
منذ بدأ العدوان الإسرائيلي على إيران فجر يوم الجمعة الماضي، كان واضحاً أن إسرائيل أعدت جيداً ومطولاً للحرب، حتى أنها، بحسب المعطيات التي ظهرت خلال الأيام الماضية، كانت تخوض الحرب من داخل إيران لا فقط من خارجها، إذ لم يقتصر العدوان الإسرائيلي على إيران على هجمات جوية مباشرة من الخارج، بل نُفّذ جزء كبير منه من داخل الأراضي الإيرانية عبر عناصر متعاونة مع الموساد الإسرائيلي، وهو ما أقرّت به السلطات الإيرانية. وقال رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، الاثنين الماضي، إن "جزءاً كبيراً من ضربات العدو ليس هجوماً عسكرياً، بل يتم عبر عناصر عميلة من الداخل". ودفع ذلك مختلف أجهزة الاستخبارات والأمن والشرطة في إيران لإطلاق حملة أمنية مكثفة وواسعة منذ بدء العدوان، ما زالت مستمرة، للوصول إلى هذه العناصر، معلنة عن اعتقال أكثر من 200 متورط في هجمات إسرائيل من الداخل الإيراني على مدى الأيام الأربعة الأولى من العدوان.
وسارع المسؤولون الإسرائيليون، أنفسهم، إلى التباهي بحجم الاختراق في إيران، بعدما سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بكشف بعض التفاصيل حول عمل الموساد منذ سنوات في إيران، لتنقل وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر أمني إسرائيلي قوله، إنه قبل وقت طويل من الهجوم، أنشأ عملاء الموساد قاعدة لطائرات مسيّرة مفخخة بالقرب من العاصمة طهران. وأضاف: "جرى تشغيل الطائرات المسيّرة في الهجوم، حيث أُطلقت باتجاه منصات إطلاق صواريخ أرض - أرض الإيرانية في قاعدة إسبغاباد/ أسفاق آباد، وهي من بين المواقع الرئيسية التي تشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل".
تبرز أهمية البلاغات والمعلومات التي يقدمها المواطنون لملاحقة عملاء الموساد
وفي إطار عملياتهم، نفّذ عملاء الموساد الإسرائيلي خطوات كبيرة لإدخال أسلحة خاصة بكميات كبيرة ونشرها في أنحاء إيران، وإطلاقها نحو أهداف الهجوم بدقة وفعالية. ووفقاً للمسؤولين الإسرائيليين، جرى تشغيل ثلاث منظومات عملياتية استخبارية مختلفة ومعقدة: الأولى في وسط إيران، حيث قامت وحدات كوماندوز تابعة للموساد بنشر أنظمة عملياتية لأسلحة دقيقة التوجيه في مناطق مفتوحة بالقرب من مواقع أنظمة صواريخ أرض - جو تابعة لمنظومة الدفاعات الجوية الإيرانية. ثانياً، مع بداية الهجوم الإسرائيلي، وبالتزامن مع ضربات سلاح الجو الإسرائيلي في جميع أنحاء إيران، جرى تفعيل الأنظمة والصواريخ الدقيقة وإطلاقها مباشرة نحو الأهداف دفعة واحدة، وبدقة عالية.
وفي مسار عملياتي آخر يهدف إلى إحباط قدرات الدفاع الجوي الإيراني التي تهدّد الطائرات المقاتلة الإسرائيلية، نفّذ الموساد عمليات سرّية لنشر أنظمة هجومية وتقنيات متطورة على مركبات. ومع بدء الهجوم المفاجئ، أطلقت الأسلحة وجرى تدمير أهداف الهجوم بالكامل، أي أنظمة الدفاع الإيرانية. وفي المنظومة الثالثة، أنشأ الموساد قاعدة لطائرات مسيّرة مفخخة جرى تهريبها إلى عمق إيران قبل وقت طويل من الهجوم بواسطة عملاء الموساد. وخلال الهجوم الإسرائيلي، جرى تشغيل الطائرات المسيّرة المفخخة وإطلاقها نحو منصات إطلاق صواريخ أرض - أرض إيرانية موجودة في قاعدة بالقرب من طهران. وفي اليوم الثالث من العدوان الإسرائيلي، انفجر ما لا يقل عن خمس سيارات مفخخة الأحد الماضي في طهران، ما أدى إلى مقتل عدد من الإيرانيين.
