
في ظلّ تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، عاد مضيق هرمز إلى صدارة المشهد بصفته أخطر نقطة اختناق في خارطة الطاقة العالمية، في حين يمر أكثر من 20% من النفط العالمي، أي ما يزيد عن 17 مليون برميل يومياً، من خلال هذا الممر البحري الحيوي، ما يجعله عصباً حساساً لاقتصادات الدول المصدّرة، وعلى رأسها العراق.
ويعتمد العراق على النفط بنسبة تفوق 90% من موازنته العامة، يصدر نحو 95% من إنتاجه النفطي عبر موانئ البصرة الجنوبية المطلة على الخليج العربي، مروراً من مضيق هرمز.
ومع ازدياد التلويح الإيراني بخيارات تصعيدية، بينها احتمال إغلاق المضيق، تتصاعد المخاوف من تعطّل حركة الصادرات العراقية، وارتفاع كلفة التأمين والشحن، ما ينذر بارتدادات خطيرة على الاقتصاد العراقي وسعر صرف الدينار، في وقت تعاني فيه البلاد من ضغوط مالية وتقلبات سوقية.
في تهديد واضح في خضم المواجهة مع إسرائيل، أكد القيادي في الحرس الثوري وعضو البرلمان الإيراني، إسماعيل كوثري، لوسائل الاعلام هذا الأسبوع، أن السلطات الإيرانية تضع إغلاق مضيق هرمز قيد الدراسة، وأن بلاده ستتخذ أفضل قرار بهذا الشأن.
فيما يؤكد مختصون أن التهديدات المتصاعدة من قبل إيران بغلق هرمز لا تضرب مصالح العراق الاقتصادية فحسب، بل تضعه على حافة أزمة إقليمية قد تعصف بثروته الوحيدة، في ظل غياب بدائل فعالة، واستمرار الاعتماد شبه المطلق على المسار البحري لتسويق النفط الخام، بينما يتولى الأسطول الأميركي الخامس المتمركز في البحرين مهمة حماية الملاحة التجارية في المنطقة.
الحكومة العراقية تحذّر
في هذا السياق، حذر نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي ووزير الخارجية، فؤاد حسين، من أن استمرار التصعيد بين إيران وإسرائيل قد تكون له عواقب اقتصادية كارثية، لا سيّما في حال إغلاق مضيق هرمز.
وأكد حسين أن هذا الإغلاق قد يؤدي إلى فقدان سوق النفط لما يقرب من خمسة ملايين برميل يومياً من الخام الخليجي والعراقي، ما قد يرفع أسعار النفط إلى ما بين 200 و300 دولار للبرميل، حسب تعبيره.
وأضاف حسين، في تصريحات صحافية، أن استمرار النزاع سيؤدي إلى تعقيد عملية تصدير النفط بالنسبة لدول تعتمد أساساً على الممرات البحرية، كالعراق، فضلاً عن تفاقم معدلات التضخم في الدول الأوروبية.
وأشار إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة للأجواء العراقية تشكل خرقاً صريحاً للقانون الدولي والسيادة الوطنية، وتستوجب موقفاً حازماً من المجتمع الدولي، محذراً من أن "استمرار الحرب قد يدفع بموجات لجوء جديدة نحو أوروبا، وهو ما يفرض ضرورة التحرّك الدبلوماسي العاجل لاحتواء الأزمة ومنع انزلاق المنطقة نحو مزيد من التوتر".
خطط بديلة
في سياق متصل، أكد الخبير في شؤون الطاقة، كوفيد شيرواني، أن العراق سيكون من أوائل الدول المتضرّرة في حالة ما أُغلق مضيق هرمز، نظراً لاعتماده شبه الكامل على هذا الممر الحيوي.
وأوضح شيرواني، لـ"العربي الجديد"، أن نحو 95% من صادرات النفط العراقية تمر عبر موانئ البصرة الواقعة على الخليج العربي، وبالتالي فإن أي تعطيل في حركة الملاحة عبر المضيق سيؤدي إلى شلّ حركة التصدير وتكبيد العراق خسائر اقتصادية جسيمة.
وأضاف أن الحديث عن إغلاق المضيق هذه المرة ليس مجرد تهديد إعلامي، بل يترافق مع تصعيد عسكري حقيقي في المنطقة، وتهديد مباشر لأمن الطاقة العالمي، خصوصاً أن 30% من صادرات النفط العالمية و20% من الغاز تمر عبر هذا المعبر الحيوي.
وشدّد على أن العراق يحتاج إلى تحرك حكومي فوري لإيجاد منافذ تصدير بديلة، من خلال إعادة تشغيل أنبوب كركوك – جيهان المتوقف منذ أكثر من عامين، والذي تسبب بفاقد مالي تجاوز 25 مليار دولار.
وأشار إلى أن هذا الأنبوب الذي ينقل 400 ألف برميل يومياً، قد تصل طاقته إلى مليون برميل في حال أتيحت بعض التعديلات، ما يغطي ثلث صادرات العراق تقريباً، ويمنح البلاد هامشاً استراتيجياً في حال تعطّلت الموانئ الجنوبية، كما دعا شيرواني إلى إحياء مشروع أنبوب كركوك – بانياس، أو إنشاء خط جديد عبر نفس المسار، لتعزيز أمن الطاقة العراقي، وختم بالقول: "ينبغي ألّا تصل الأمور إلى مزيد من التصعيد في الخليج، ولكن علينا أن نستعد لأسوأ السيناريوهات".
تعطّل التجارة
في الإطار ذاته، أشار الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، إلى أن تداعيات التصعيد الإقليمي لا تقتصر على قطاع الطاقة فحسب، بل تمتد إلى الملف المالي والتجاري، محذراً من أنّ العراق قد يتحول إلى ساحة صراع غير مباشر بين القوى المتنازعة، خصوصاً إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات أشد على إيران في خضم المواجهة الجارية.
وأوضح الحلو، لـ"العربي الجديد"، أن هذه التطورات قد تؤدي إلى تعطّل حركة التبادل التجاري عبر الحدود مع إيران، التي تصدّر للعراق سلعاً وخدمات تتجاوز قيمتها عشرة مليارات دولار سنوياً، إلى جانب ملف أكثر خطورة يتمثل في اعتماد بغداد على الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء.
وأضاف أن أيّ تطور عسكري أو سياسي كبير من شأنه أن يغيّر الاتجاهات الاقتصادية بسرعة، ويعمّق حالة القلق في الأسواق المحلية، ويعرقل وصول السفن والبواخر التجارية المحملة بالبضائع القادمة إلى العراق من الصين والبلدان الأخرى.
وشدّد على أن استمرار التوترات يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي العراقي في المرحلة المقبلة، ما يتطلب إعادة النظر في رسم خارطة طريق طارئة لاستقبال بواخر الشحن البحري المحملة بالبضائع المستوردة التي تحتاج إليها الأسواق المحلية العراقية. يذكر أن قيمة صادرات العراق من النفط الخام سجلت ارتفاعاً في 2024 إلى 95.5 مليار دولار، مقارنةً بـ94.4 مليار دولار في العام السابق، حسب بيانات البنك المركزي العراقي.
