
لم تكد تمرّ أيام على رفع العقوبات الغربية عن سورية وانتعاش الآمال بتحسين الأوضاع المعيشية، حتى اندلعت الحرب الإسرائيلية الإيرانية، التي سيكون لها بحسب مختصين، تبعات سلبية على المنطقة ومنها الاقتصاد السوري المنهك، الذي كان يتلمّس طريقه نحو التعافي.
ورغم أن سورية خارج حلبة الصراع المحتدم حالياً، فإنها ستكون من بين الدول التي ستتأثر مباشرةً على الصعيدَين السياسي والاقتصادي لا سيّما إذا طالت هذه الحرب التي دفعت على الفور أسعار النفط إلى الأعلى، ما ينعكس على أسعار المواد التي تستوردها دول المنطقة وفي قلبها سورية.
وضغطت الحرب على سعر الليرة السورية التي كانت شهدت فترة استقرار قبل الحرب، ما يثير المخاوف من ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والمحروقات وهو من شأنه تعميق الأزمات المعيشية التي تضغط على القطاع الأوسع من السوريين، الذين يعيش أكثر من ربعهم في فقر مدقع وفق إحصائيات أممية. ويخشى أغلب السوريين من تراجع الاهتمام الإقليمي والدولي ببلادهم بعد انفتاح كبير عقب إسقاط نظام الأسد، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من العام الفائت، والذي تجلى برفع العقوبات الأوروبية والأميركية التي كانت تعرقل الاقتصاد وتحول دون انتعاشه.
وظلّت سورية محور اهتمام العالم لأشهر عدّة، ما عزّز آمال السوريين بتدفق الاستثمارات الكبرى الكفيلة بتحريك عجلة الاقتصاد الراكدة، بيد أن الصراع الذي احتدم ما بين تل أبيب وطهران، والذي من المتوقع ألّا يتوقف في مدى منظور، تسبب بقلق من ارتفاع جديد في تكاليف الحياة التي ترهق أغلب الناس في البلاد بوضعها الراهن.
وكان السوريون يترقبون بدء انخراط دولي واسع في جهود إعادة إعمار بلادهم، التي دمّر قسم كبير منها خلال الحرب التي شنها النظام البائد عليهم على مدى سنوات، لكنّ الباحث الاقتصادي خالد تركاوي يرى في حديث مع "العربي الجديد" أنّ التبعات السلبية على سورية واقتصادها "كبيرة"، نتيجة الحرب المحتدمة حالياً ما بين الجانبَين الإسرائيلي والإيراني، موضحاً أنّ "سورية بلد مستورد".
ويضيف: "النفط يدخل في ملف الإنتاج ويدخل في قطاع النقل؛ لذا فإنّ التوتر في المنطقة انعكس فوراً على سعر النفط والتأمينات على السلع، كما أنّ قطاع النقل سوف يتأثر كثيراً بالحرب. المطارات تأثرت كثيراً في سورية فتوقفت الرحلات منها وإليها أو ارتفع ثمنها".
ويعرب تركاوي عن اعتقاده بأنّ هذه الحرب في حال استمرارها لوقت طويل يمكن أن تعيق التعافي الاقتصادي الذي بدأته سورية للتو بعد نحو 13 سنة من الحرب، التي أنهكت كل القطاعات الاقتصادية في البلاد وشلت البنية التحتية، ويتابع: "لم يكد يشعر السوريون بالارتياح بعد تحرير بلادهم وخروج الإيرانيين منها ما جدّد آمالهم بالانتقال إلى التعافي، حتى جاءت هذه الحرب والصواريخ المتبادلة التي تمرّ عبر المجال السوري مع احتمال انخراط أطراف محلية في الصراع، ليؤدي ذلك إلى تأخير دخول المستثمرين إلى البلاد، وربما تتراجع أولوية الملف السوري لدى دول المنطقة والعالم".
وفي السياق، يلفت الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "تأثير الحرب الإيرانية - الإسرائيلية على الاقتصاد السوري لا يتوقف عند جانب واحد، بل يمتد ليشمل معظم القطاعات الاقتصادية الحيوية".
