ضرب اقتصاد إسرائيل: استهداف بورصة تل أبيب وفوضى تطاول القطاعات
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

استفاقت إسرائيل على صدمة اقتصادية جديدة الخميس. صواريخ إيران ضربت مباشرة مبنى بورصة تل أبيب، فيما حل الدمار في غير منطقة مع تمكن طهران من الإفلات من القبة الحديدية الصارمة. الضربة النموذجية أتت في توقيت حساس أيضاً، بعد يوم واحد فقط على قرار إسرائيل تخفيف الإغلاق الاقتصادي، بعدما ارتفعت صرخات الشركات المجبرة على الإقفال بسبب حالة الطوارئ.

الفوضى تسيطر على تل أبيب، باقتصادها وأمنها وقرارات حكومتها. الأخيرة في مأزق فعلي حالياً، بين منع الأنشطة الاقتصادية مجدداً وإعطاء طهران نصراً على طبق من فضة، أو فتح الاقتصاد والمخاطرة بالسكان. أما المستثمرون في البورصة فيظهرون من خلال تعاملاتهم ضياعاً في تقدير الاتجاه المستقبلي.

فقد شهدت بورصة تل أبيب انخفاضاً في الصباح، ثم ارتفاعاً تاريخياً ومن ثم هبوطاً ظهراً، أما ما يقود الارتفاع فهو ليس مراهنات على نمو مقبل، وإنما إجراءات حكومية مصطنعة جعلت من قطاع التأمين ملاذاً آمناً محيداً عن الخسائر، وحرب أعطت دفعاً لأسهم العقارات، وأزمة إمدادات بالوقود لدى شركة كبرى زادت من رصيد الشركات المنافسة.

في الداخل وعلى عكس الاستعدادات الدقيقة في إخلاء الطائرات لمطار بن غوريون، بقي سوق العمل الإسرائيلي بلا خطة، والتعويضات لا تزال بلا مسار واضح، فيما يوجد 150 ألف عامل خارج إسرائيل، والآلاف الذين دُمرت بيوتهم ولا يذهبون إلى المكاتب، ولم يتم التحديد من سيدفع رواتبهم، الشركات التي لا تستفيد من إنتاجهم، أم الموازنة العامة المنهكة.

وتدور مناقشات حكومية لإعادة إحياء نموذج الإجازة غير مدفوعة الأجر، الذي طُبق لأول مرة عند فرض الإغلاق خلال فترة كورونا، والذي بموجبه حصل العمال على إعانات بطالة مع الحفاظ على التواصل مع صاحب العمل. وطُبق نموذج مماثل أيضًا في بداية الحرب، بين أكتوبر وديسمبر 2023. وشمل هذا النموذج في الواقع تسريح العمال دون الحاجة إلى إشعار مسبق أو استخدام أيام الإجازة، حيث دفعت الحكومة إعانات البطالة لعدة أشهر.

بورصة تل أبيب من كوكب آخر

وفيما تخوض إسرائيل حرباً حقيقية ومباشرة لأول مرة مع إيران، وفيما تتعرض لقصف مكثف لأول مرة في تاريخها القصير، إلا أن بورصة تل أبيب تبدو وكأنها في كوكب آخر، حتى بعد تعرضها لاستهداف مباشر بالصواريخ. الأسهم التي تقود ارتفاع المؤشر العام للبورصة تفسر جزئياً هذه الحالة الاستثنائية.

فقد سجلت البورصة الأربعاء أعلى مستوى لها على الإطلاق، ووفق الإعلام الإسرائيلي تزامن ذلك مع إعلان قيادة الجبهة الداخلية تخفيف القيود الاقتصادية، بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الإيرانيين يطلبون التفاوض، فيما يريد منهم الاستسلام، إضافة إلى التوقعات الإيجابية بأن تكون الحرب لمصلحة إسرائيل.

لكن تتبع مسار الأسهم قبل الأربعاء يدل على مؤشرات أخرى لا تقل أهمية. خلال أسبوع الحرب، قادت أسهم التأمين والبناء ارتفاع البورصة، التأمين قفز بنسبة 12% مؤشر البناء بنسبة 15%، وكذا ارتفعت أسهم بعض شركات الطاقة، إضافة إلى الصعود المنطقي لأسهم الشركات العسكرية. والصعود استمر الخميس بعد استهداف مقر البورصة.

في الواقع، تعول الشركات العقارية والبنى التحتية على الدعم الحكومي لمرحلة إعادة الإعمار، خاصة بعد الفجوة التي ظهرت في شروط الأمان من الحرائق وغيرها، وهي ليست إلا أرباحا مرهونة بغالبيتها بنفقات إضافية من الموازنة العامة المتهالكة. أما شركات التأمين فهي الآن "ذهب إسرائيل"، بعدما تحولت إلى ملاذ آمن مصطنع، إثر التدخل المباشر للحكومة في تحمل المخاطر، وخاصة في تغطية الأضرار التي تلحق بالممتلكات من خلال صندوق التعويضات التابع لهيئة الضرائب.

ودعمت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني هذا التوجه بعدما نشرت تقريرًا يفيد بأن سياسة التعويضات الحكومية تُقلل من مخاطر شركات التأمين، بحيث "لم تعد شركات التأمين ملزمة بدفع تعويضات عن الأضرار المباشرة التي تلحق بالممتلكات والحياة، وهو ما يمكّنها من الحفاظ على ربحية عالية".

كذا زادت قيمة أسهم شركات تعمل في قطاع الطاقة والتي استفادت من خروج سونول أكبر شركة توزيع محروقات في إسرائيل من السوق بعد استهداف ميناء حيفا، مصدرها الوحيد في توفير الوقود. وهكذا، صعدت بورصة تل أبيب لمدة خمسة أيام متتالية إلى مستوى قياسي جديد كل يوم.

وفي موازاة ذلك، أكد تقرير لموقع "كالكاليست" تعطّل أنشطة عشرات الشركات بسبب الحرب، في ظل غياب تقارير للمستثمرين في بورصة تل أبيب. وأغلقت شركات مراكز التسوق العملاقة ميليسرون، وأزريلي، وبيج، التي ترتفع أسهمها كثيراً، عملياتها، كما فعلت الشركات التي تستأجر المساحات منها، مثل فوكس، وكاسترو، وغولف؛ ولكن لم يبلغ أي منها عن هذا إلى البورصة؛ كما أن شركات مثل دور ألون، التي تشتري الوقود من مابزان، والتي توقفت عن العمل، لم تبلغ المستثمرين بأي شيء.

ما يعني أن مؤشر البورصة العام لا يعكس الواقع الفعلي للشركات المدرجة، فيما تغيب عن المستثمرين تفاصيل مرتبطة بحيثيات الشركات ووضعها المالي.

مؤشرات هابطة

وتعاني موازنة إسرائيل من ضغط غير مسبوق في ظل الإنفاق على حربين، في غزة وإيران، وعلى هجمات متفرقة تطاول لبنان واليمن، وسط عجز يبلغ 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 27.6 مليار دولار. واحتياطيات الطوارئ المستخدمة خلال حرب غزة على وشك النفاد.

وقد بدأت الحرب ضد إيران، والاقتصاد الإسرائيلي يغرق في حالة من عدم اليقين. يُجبر العمال على البقاء في منازلهم، وتُبلغ الشركات عن انخفاض حاد في إيراداتها، ونظام التعليم يعمل جزئيًا، والتجنيد واسع النطاق في قوات الاحتياط يجذب القوى العاملة من جميع قطاعات الاقتصاد.

لكن هذه المرة أيضًا، كما حدث مع كورونا والحرب على غزة، الحكومة الإسرائيلية غير مستعدة للتعامل مع العواقب الاقتصادية لحالة الطوارئ، بحسب ما يقوله أميت بن تسور هو المدير التنفيذي لمعهد أبحاث تغيير السياسات، في مقال نشره في "كالكاليست" حيث "تُتخذ القرارات "على عجل"، مع تأخيرات وتكون جزئية، والنتيجة هي أن كل أزمة اقتصادية تُقابل بحلول مؤقتة وأحيانًا مشوهة".

ويشرح أن سوق العمل لا يعكس أي انتعاش، وبالتأكيد لا يواصل الاتجاه طويل الأمد للزيادات المستمرة في التوظيف والأجور. وقد استندت النماذج التي طبقتها إسرائيل سابقًا إلى تمييز ثنائي: إما أن تكون موظفًا أو عاطلًا عن العمل. لكن الواقع المعقد لحالات الطوارئ لا يسير على هذا النحو. فهناك شركات تعمل جزئيًا، وموظفون لا يستطيعون العمل إلا من المنزل، وآباء يُجبرون على تقليص وظائفهم، وقطاعات بأكملها تتأثر ليس بشكل مباشر بالحرب، بل بالأجواء العامة، وتباطؤ الاستهلاك، أو قلة السياحة. وبدون معالجة هذه الأوضاع، قد يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من عواقب طويلة الأمد.

وتتزايد نفقات إسرائيل مع هبوط مؤشراتها العامة، ما دفع وكالة ستاندرد أند بورز منذ أيام إلى التلميح لتخفيض ثالث في التصنيف الائتماني لإسرائيل. يأتي ذلك بينما تتصاعد النفقات العسكرية والمدنية إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود. وتناقل الإعلام العالمي أن الصراع مع إيران يُكلف إسرائيل ما يقرب من 725 مليون دولار يوميًا، وهذا الرقم لا يشمل سوى النفقات العسكرية المباشرة. وشهدت ميزانية الحرب الإسرائيلية تضخمًا هائلًا استجابةً للحروب. من 60 مليار شيكل في عام 2023، ارتفع مخصص الدفاع إلى 99 مليارًا في عام 2024، وكان من المتوقع أن يصل إلى 118 مليار شيكل (31 مليار دولار) في عام 2025، إلا أن الحرب على إيران ستزيد هذا الرقم بطبيعة الحال.

في المقابل، تتزايد التحديات الإنفاقية المدنية، ما بين إخلاء مطار بن غوريون، وإعادة الإسرائيليين العالقين في الخارح، وتعويض الشركات، والإنفاق الإضافي على جيش الاحتياط، إخلاء، فيما يتم إجلاء الآلاف بعدما تضررت منازلهم ويقيمون الآن في الفنادق على نفقة الحكومة، وذلك من دون احتساب كلفة إعادة إعمار ما تدمره الصواريخ الإيرانية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية