مسلسل طهران: حروب الظلّ الإيرانية والإسرائيلية
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

بصرف النظر عن قيمتها الفنّية، تغدو المنتجات السمعية والبصرية، كالمسلسلات والأفلام، موادّ دعائية في خضم أوقات الاضطرابات الجيوسياسية، كما حدث خلال الحرب الباردة، إذ استُعملت بوصفها أدوات للدعاية والتأثير، ونشر الأيديولوجيات المتنافسة، وتصوير العدو بطرق سلبية، وتشكيل الرأي العام. منذ ذلك الحين، شهدت صناعة الترفيه ووسائل الاتصال تطوّراً في تقنيات التسجيل والإذاعة، ما أثّر على انتشار الأخبار والمعلومات.
ضمن هذه الإنتاجات الدعائية، يندرج مسلسل طهران (إنتاج إسرائيلي، صدر موسمه الأول في 2020، والثالث والأخير في 2024)، الذي لم يدّخر صنّاعه جهداً في شيطنة إيران ومواطنيها، عبر تصميمه حبكة جاسوسية مثيرة معدّة خصيصاً للجمهورين الإسرائيلي والأميركي. عادةً، تُعرض محلياً مثل هذه الأعمال الدعائية - الصرفة والوقحة في تصويرها العدو المفترض - التي تُنتجها الحكومتان الإسرائيلية أو الإيرانية بعضهما ضد بعض، ولا يُلتفت إليها أحد خارج إسرائيل أو إيران. ولكن عندما تختار منصة مثل "آبل تي في" عرض المسلسل الإسرائيلي وليس نظيره الإيراني؛ فهذا يقول شيئاً عن سياسات ورؤى تحابي السردية الإسرائيلية وتجافي ما عداها إلا في ما ندر.
نادراً ما تُشاهَد أفضل الأفلام الإيرانية في الولايات المتحدة، بينما تُعرض أسوأ المسلسلات الإسرائيلية على قنوات الكابل في أوقات الذروة. في حين أن أسوأ أفلام الدعاية الإيرانية، لحسن الحظ، تبقى في إيران، فإن أفضل الأفلام الإسرائيلية (وأغلبها معارضة لسياسات الاحتلال) تضيع في كومة القمامة التي يُنتجها الصهاينة بانتظام، ويرسلونها إلى مؤيّديهم الأميركيين.
ليس من قبيل الصدفة أن تتصرّف إسرائيل كأنها البؤرة الاستعمارية الممتدة للإمبراطورية الأميركية؛ بل عليها أن تؤدي هذا الدور بكل الطرق. إسرائيل مستعمرة استيطانية، تحمل في طيّاتها كل أنواع الفظائع. لكنّ لديها أيضاً مخرجين سينمائيين بارزين، مثل ناداف لابيد وعاموس غيتاي وآري فولمان وآفي مغربي وإيال سيفان. أحياناً، يُصنّف حتّى المخرجون الفلسطينيون المتميّزون "إسرائيليين" بسبب ولادتهم ونشأتهم في المستعمرة الاستيطانية التي احتلت وطنهم.
ولكن هناك أيضاً مشاريع أفلام أو مسلسلات تُصنع لخدمة آلة الدعاية الإسرائيلية، المعروفة باسم الهسباراه، رأس حربة البروباغندا الإسرائيلية لتوجيه الرأي العام وتبييض جرائم الاحتلال. تهدف مسلسلات مثل "طهران" (ومن قبله "فوضى") إلى شيطنة إيران وتمجيد إسرائيل - لكن ما يفشل مسلسل طهران وأمثاله في إدراكه أن مثل هذه الأعمال تؤدّي غالباً عكس ما تقصده تماماً. فلا تُقنع أحداً بأي شيء، بل تكشف عن عمق يأس المستعمرة الاستيطانية. "طهران" مريعٌ ومبتذل، إلى حدّ أن المرء يشكّ في أن جهاز المخابرات الإيراني والحرس الثوري قد أنتجه لإظهار مدى سخافة الإسرائيليين ويأسهم، فلا يمكن لجهاز المخابرات الإسرائيلي، ولا حتى الإيراني، أن يكون بهذا الغباء الذي يُصوّره هذا المسلسل.
يروي مسلسل طهران قصّة تمار، عميلة الموساد التي تتسلّل إلى العاصمة الإيرانية بهدف تخريب البرنامج النووي الإيراني. المسلسل إسرائيلي إنتاجاً وتأليفاً وسرداً، لكن صنّاعه أرادوا توزيعه دولياً، فضمّوا طاقماً من الممثلين، العديد منهم إيرانيون أو من أصول إيرانية، واستخدموا الفارسية والعبرية لغتين رئيسيتين، لإضفاء طابع "أصيل" على محاولتهم، ما رأى فيه بعضهم رسمَ صورة دقيقة للمجتمع الإيراني وصراعاته الداخلية. وفي ضوء الضربة الاستباقية التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على إيران أخيراً وحجم الاغتيالات والأضرار العسكرية إيرانياً، تعود هذه الأيام أصداء مسلسل "طهران" وتعود معها بقوة الدعاية الإسرائيلية المروّجة تفوّقَ استخبارات الاحتلال وتأكيد يدها الطولى.
تواجه إيران تصاعداً في حوادث التجسّس المرتبطة بإسرائيل، تُقابل غالباً بإعدامات سريعة في محاولة لاحتواء حالة الانكشاف الأمني المتكرر. لكن في في أعقاب الضربة الجوّية الإسرائيلية الواسعة التي طاولت منشآت عسكرية ونووية داخل إيران فجر الجمعة الماضي، أشارت تقارير متعددة إلى أن جانباً كبيراً من نجاحها يعود إلى نشاط استخباري داخلي كثيف، نفّذته خلايا مرتبطة بالموساد الإسرائيلي. ومنذ سنوات، تخوض إيران وإسرائيل حرباً خفية تتضمن عمليات استخبارية واغتيالات وهجمات برية وبحرية. في مواجهة إسرائيل، تستفيد إيران من استخدام شبكتها الواسعة من المليشيات المتحالفة معها في المنطقة. وإلى جانب العمليات، تشتعل حرب الروايات، وليس من المستغرب أن يستخدم كلا الجانبين لعبة التضليل والخداع.
ومع ذلك، حتى لو لم تُصدّق جميع الادعاءات الإسرائيلية، فلا شكّ أن سهولة عملهم داخل الأراضي الإيرانية مذهلة. فمنذ عام 2009، ساعد الإسرائيليون في اغتيال العديد من المسؤولين المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني أو بالبرنامج النووي للبلاد. وكانت آخر ضرباتهم الكبيرة قبل الهجوم الأخير اغتيال محسن فخري زاده، الشخصية القيادية في الحرس الثوري الإيراني، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، باستخدام مدفع رشّاش آلي. قبل ذلك، في يناير/كانون الثاني 2018، تمكّن الموساد من مداهمة الأرشيف النووي الإيراني في قرية خارج طهران، وسرق 55 ألف صفحة من الوثائق و183 قرصاً مدمجاً.

على الجانب الآخر، لم يسبق للجمهورية الإسلامية أن ردّت على أي شيء يُقارب هذا النطاق. وقد تجلّى ذلك بوضوح في يونيو/حزيران 2022، عندما تعاونت إسرائيل مع تركيا لإحباط خطّة إيرانية لقتل أو اختطاف إسرائيليين في تركيا. بل إن إسرائيل طلبت من آلاف مواطنيها المسافرين إلى تركيا البقاء في غرف فنادقهم وعدم فتح باب غرفهم لطلب الطعام. وفي الأسبوع نفسه، أُقيل حسين طائب، رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني، بعد سنوات من الجدل.

بالنظر إلى القائمة الطويلة من العمليات التي نفّذتها إسرائيل على الأراضي الإيرانية، يتضح جلياً أن المؤسسة الدينية قد فشلت في مهمّتها الأساسية المتمثّلة في الدفاع عن البلاد. وليس من الصعب إدراك سبب ذلك. تُكرّس قوات الأمن الإيرانية جلّ طاقتها لقمع الإيرانيين واحتجاز مواطنين أجانب عشوائيين - فنانين وأكاديميين وصحافيين - رهائن على أمل استخدامهم أوراقَ مساومة. انتزاع الاعترافات القسرية تحت التعذيب يساعد النظام في تحقيق أغراضه الدعائية، ولكنه ليس أداة فعّالة لمكافحة التجسّس.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية