متحضّرةً" مقابل إيران "البربرية". نضع نتنياهو جانباً، وننتقل إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والمتهم هو الآخر بأنه كذّابٌ متغطرسٌ بالمفهومَين السابقَين. إذ لا يفتأ ترامب يزعم أن إيران قريبة من عتبة السلاح النووي، رغم أن تقديرات الاستخبارات الأميركية تقول عكس ذلك، ومن ثمّ هو يبرّر بذلك دعمه العدوان الإسرائيلي على إيران، كما يقرع طبول الحرب أميركياً بذرائع مبنية على كذبه الفجّ. وعلى هذا الأساس، نحن أمام شخصيَّتَين خطيرتَين ومجرمتَين، فكيف إذا أضفنا إلى ذلك أن رئيس القوة الأعظم دولياً (الولايات المتحدة) مسكون بقناعة مفادها أنه مبعوث العناية الربانية لإنقاذ أميركا، "لقد أنقذني الربُّ (من محاولة اغتيال) لأجعل أميركا عظيمةً مرَّة أخرى"، لكن عبر البلطجة والتنمّر والإجرام المحلّي والعالمي، وأن نتنياهو يعلم هذا العطب في شخصية ترامب، ويعرف كيف يلعب هو وحلفاء أميركيّون متطرّفون، دينياً وإيديولوجياً وسياسياً، على أوتاره خدمة لإسرائيل؟

رغم تقارير استخباراتية رجّحت استسلام اليابان من دون قصفها بالنووي، أراد ترومان تجربة فاعلية الأسلحة الذرّية

نشر ترامب، الثلاثاء الماضي (17 يونيو الجاري)، في منصته تروث سوشيال، رسالةً وصلت إليه من سفيره في إسرائيل مايك هاكابي، بدا فيها يحثّه على الاشتراك مع إسرائيل في عدوانها على إيران. كتب ترامب يقول إن هذه الرسالة "من مايك هاكابي، قسيس، وسياسي، وسفير، وشخص رائع". وفي الرسالة يقول هاكابي: "السيد الرئيس، لقد نجّاك الله (من محاولة الاغتيال) في بتلر، بنسلفانيا (يوليو/ تموز 2024)، لتكون أكثر رئيس تأثيراً خلال قرن، وربّما في التاريخ كلّه. القرارات التي تقع على عاتقك لا أود أن يتّخذها أيّ شخص آخر". وأضاف "هناك أصوات عديدة تتحدّث إليك، يا سيدي، لكن هناك صوتاً واحداً فقط يهم: صوته هو (الله)". وتابع: "لم يكن هناك رئيس في حياتي في وضع مماثل لوضعك. ليس منذ (هاري) ترومان عام 1945. أنا لا أتواصل لأقنعك، بل لأشجّعك فقط. أؤمن بأنك ستسمع صوتاً من السماء، وذلك الصوت أهم بكثير من صوتي أو صوت أيّ أحد آخر". وختم رسالته: "أنت لم تسعَ إلى هذه اللحظة. هذه اللحظة هي التي سعت إليك".
هاكابي هذا حاكم سابق لولاية أركنساس الأميركية، فشل في مساعي الترشّح للرئاسة الأميركية عن الحزب الجمهوري، وهو قسّيس من تيار "الإنجيليين" المتطرّفين، المهووسين بـ"عقيدة الهَرمجدون". و"هرمجدون" كلمة عبرية من مقطعَين، هَر: وتعني تلة، ومجدون: منطقة تقع في مرج ابن عامر في فلسطين. وحسب العهدَين (القديم والجديد)، ستقع معركة في ذلك المكان، سينتج عنها نزول المسيح وهزيمة الأعداء. طبعاً، لكلّ من اليهود والمسيحيين تصوّرهم الخاص عن هويَّة المسيح، وفي صفّ من سيكون. غير أن الأهم، هنا، أن "المسيحية الصهيونية" وتيّار "الإنجيليين"، وهم المحافظون البروتستانت، كيَّفوا عقيدة الهَرمجدون، وعمرها قرون طويلة، في ضوء حقيقة وجود دولة يهودية قائمة في فلسطين، فأنزلوا النصّ من تجريده إلى أرض الواقع. وهكذا، تعتقد غالبيتهم العظمى أن المسيح لن يعود في آخر الزمان، إلا بعد هزيمة أعداء "بني إسرائيل"، والذين تمَّ تعريفهم، ضمن معطيات واقع وجود إسرائيل، بالعرب والمسلمين. وعند نزول المسيح، والتخلّص من أعداء "بني إسرائيل"، تفترق القراءتان المسيحية الصهيونية والإنجيلية من ناحية، والصهيونية اليهودية من ناحية أخرى، حسب اختلاف المرجعيَّتَين الدينيَّتَين، ومن سيكون المنتصر النهائي، ومن سيكون المهزوم بينهما. وحسب معتقدات بعض هؤلاء، ستكون المعركة الفاصلة نوويةً. وهذا أيضاً تكييف للنصّ، وإخراجٌ له من تجريده وتنزيله، بناء على معطيات واقع اليوم. ولعلّ من المهم الإشارة إلى أن الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان كان يؤمن بـ"أننا قد نكون الجيل الذي يشهد معركة الهرمجدون"، كما أن سياسيين أميركيين كثيرين يبنون مواقفهم على مثل هذه القناعات الدينية، وهذا موضوع آخر.

قلب المنطقة العربية والإسلامية أمام مرحلة شديدة الخطورة، قد تترتّب عليها إعادة صياغة ما يعرف بالشرق الأوسط

على أيّ حال، خطورة رسالة هاكابي تأثيرها في ترامب، الذي يهدّد الآن بالانخراط في العدوان الإسرائيلي على إيران وتدميرها بشكلٍ لم يشهد له العالم مثيلاً من قبل. وليس عبثاً إحالة رسالة هاكابي إلى الرئيس الأميركي الأسبق ترومان، وتحديداً في 1945، أي في خضمّ الحرب العالمية الثانية، عندما ألقت الولايات المتحدة بقرار منه قنبلتَين ذرّيتَين على مدينتَي هيروشيما وناغازاكي تسببتا في مقتل ما لا يقل عن 220 ألف يابانيٍّ، بالإضافة إلى إصابة مئات آلاف آخرين بحروق وتسمّمات إشعاعية. اللافت، من ناحية، أن قرار ترومان ذاك كان مستنداً إلى زعم مفاده أن اليابان رفضت في مؤتمر بوتسدام في ألمانيا (من 17 يوليو/ تموز إلى 2 أغسطس/ آب 1945)، "استسلاماً كاملاً من دون شروط"، وهو الأمر نفسه الذي يطلبه ترامب من إيران. ومن ناحية ثانية، كانت التقارير الاستخباراتية الأميركية ترجّح استسلام اليابان قريباً من دون الحاجة إلى إلقاء قنبلتَين نوويَّتَين عليها، إلا أن معطياتٍ تفيد بأن ترومان ومن حوله كانوا يريدون تجربة مدى فاعلية الأسلحة الذرّية، ليبقى ذانك الهجومان هما القنبلتَان النوويَّتَان الوحيدتَان في الذاكرة الإنسانية، وهي ماركة مسجلّة حصراً باسم الولايات المتحدة.

ينبغي التقليل من محاذير التحاق واشنطن بالعدوان على إسرائيل مدفوعة (جزئياً) بتوظيف ترامب الدين

قد يحاول بعضهم التقليل من مدى تأثير رسالة هاكابي على ترامب، وقدرة نتنياهو على التلاعب به، بل ومن خطورة ترامب نفسه بذريعة أن أميركا دولة مؤسّسات. أذكّر المتشكّكين هنا بما حصل في مارس/ آذار 2019، خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب. حينها، كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في زيارة لإسرائيل، وصرّح لمحطة التلفزة الأميركية المسيحية "سي بي أن نيوز"، بأنه "بوصفه مسيحيّاً" يؤمن بأن ترامب "قد يكون هديةً من الربّ لإنقاذ اليهود من إيران". بالمناسبة، بومبيو هذا مثل هاكابي، إنجيليٌّ متطرّفٌ من المهووسين بـ"عقيدة الهرمجدون". لم تمض أيام إلا وكان ترامب يستقبل نتنياهو في البيت الأبيض ليوقّع له صكّاً بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، كما كان قد سبق له أن أعطاه صكّاً بالسيادة على القدس المحتلّة عام 2017. هذا لا يعني أن ترامب قد يلجأ إلى استخدام السلاح النووي ضدّ إيران، فالأمر جدّ مختلفٍ اليوم عن اليابان في أربعينيّات القرن الماضي، إلا أن ترامب قد يستخدم قوةً تدميريةً هائلةً ضدّ منشآت إيران النووية والعسكرية والبحثية ومنشآت الطاقة، كما ضدّ مدنييها، وهذا ليس بالأمر الجديد على الولايات المتحدة تاريخاً وحاضراً. أيضاً، لا ينبغي التقليل من محاذير التحاق واشنطن بالعدوان على إسرائيل مدفوعة (جزئياً) بتوظيف ترامب الدينَ، ويزعم أنه أعاد اكتشاف دوره في حياته بعد نجاته من محاولة الاغتيال العام الماضي. هذا أمر له سابقة في أميركا. في عام 2003، بعد غزو جورج بوش (الابن للعراق)، قال هذا الأخير إنه كان "مدفوعاً بمهمّة إلهية". وأضاف، لقد "كان الله يقول لي: جورج، اذهب وقاتل هؤلاء الإرهابيين في أفغانستان. ففعلتُ. ثمّ قال لي الله: جورج، اذهب وانْهِ الاستبداد في العراق. ففعلتُ". ورغم أنه تابع في التصريح ذاته أنه "الآن، أشعر مجدّداً بكلمات الله تأتي إليَّ: اذهبوا واحصلوا للفلسطينيين على دولتهم، وللإسرائيليين على أمنهم، واحصلوا على السلام في الشرق الأوسط. وسأفعل ذلك"، لكن يبدو أن تأثير شيطانه كان أقوى من تأثير كلمات ربِّه عليه، عندما تعلّق الأمر بتحدّي إسرائيل (!).
باختصار، قلب المنطقة العربية والإسلامية أمام مرحلة شديدة الخطورة، قد تترتّب عليها إعادة صياغة ما يعرف بالشرق الأوسط (أي نحن)، وإعادة رسم خرائطه، خصوصاً في ظلّ تسيّد كاذبَين ومتطرّفَين ومجرمَين في واشنطن وتل أبيب.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية