
وفق تقديرات مراكز أبحاث وتقارير أجنبية، فإن خسائر حرب إيران مع إسرائيل جلبت "فوائد" ومكاسب اقتصادية كثيرة لروسيا، التي تمثل نحو 10% من الإنتاج العالمي للنفط الخام، ما يمنحها نفوذاً كبيراً في قطاع الطاقة العالمي، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي وزيادة التصدير النفطي، خاصة مع وجود مشكلات في الإمدادات النفطية لدى دول أخرى بسبب الحرب وقفزة كلفة نقل السفن وناقلات الخام الأسود، وهذا سوف ينعكس على مكاسب اقتصادية لروسيا أبرزها زيادة الاحتياطي الأجنبي وتحسن الإيرادات العامة ومخصصات الموازنة.
فقد أشار تقرير لمركز تحليل السياسات الأوروبية، يوم 17 يونيو/ حزيران الجاري، إلى أن "الكرملين قد يحصل على مكاسب غير متوقعة من القتال في الشرق الأوسط، في صورة زيادة عوائد النفط وتعزيز الاحتياطي النقدي".
وقالت شبكة سي أن أن، أمس الأربعاء، إن "الصراع الأخير في الشرق الأوسط يَصُبّ في مصلحة الكرملين" اقتصادياً، وإن موسكو تجني مكاسب مالية، بفضل ارتفاع أسعار النفط الخام والوقود الأزرق، لذا فالصراع بين إيران وإسرائيل يفتح أيضاً صنابير الفرص الاقتصادية، بخلاف الدبلوماسية، للكرملين الذي واجه سنوات من العزلة الدولية بسبب حربه في أوكرانيا.
وبحسب تقدير لموقع التلفزيون الألماني بالإنكليزية (DW)، 17 يونيو الحالي، فإن الحرب بين طهران وتل أبيب تشكل فرصاً عدة لروسيا اقتصادياً وسياسياً، وتوفر لها عوائد جديدة مع ارتفاع أسعار النفط والغاز بمعدلات عالية.
وتقول صحيفة كييف إندبندنت الأوكرانية، 13 يونيو الجاري، إن الحرب بين إسرائيل وإيران "سوف توفر دفعة اقتصادية تحتاج إليها روسيا لمواصلة القتال ضد أوكرانيا". وأكدت أنه "بالنسبة لروسيا، قد تكون هذه هي جرعة الأدرينالين اللازمة لاستعادة أسعار خام الأورال الهزيلة، والتي انخفضت بنسبة 14% على أساس سنوي من يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار، وفقاً لما قاله ديفيد فايف، كبير الاقتصاديين في "أرغوس ميديا" (Argus Media)، وهي مجموعة محللي السوق، لدى الصحيفة.
وتشير التقارير الأجنبية إلى أن موسكو هي الدولة الرابحة من اشتعال الصراع الإيراني الإسرائيلي اقتصادياً، رغم أنها قد تفقد حليفاً استراتيجياً جديداً لو انهزمت إيران. وأكدت أن أطرافاً مثل الخليج قد تخسر اقتصادياً على خلفية تنامي المخاطر الأمنية والجيوسياسية بها مع تهديد إيران بغلق مضيق هرمز شريان الطاقة العالمي، لكن أطرافاً أخرى، أبرزها روسيا، تجد نفسها أمام فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية واسعة على عكس الدول الأخرى المتضررة، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط وتحول أوروبا نحو النفط الروسي عبر وسطاء آسيويين بعد العقوبات، ما سيعزز احتياطيات النقد الأجنبي، ويعوض خسائر حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية.
وقفزت أسعار خام برنت، وهو المعيار العالمي، من 69.36 دولاراً إلى 75 دولاراً للبرميل، وهي مستويات لم نشهدها منذ فبراير/ شباط الماضي، مع تحذير بعض خبراء النفط من أن الأسعار قد ترتفع خلال أيام إلى 80 دولاراً للبرميل، بسبب الحرب، بل إن بنك جي بي مورغان تشيس (JPMorgan Chase) قال هذا الأسبوع إن أسعار النفط قد ترتفع إلى 130 دولاراً للبرميل إذا تصاعد النزاع في المنطقة.
مكاسب نفطية ضخمة
يؤكد تقرير لموقع Intellinews، في 17 يونيو الجاري، أن اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران يشكل "خبراً جيداً للميزانية الروسية". وأوضح أن اندلاع الصراع الشامل في منطقة الشرق الأوسط سبَّب ارتفاعَ أسعار النفط، وهو ما من شأنه أن يوفر للكرملين دفعة نقدية جديدة يحتاج إليها، في وقت يستمر فيه الإنفاق العسكري في الارتفاع، مما يؤدي إلى تضخم التوقعات بشأن عجز الميزانية هذا العام.