وبرأيه فإنّ ذلك "يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي الداخلي الذي يعاني أصلاً هشاشةً بنيوية وانكماشاً طويل الأمد"، ويوضح أنّ الأزمة "أكثر حدة" في قطاع الطاقة، مضيفاً: "سورية تفتقر اليوم إلى إنتاج محلي كافٍ من النفط والغاز، وتعتمد كثيراً على الاستيراد عبر قنوات غير مستقرة سياسياً وأمنياً، ويتابع: "مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً نتيجة تصاعد التوترات في الخليج العربي والتهديدات التي تحيط بممرات الملاحة الحيوية مثل مضيق هرمز، ترتفع كلفة تأمين المحروقات كثيراً، ما يضاعف العبء على الخزينة العامة، ويؤدي إلى اضطراب في توفر المشتقات النفطية، سواء للاستخدام المنزلي أو في قطاعَي النقل والصناعة".
وبرأي المغربل فإنّ الصورة في القطاع التجاري ستكون "قاتمة"، لأنّ "السوق السورية تعتمد، شبهَ كليّ، على الاستيراد، من المواد الغذائية إلى الأدوات الكهربائية ومواد البناء"، ويضيف: "مع تعقيد خطوط الإمداد وارتفاع تكاليف التأمين والنقل، ترتفع أسعار السلع كثيراً"، كما يرى المغربل أنّ القطاع الصناعي في سورية سيتأثر على نحوٍ مضاعف؛ لأنه "يعاني من مشكلات بنيوية أصلاً، كضعف الطاقة، والانقطاع المتكرّر للكهرباء، ونقص المواد الأولية".
ويقول إنّ: "ارتفاع أسعار الوقود، وصعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج، وركود السوق المحلية، كلّها عوامل تؤدي إلى توقف كثير من الورش والمعامل، أو تحجيم إنتاجها إلى أدنى مستوى ممكن، ما يفاقم معدلات البطالة ويقلّل من القيمة المضافة المحلية".
ولن يكون القطاع المالي والنقدي في سورية بمنأى عن تداعيات الحرب، وفق المغربل، الذي يعتبر أنّ "كل اضطراب في المنطقة ينعكس قلقاً في السوق السوداء للعملات، ويؤدي إلى تقلبات حادة في سعر صرف الليرة السورية".
ويتابع: "مع ارتفاع أسعار الذهب والمعادن النفيسة عالمياً، نتيجة إقبال المستثمرين على الملاذات الآمنة، تزداد المضاربات داخل السوق المحلية، ويضعف الدور الرقابي للمصرف المركزي، الذي يجد نفسه أمام موجة جديدة من عدم الاستقرار النقدي دون أدوات حقيقية للمعالجة"، وبرأيه فإنّ الصورة العامة للاقتصاد السوري في ظل هذا التصعيد العسكري "تبدو مثقلة بالخسائر المحتملة والمباشرة، بسبب الطبيعة الهشة للإنتاج السوري المرتبطة بالمتغيرات الإقليمية والدولية"، ويعتقد أنّ الحرب الإسرائيلية - الإيرانية "ستكون عاملاً معرقلاً بشدّة لأي مسار جادٍ للتعافي الاقتصادي في سورية، بل ربما تدفع بمؤشرات الاقتصاد نحو مزيد من الانكماش، ما لم يُعالج هذا الوضع الإقليمي المتفجر في أسرع وقت ممكن".
إلى ذلك، يقول الباحث الاقتصادي ياسر الحسين، لـ"العربي الجديد" إنّ "ارتفاع أسعار النفط عالمياً يرفع فاتورة استيراد النفط والصرف الأجنبي إلى سورية، كما أنّ الحرب ستؤدي إلى إيقاف تدفق البضائع"، ويشير إلى أنّ "الاقتصاد السوري يعاني بالفعل من خسائر ضخمة منذ 2011، تُقدّر بما يقارب 800 مليار دولار، وبقاء النمو عند معدل 1.3 % سنوياً يضمن العودة لمستويات ما قبل الحرب بعد أكثر من 50 عاماً".
ويضيف إنّ "التصعيد الجديد يعيد فرض ضغط إضافي على البنية التحتية الهشة، ويعيد التضخم، ما يفاقم معاناة أكثر من 90 % من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر"، ويشير إلى أنّ الحرب الدائرة ستسبب "ارتفاع تكاليف الطاقة بحدّة، مع زيادة عامة في التضخم، وتعطيل التجارة وزيادة التهريب، وتأخير التعافي، وتدمير إضافي للقطاعات الإنتاجية، وانخفاض مستويات المعيشة".