عدوان على إيران بطريقتين
وقال الخبير العسكري الإيراني، مرتضى الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إن العدوان الإسرائيلي المتواصل على إيران منذ الجمعة الماضي بالمجمل يُنفّذ بطريقتين: الأولى من "خلايا عملياتية أرضية للموساد"، والثانية من خلال القصف الجوي عبر المقاتلات من طراز أف 15 وأف 16 وغالباً أف 35، حيث تنتهك الأجواء الإيرانية قادمة من العراق، لافتاً إلى أنه خلال الأيام الأربعة الأولى من العدوان، كان باستمرار نحو 50 إلى 70 مقاتلة في أجواء العراق، وتتزود بالوقود في الأجواء السورية والمنطقة بمساعدة الأميركيين والبريطانيين والألمان.
أما الطريقة الأولى في العدوان الإسرائيلي على إيران، فهي أكثر أهمية، حيث أوضح الموسوي أن ما يقارب 70% من الهجمات الإسرائيلية في أنحاء إيران تُنفّذ بهذه الطريقة من خلال "خلايا عملياتية أرضية للموساد"، مشيراً إلى أنها تتشكل من أشخاص مجندين عملاء، وكذلك مجموعات إيرانية معارضة مثل "المنافقين"، وهي تسمية تطلق على منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة المصنفة في إيران على أنها "جماعة إرهابية"، و"انفصاليين أكراد" وحتى مهاجرين أفغان، و"ملكيين" (أنصار النظام الملكي السابق).
ولفت الموسوي إلى أن حملة الاعتقالات "ما زالت محدودة وستتسع"، مضيفاً أن هذه الخلايا تعمل بأشكال مختلفة. وأوضح أنها تقريباً خمسة أشكال: الأول إطلاق مسيّرات صغيرة الحجم من طراز كوادكوبتر التي تقلع بشكل عمودي، والشكل الثاني إطلاق مسيّرات انتحارية من خلف سيارات، والشكل الثالث إحداث حرائق، هدفها تقريباً بثّ الرعب حيث تتصاعد منها أعمدة دخان كبيرة، والشكل الرابع هو تفجير سيارات، والشكل الخامس هو إطلاق صواريخ تُحمل على الكتف مثل صواريخ سبايك.
أساليب "عميلة" متنوعة
وبرأي الخبير العسكري، فإن هذه الخلايا تقوم عبر تلك الأساليب بعمليات اغتيال ومهاجمة مقار وقواعد وثكنات عسكرية وأهداف ومنشآت نووية، لافتاً إلى أن "معظم الاغتيالات تمّت عبر هذه العناصر العميلة" من خلال استخدام مسيّرات صغيرة أو متوسطة أو تفجير سيارات أو إطلاق صواريخ تُحمل على الأكتاف.
وأوضح الموسوي أنه قبل بدء الجيش الإسرائيلي بقصف قواعد وثكنات عسكرية، "تقوم هذه الخلايا الإرهابية الموجودة في أماكن قريبة من القواعد الصاروخية والدفاعات الجوية عادة باستهداف هذه المواقع العسكرية وفق مخطط مسبق مع جهاز الموساد". وشرح أن هذه المجموعات مزودة بمسيّرات انتحارية صغيرة الحجم من طراز كوادكوبتر ومسيّرات انتحارية وحتى صواريخ تُحمل على الأكتاف ضد الدروع أو صواريخ سبايك التي تُحمل أيضاً على الكتف ويراوح مداها من 3 إلى 8 كيلومترات، مشيراً إلى أن هذه الخلايا قامت خلال الأيام الماضية باستهداف الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي عبر مسيّرات وصواريخ تُحمل على الكتف، من مسافة 3 إلى 5 كيلومترات.
وأشار الموسوي في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن "العملاء يطلقون المسيّرات من سيارات هايلكس وبيك أب وشاحنات صغيرة، على غرار ما يجري في العمليات العسكرية بأوكرانيا، ما يصعّب عملية التصدي، ويُبرز أهمية البلاغات والمعلومات التي يقدمها المواطنون".