ويشير تقرير لوكالة بلومبيرغ الاقتصادية، 16 يونيو الجاري، إلى أن روسيا استفادت بقوة من الحرب، حيث ارتفعت أسعار النفط المصدر لأوروبا من 45 إلى 60 دولاراً، ويواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في خفض سقف أسعار النفط الروسي بسبب مخاطر الشرق الأوسط، وتهدف مساعي الاتحاد الأوروبي لخفض سقف الأسعار إلى خفض عائدات روسيا من مبيعات النفط، التي تستخدمها في تمويل حربها ضد أوكرانيا، وفق الوكالة.
وأدرجت المفوضية الأوروبية إجراءً لخفض سقف أسعار النفط لمجموعة السبع إلى 45 دولاراً للبرميل من السعر الحالي البالغ 60 دولاراً، في مسودة حزمة عقوبات على روسيا الأسبوع الماضي، لكن هذا الاقتراح قد لا يحظى بدعم الإجماع اللازم من حكومات الاتحاد الأوروبي من دون دعم الولايات المتحدة، وفقاً لدبلوماسيين مطلعين على هذه المسألة.
وبعد أن هبطت إلى ما دون الحد الأقصى البالغ 60 دولاراً للبرميل لأسابيع، ارتفعت أسعار النفط الخام الروسي مرة أخرى فوق هذا الحد الأسبوع الماضي، وفقاً لبيانات من "أرغوس ميديا". وانخفضت أسعار النفط إلى ما دون الحد الأقصى لمجموعة السبع في الأشهر الماضية، لكنها ارتفعت عقب الهجمات الإسرائيلية على إيران في الأيام الأخيرة.
وقفزت إيرادات النفط الروسية في مايو الماضي وحده بنحو 14% مقارنة بالشهر السابق، لتصل إلى نحو 13.7 مليار دولار، بدعم من ارتفاع الأسعار، وتحول المشترين إلى السداد بعملات بديلة كاليورو واليوان والروبية الهندية، بعيداً عن الدولار، لتفادي العقوبات الأميركية. ثم قفزت هذه الإيرادات مجدداً عقب اشتعال الحرب الإسرائيلية الإيرانية بنسبة 25% من دون أرقام محددة معلنة.
وتعكس هذه المؤشرات أن التصعيد في الشرق الأوسط لا يهدد الأمن فقط، بل من شأنه أن يعيد أيضاً رسم خريطة الطلب العالمي على الطاقة سواء نفط أو غاز أو مشتقات وقود، بما يتيح لموسكو فرصاً تجارية متزايدة لتوسيع أسواقها وتنويع عملائها، وفق "بلومبيرغ".
وفور اندلاع التوترات بين إيران وإسرائيل ارتفعت أسعار النفط، وعاد القلق العالمي بشأن استقرار إمدادات النفط في المنطقة التي يمر أكثر من 20% من صادرات النفط العالمية عبر مضيق هرمز الموجود فيها، والذي يظل رهينة لأي تصعيد في الصراع المحتمل.
وشكل ارتفاع أسعار النفط عالمياً، مكسباً للإيرادات الروسية، وزادت حصيلة النقد الأجنبي. وفي الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، انخفضت هذه الإيرادات بنسبة 14.4% على أساس سنوي لتصل إلى 4.2 تريليونات روبل، وفق مركز تحليل السياسات الأوروبية، وشكلت الإيرادات غير النفطية مصدراً مهماً لدعم الميزانية، ولا سيما ضريبة القيمة المضافة، التي ارتفعت للعام الثالث على التوالي بسبب فرط النشاط الاقتصادي، وضريبة دخل الشركات.
تحسن الموازنة
يشير تقرير لمعهد "لوي"، 17 يونيو الجاري، إلى أن الحرب من وجهة نظر موسكو تشكل "نعمة" لعدة أسباب، من بينها أن أسعار النفط المرتفعة نتيجة الحرب الدائرة، ستوفر لموسكو بعض المزايا الاقتصادية، وستساهم في إنعاش الخزانة الروسية، حيث كان الاقتصاد الروسي في وضع سيئ قبل اندلاع الحرب في إيران، وظل التضخم يحوم حول 10%، ويتجه نحو الارتفاع، وشهدت أسعار المواد الغذائية زيادات كبيرة.
وفي الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، نما الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 1.4% على أساس سنوي، وفقاً لهيئة الإحصاء الحكومية (روستات). وهذا أقل نمو منذ الربع الثاني من عام 2023، عندما بدأ الاقتصاد يتعافى من آثار العقوبات التي فرضها الغرب عقب الغزو الشامل لأوكرانيا قبل ثلاثة أعوام. وفي مايو 2025، سجلت روسيا عجزاً في الميزانية الفيدرالية بلغ 506 مليارات روبل (5.76 مليارات دولار)، وفقاً لوزارة المالية.
ويعكس هذا العجز الشهري انخفاضاً حاداً على أساس سنوي في عائدات النفط والغاز، بانخفاض قدره الثلث مقارنةً بمايو 2024، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط وانخفاض أحجام الصادرات.
