بدأت ملامح أزمة إنسانية تتشكل على الحدود الإيرانية مع العراق، في ظل الحرب المفتوحة بين إيران وإسرائيل والمستمرة منذ ستة أيام، حيث يعبر مواطنون إيرانيون محملون بأكياس الأرز والسكر والشاي، في مشهد يعكس حجم الضغوط المعيشية المتفاقمة جراء الضربات الإسرائيلية المكثفة. عند معبر باشماخ الحدودي في إقليم كردستان العراق، تصطف الشاحنات الإيرانية وتلوح على وجوه سائقيها ملامح القلق، لا من القصف فقط، بل من شح الخبز والوقود داخل وطنهم. فهناك، وسط انقطاع الكهرباء وتراجع الإمدادات وازدحام المخابز، يعيش الإيرانيون حالة من الخوف والتقشف، وتنتشر روايات النزوح المؤقت والبحث عن الغذاء في القرى البعيدة عن الثكنات المستهدفة. إنها حرب لا تقاس بعدد الصواريخ فقط، بل بكيلوغرامات الخبز المفقودة على أرفف المتاجر.
يعود الإيراني فتّاح (اسم مستعار) إلى بلده عن طريق معبر باشماخ الحدودي من إقليم كردستان بشمال العراق، محمّلا بأكياس من الأرزّ والسكر والشاي، مشيرا الى أن عائلته تعاني من انقطاع المواد الغذائية جرّاء الضربات الإسرائيلية غير المسبوقة على إيران منذ أيام. ورفض أكثر من 30 إيرانيا قابلتهم وكالة فرانس برس على الطريق الرابط بين محافظة السليمانية في كردستان العراق ومحافظة كردستان الإيرانية، التحدّث أمام الكاميرا، خوفا من تداعيات التعبير عن رأيهم اليوم أكثر من أي وقت مضى، في بلدهم الذي يشهد قصفا إسرائيليا يوميا منذ الجمعة. أمّا القلائل الذين وافقوا على رواية يوميات الحرب، فطلبوا عدم الكشف عن هويتهم واستخدموا أسماء مستعارة.
عائلات على الحدود
على بعد عشرات الأمتار من معبر باشماخ في الجانب العراقي، تقف على جانب الطريق عشرات شاحنات نقل البضائع الثقيلة التي تحمل لوحات إيرانية، محمّلة بمعظمها بالأسفلت، في انتظار دخول إيران. ويستعدّ فتّاح (40 عاما) للسفر مسافة أكثر من 1700 كلم إلى مدينة بندر عبّاس في أقصى جنوب إيران لتسليم شحنة من الأسفلت، ثمّ العودة إلى قضاء ميروان بمحافظة كردستان (غرب) للقاء عائلته. ويقول بصوت مرتجف "يمرّ طريقنا بالقرب من منشأة نطنز النووية". ويشير الرجل الذي ارتدى سروالا فضفاضا وزيّا كرديا تقليديا، إلى أن "هناك مشكلة في تعبئة الديزل والوقود حاليا"، موضحا "في السابق كان يمكن التعبئة في أي وقت، لكن الآن هناك ازدحام شديد على محطات الوقود وارتفاع بالأسعار".
ويغادر السائق العراق ومعه، على غرار سائقين آخرين وفق قوله، مؤن، إذ في إيران "نقص في المواد الغذائية مثل الأرز والخبز والسكر والشاي". بالقرب منه، يتصل آرام (28 عاما) الذي وصل قبل ثلاثة أيام إلى كردستان العراق، بزوجته باستمرار للاطمئان على أحوال العائلة المقيمة في مدينة سنندج، مركز محافظة كردستان الإيرانية. ويقول الأب لطفلَين: "يقع بيتنا قرب ثكنة عسكرية تعرّضت للقصف"، مؤكدا أن "العائلة بخير لكنها انتقلت إلى بيت أقاربنا في قرية" قريبة من المدينة. ويشير إلى أن زوجته أخبرته أن عدة عائلات مقيمة قرب ثكنات عسكرية فعلت الشيء نفسه، إذ "وجدت ملجأ مؤقتا في قرى محيطة آمنة، بعيدا من المناطق العسكرية".
ويعزو النقص في المواد الغذائية إلى "شراء المواطنين كميات كبيرة من المواد الغذائية من أجل تخزينها في البيوت"، تحسبا لنزاع طويل. وبدأت إسرائيل فجر الجمعة هجوما واسع النطاق طاول خصوصا مواقع عسكرية ونووية في إيران التي ردّت بعد ساعات بضربات صاروخية وبمسيّرات على إسرائيل. ويتواصل تبادل إطلاق النار بين البلدين ويتوسّع منذ ستة أيام. وفي إيران، أسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل 224 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من ألف آخرين، وفقا لحصيلة رسمية صدرت الأحد. وأسفرت الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية ردّا على الهجمات الإسرائيلية عن مقتل 24 شخصا على الأقل في إسرائيل.
طوابير الخبز
ويروي شوان الذي يعمل بائعا للسيارات في مدينة بوكان بمحافظة أذربيجان الغربية في شمال غرب إيران، أن طائرات قصفت "مواقع عسكرية" عدة مرات في منطقته. ويقول لفرانس برس في رسالة صوتية تمكّن بصعوبة من إرسالها عبر تطبيق مراسلة بسبب انقطاع الإنترنت بين الحين والآخر "الناس في حالة صدمة وذهول ولا يعرفون ما يجب فعله". ويضيف الشاب الكردي: "الوضع الاقتصادي سيئ جدا"، متابعا: "هناك مشكلة كبيرة تتمثل بقلّة الخبز، فالناس يتجمّعون بأعداد كبيرة أمام المخابز وفي بعض الأحيان يجوب ما يصل إلى أربعة أفراد من العائلة الواحدة، المخابز للحصول على ما يكفي من الخبز".
ويتحدث عن "صعوبة في الحصول على مواد غذائية مثل الأرزّ والزيت"، مشيرا كذلك إلى أن "الموظفين الحكوميين كان يجب أن يتسلّموا رواتبهم قبل عدة أيام، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن". وتقول الخيّاطة أفين (38 عاما) المتحدرة من مدينة سقز في كردستان الإيرانية: "اندلاع القتال أثار حالة من الخوف بين السكان"، مشيرة الى أن منطقتها لم تُستهدف "لحسن الحظّ". وتضيف في رسالة صوتية: "بعض العائلات التي لديها أطفال صغار لجأت إلى قرى قريبة خارج المدينة خوفا من نيران الحرب". وتشير إلى صعوبة الحصول على المواد الأساسية، "لأن غالبيتها تأتي عادة من طهران، وبسبب ذلك أصبح السوق في مدينتنا شبه معطّل".
(فرانس برس)