حسين كنعاني مقدم: منذ استشهاد رئيسي وبينما كان البلد منشغلاً بالتفاوض، كان هناك فراغ استخباري مكّن الموساد من تنظيم عناصره
دعوات استخبارية
وفي السياق، أطلقت وزارة الاستخبارات الإيرانية، نداءات للمواطنين الإيرانيين، من أجل الإبلاغ عن تحركات مشبوهة لسيارات الشحن الصغيرة والبيك أب، مضيفة أن "العناصر التخريبية تلجأ أحياناً إلى استخدام سيارات نقل البضائع الخفيفة من نوع بيك أب أو الشاحنات الصغيرة لنقل الطائرات بدون طيار (درون)، أو المعدات، أو الأشخاص، أو مواد مشبوهة". ودعت الوزارة المواطنين إلى "أخذ أي تحرك غير اعتيادي لهذا النوع من المركبات خصوصاً خلال ساعات الليل أو في الأماكن الحسّاسة على محمل الجد والإسراع بالإبلاغ عنها". وأشارت إلى أن هذا النوع من المركبات يُستخدم في إطلاق الطائرات الصغيرة المسيّرة والاستطلاع، وتوجيه الصواريخ المعادية.
وفي الإطار، بيّن الموسوي في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الشرطة ضبطت قاذفات صواريخ سبايك، تركها العملاء بعد استخدامها في مناطق صحراوية، مشيراً إلى "وقوع خسائر كبيرة" في أنظمة الدفاع الجوي نتيجة هذه الهجمات من الداخل بعدما تمّ إشغالها وإنهاكها بمجموعات كبيرة من المسيّرات، غير أنه أكد في الوقت ذاته نقلاً عن مصادر مطلعة أن القوات المسلحة الإيرانية تتمكن بسرعة من استبدال المنظومات المعطوبة بأخرى جديدة، وهو ما يفسر سرّ استمرار تصدي الدفاعات الجوية في العاصمة وبقية المناطق بعد تعرضها لهذا الكمّ الكبير من الهجمات من الداخل والخارج.
فراغ استخباري
من جهته، قال القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني، حسين كنعاني مقدم، لـ"العربي الجديد"، إن هذه الاختراقات الأمنية تكشف أن "الأعداء كانوا يخططون لهذه العملية منذ عام على الأقل"، مضيفاً أنه "منذ استشهاد الرئيس إبراهيم رئيسي (في 19 مايو/أيار 2024 جراء سقوط طائرته)، وبينما كان البلد خلال الشهور الأخيرة منشغلاً بالتفاوض مع الولايات المتحدة، كان هناك فراغ استخباري مكّنهم من تنظيم عناصرهم لتنفيذ مثل هذه الأعمال الإرهابية".
لعب الذكاء الاصطناعي دوراً في الاختراق، وقسمت الأهداف إلى مجموعات، كالقيادات والعسكر والمدنيين والبنية التحتية
وأوضح كنعاني مقدم أن جزءاً من هذه الطائرات المسيّرة الصغيرة أو التفجيرات أو عمليات الاستطلاع هي نتيجة "اختراقات في شبكاتنا الداخلية"، متطرقاً إلى تفجير أجهزة البيجر في لبنان. وقال حول ذلك: "انظروا، لقد خطّطوا لعملية تفجير البيجر لدى ثلاثة أو أربعة آلاف شخص في لبنان منذ سنوات عدة، ونفذوها ووجهوا ضربة. من الطبيعي أنهم يقومون بتصرفات مماثلة ضد إيران، التي هي العدو الرئيسي للكيان الصهيوني".
وبرأيه، فإن "جزءاً من العمليات التخريبية من الداخل قد ظهر حتى الآن، وقد يكون جزء آخر لا يزال خفياً ولم يدخل حيّز التنفيذ بعد"، لافتاً إلى أن عدداً كبيراً من أجهزة الاستخبارات والتجسس الموجودة في العالم "يعمل حالياً ضمن غرفة عمليات مشتركة ضد إيران". وأشار إلى أن الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، والاستخبارات البريطانية (إنتلجنس سيرفيس)، وغيرها من المجموعات في المنطقة، جميعها تركز جهودها ضد إيران، "فتعمل وتُنفق الموارد وتؤسس شبكات، وتخترق، وتعزّز الجماعات الإرهابية، سواء من الناحية اللوجستية أو عبر إرسال الأسلحة والذخائر والمعدات". ولفت إلى أن "جزءاً من هذه التحركات يُكتشف ويُعتقل عملاء وجواسيس، غير أن جزءاً آخر منها يصل في نهاية المطاف إلى ساحة العمليات، كما شهدنا في الأيام الأخيرة".
حملة اعتقالات
وكثّفت الأجهزة الأمنية الإيرانية حملاتها لملاحقة المتعاونين مع الاحتلال الإسرائيلي الذين تقول إيران إنه أصبح لهم دور كبير في تنفيذ الهجمات داخل أراضيها، سواء عبر إطلاق الطائرات المسيّرة الصغيرة وتوجيهها، أو تنفيذ تفجيرات للسيارات، أو غيرها من الأعمال التخريبية المماثلة. وقد بلغ عدد المعتقلين ممن وصفتهم السلطات بـ"عملاء وجواسيس" متورطين في العدوان الإسرائيلي، وكذا داعميه على شبكات التواصل الاجتماعي، حوالي 200 شخص منذ يوم الجمعة وحتى مساء أول من أمس الاثنين.
في السياق نفسه، أعلن الحرس الثوري الإيراني، اعتقال عميل متعاون مع الكيان الصهيوني في محافظة إيلام، قائلاً إنه "كان يعمل في أحد المراكز الحسّاسة بالمحافظة". ويوم الاثنين، أعلنت الشرطة الإيرانية عن تفكيك خلية عملياتية "مهمة" مرتبطة بالكيان الإسرائيلي في طهران واعتقال 28 شخصاً. وفي بيان يوم الأحد الماضي، أعلنت قيادة قوات الأمن الداخلي القبض على عميلين مرتبطين بجهاز الموساد في عمليتين منفصلتين في مدينة فشافويه بقضاء ري جنوب طهران، وضبط أكثر من 200 كيلوغرام من المتفجرات والمعدات و23 طائرة مسيّرة ومنصات إطلاق وأجهزة توجيه وسيارة بيك أب بحوزتهما.
والثلاثاء أيضاً، أفادت تقارير بعثور السلطات الإيرانية على ورشة يُشتبه في أنها إسرائيلية لتصنيع المسيّرات والمتفجرات بمدينة أصفهان في وسط البلاد. وذكر موقع "إيران نوانسز" الإلكتروني أن الشرطة اعتقلت مشتبهاً به متهماً بتصنيع متفجرات واختبارها في الموقع المرتبط بالموساد.
لكن وجود عملاء للموساد لا يفسّر لوحده حجم الاختراق الكبير الذي أظهره العدوان، خصوصاً بعدما تمكنت إسرائيل في أولى ضرباتها من تصفية كبار القادة العسكريين وصولاً إلى الحديث عن استدراج قادة القوات الجوية في الحرس الثوري إلى اجتماع ثم اغتيالهم بغارة فضلاً عن اغتيال أكثر من 10 علماء نوويين.
وفي السياق، برز ما أعاد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، الذي راجت شائعات عن اغتياله مساء الثلاثاء قبل أن يتين عدم صحتها، الحديث عنه في مقابلة مصورة في أول يوم للعدوان، مشيراً إلى ما سمّاه وجود "عصابة أمنية تعمل على شكل شبكة واسعة" في إيران، قائلاً إنها تقف وراء عمليات فساد منظمة وتهريب واغتيال علماء نوويين وانفجارات في منشآت نووية. وفي حديثه عن مستوى الاختراق في المؤسسة الأمنية الإيرانية، تحدث عن أن "أعلى مسؤول لمكافحة التجسس في وزارة الاستخبارات نفسه كان جاسوساً لإسرائيل" من دون أن يحدد اسمه، مضيفاً أن هذه الشبكة سهّلت لإسرائيل تنفيذ "عمليات معقدة كثيرة". كذلك أشار إلى سرقة الموساد الإسرائيلي في عام 2018 أهم الوثائق النووية والفضائية من المراكز الحسّاسة.
وقال إنه "عندما سرقت الوثائق من منظمة الفضاء، كتبوا سيناريو لتصوير السرقة على أنها أمر عادي، والحديث عن أن الخزنة لم تفتح ولم تسرق أي وثيقة، بغية الحفاظ على عناصر التجسس وخط الاختراق". وانتقد عدم تحمل أي طرف مسؤولية سرقة الوثائق من منطقة طورقوز أباد جنوبي طهران ومنظمة الفضاء، مضيفاً أن "العصابة تمنع المكافحة الحقيقية للفساد في البلاد، وتستغل جهود رجال أمن مخلصين في ذلك، فيما تواجه بعض الفاسدين للتظاهر بمكافحة الفساد، وتعقد صفقات مع الآخرين لتبرئتهم".
مع العلم أن وزارة الاستخبارات علّقت عبر إصدار بيان يوم 31 مايو الماضي، على تصريحات قديمة لنجاد عن الموضوع نفسه، وانتقدت تصريحات الرئيس السابق ضدها، قائلة إنها "باطلة وغير واقعية وتستهدف تضليل الرأي العام".
وسبق أن اعترف رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق يوسي كوهين بعملية اقتحام الأرشيف النووي الإيراني من مقر في إحدى ضواحي طهران (2018)، والذي احتوى على أسرار المشروع النووي الإيراني، وشرح كيف تمّ تهريبه رقمياً إلى إسرائيل، حتى قبل خروج عملاء الموساد من مقر الأرشيف الإيراني نفسه. وقال كوهين إن العملية، التي كان من المفترض أن تنتهي في سبع ساعات، كان فيها عشرون شخصاً من عملاء الموساد حاضرين في موقع العملية، ولم يكن أحد منهم إسرائيلياً، و"كل هؤلاء العملاء على قيد الحياة، وبعضهم غادر إيران"، وفقاً لقوله.
كذلك حضر دور الذكاء الاصطناعي في منح إسرائيل التفوق على إيران سواء عند التخطيط للعدوان أو في إطلاقه. وفي تقرير لها، نقلت وكالة أسوشييتد برس، أول من أمس، عن سيما شين، رئيسة الأبحاث السابقة في الموساد، والتي تعمل حالياً محلّلة في معهد الدراسات الأمنية الوطنية الإسرائيلي، تأكيدها أن "الهجوم هو تتويج لسنوات من العمل من قبل الموساد لاستهداف البرنامج النووي الإيراني".
صلاح الدين خديو: عوامل عدة ساعدت على الاختراق في مقدمتها تفشي الفساد في إيران
وبحسب مسؤول إسرائيلي استخباري سابق، فإن الموساد والجيش الإسرائيلي عملا معاً لـ3 سنوات على الأقل، لتهيئة العملية. ولتحليل المعلومات التي جمعتها، استخدمت إسرائيل، وفق مسؤول استخباري مطلع منخرط في اختيار الأهداف من أشخاص أو مواقع (في إيران)، أحدث برامج الذكاء الاصطناعي، وذلك للمساعدة على سرعة البحث في الكم الهائل من المعلومات التي حصلت عليها. وبحسب المسؤول فقد بدأ هذا الجهد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وكانت الوكالة قد كشفت في وقت سابق أن الجيش الإسرائيلي يستخدم نماذج ذكاء اصطناعي مصنعة أميركياً في الحرب، لغربلة المعلومات الاستخبارية واعتراض الاتصالات، لمعرفة تحركات أعدائهم، وقد استخدم هذه النماذج في حربه مع "حماس" ومع حزب الله اللبناني. وشرح الضابط الاستخباري أن الخيارات (الأهداف) تقسم بدايةً ضمن مجموعات، كالقيادات والعسكر والمدنيين والبنية التحتية، ويتم اختيار الأهداف إذا تمّ تحديدها بأنها تشكّل خطراً على إسرائيل وفق زعمه، ومثال على ذلك، على حدّ قوله، إذا كانت مرتبطة بشكل كبير بالحرس الثوري الإيراني. وكان على الضابط، أحد مصادر تقرير الوكالة، أن يجمع في لائحة أسماء جنرالات إيرانيين، ومعلومات حول الأمكنة التي يعملون فيها، وكيف يقضون أوقات فراغهم.
وفي السياق، أعلنت قيادة الأمن السيبراني الإيرانية، أول من أمس، أن استخدام "جميع الأجهزة المتصلة بشبكات الاتصالات بما في ذلك الهواتف الذكية والساعات الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة" محظور على الموظفين المدنيين. كما نصحت القيادة المدنيين باستخدام هذه الأجهزة بشكل محدود، وذلك بعد ما قال السفير الإسرائيلي في واشنطن، يحيئيل ليتر، الاثنين، أنه "عندما تهدأ الأمور، سترون بعض المفاجآت مساء الخميس والجمعة التي ستجعل عملية البيجر (في لبنان) تبدو بسيطة تقريبا"، وفقاً لتقارير إعلامية أميركية. كما حثّ التلفزيون الحكومي الإيراني، الثلاثاء، الجمهور في البلاد على إزالة تطبيق واتساب من هواتفهم الذكية، مشيراً إلى أن التطبيق، دون تقديم دليل محدد، يجمع معلومات المستخدمين لإرسالها إلى إسرائيل. وفي بيان، أعربت شركة واتساب عن شعورها "بالقلق من أن تكون هذه التقارير الكاذبة ذريعة لحظر خدماتنا في وقت يحتاجها الناس بشدة".
وحول أسباب اتساع الاختراقات الإسرائيلية والإخفاقات الإيرانية في مواجهتها، أشار الخبير الإيراني صلاح الدين خديو إلى عوامل عدة، في مقدمتها تفشي الفساد في إيران، قائلا إن ما حصل من اختراقات سيشكل مادة دسمة للبحوث والدراسات خلال الفترة المقبلة. ورأى
في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تراجع بريق الأيديولوجيا الحاكمة يعد العامل الآخر وكذلك تفشي النفعية والنفاق والمحسوبية وتغييب المعايير السليمة في عمليات الانتقاء للكوادر. كما لفت إلى أن سبباً آخر هو دور الاستقطاب والصراعات السياسية، شارحاً أن السلطات الإيرانية لم تتعلم الدروس من حوادث مثل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران (31 يوليو/تموز الماضي)، وكذلك الاغتيالات في حزب الله وتفجير أجهزة البيجر، مؤكداً أن هذه الحوادث "بالتأكيد أنها أطلقت ناقوس الخطر للمستويات السياسية والأمنية في النظام، وربما اتُخذت أيضاً تدابير، لكن من جهة فإن حجم الاختراق كبير ومن جهة ثانية هناك فارق كبير في التقنيات الحديثة بين إيران وإسرائيل". وباعتقاده، فإنه في ظلّ وجود هذين العاملين "لم تجد السلطات فرصة كافية لملء الفجوات الأمنية".
كما لفت الخبير الإيراني في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى دور العقوبات الأميركية في حرمان إيران من التقنيات المتطورة، موضحاً أن هذه العقوبات تسببت في قطع علاقة إيران العلمية مع العالم وزادت الفجوة التقنية العميقة بين إيران وإسرائيل وهو ما ظهر في الحرب حالياً.
ولفت خديو إلى نوع آخر من الاختراق، مسميا إياه "الاختراق التحليلي التوجيهي"، ما أدّى وفق رأيه إلى "فخاخ تحليلية" حالت دون اتخاذ تدابير جادة وصحيحة في مواجهة الاختراق الإسرائيلي.
وكان وزير الاستخبارات الإيراني الأسبق علي يونسي، قد لفت في يونيو/حزيران 2021 في حديث مع موقع جماران الإيراني، إلى أن البلاد قد تمّ تطهيرها من نفوذ جميع المجموعات التي وصفها بـ"الإرهابية" خلال "10 أو 15 أو 20 سنة" الماضية، "لكن تمّ إغفال نفوذ الأجهزة الاستخبارية، وخصوصاً إسرائيل". وحذّر من أنه خلال "السنوات العشر الأخيرة، أصبح نفوذ الموساد في مختلف أنحاء البلاد بالحد الذي يستدعي أن يشعر جميع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية بالقلق على حياتهم".

أخبار ذات صلة.
