
أطلقت سلطات تونس بدعم من البنك الأفريقي للتنمية خطة لإعادة توطين الفئات الهشة في المناطق الريفية، بعد موجات نزوح مكثف نحو المدن بحثاً عن سبل عيش أفضل، عقب انهيار القدرة التشغيلية في الأرياف الناجمة عن سنوات الجفاف وغياب الاستثمارات في تلك المناطق.
وأعلن البنك الأفريقي للتنمية، في بيان نشره على موقعه الرسمي مرفوقاً بدراسة تقييمية، عن تخصيص ما يزيد عن 51 مليون دولار لتنفيذ المشروع في محافظة زغوان (شمال شرقي تونس)، في مرحلة أولى.
قال البنك إن المشروع يهدف إلى الحد من الفقر والبطالة والتفاوتات في الريف، وتعزيز القيمة المضافة من خلال تعزيز القطاعات الزراعية ذات الأولوية عبر خلق فرص عمل محلية، وتحسين واستقرار الدخل، والقدرة على التكيف مع الأسواق، واعتبر أن منتجات على غرار زيت الزيتون والطماطم والألبان والمنتجات المحلية العضوية الأخرى تشكل مجالات ذات إمكانات عالية من حيث التوظيف والدخل وتوليد النقد الأجنبي للبلاد.
وبسبب موجات الجفاف المتتالية ونقص فرص العمل، شهد ريف تونس في السنوات الأخيرة موجات من الهجرة ونزوح سكانه نحو المدن.
وبيّن التعداد وجود تغييرات ديمغرافية بين محافظات وأقاليم البلاد، حيث يعيش 59.1% من إجمالي السكان في إقليمين فقط، وهما الإقليم الثاني الذي يضم محافظات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة وزغوان، والإقليم الثالث الذي يضم محافظات سوسة والمنستير والمهدية والقيروان والقصرين وسليانة.
ويقول الباحث في الديمغرافيا منذر السوودي إنه سيكون من المهم جداً توفير مشاريع وتمويلات عن طريق الداعمين لإعادة توطين السكان في أرياف تونس في خطة لمكافحة الفقر الناجم عن الهجرة الداخلية.
وأكد السوودي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الريف كان خلال عقود مصدراً مهماً لخلق الثروة، وعرف سكانه الارتقاء في السلم الاجتماعي قبل أن تتهاوى قدرته على التأقلم مع الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها البلاد، معتبراً أن الجفاف كان عاملاً أساسياً في الهجرة الداخلية غير أنه ليس السبب الأول.
وتابع: "خلال العقود الأخيرة كانت محاولات السلطة العمومية لتحسين مستوى عيش المواطنين في الريف محتشمة جداً ومنعدمة في بعض المناطق، حيث غابت البنى التحتية الداعمة لحقوق الحياة الأساسية، ومن أبرزها التزود بالماء الصالح للشراب والكهرباء وقرب المرافق الصحية، ما أدى إلى هجرة واسعة النطاق، ولا سيما من المناطق التي عانت من العطش".
على امتداد السنوات الخمس الأخيرة عاشت تونس واحدة من أكبر أزمات الجفاف التي مرت بها البلاد، حيث عانى البلد من تأثيرات مناخية حادة أدت إلى انحباس الأمطار لفترات طويلة، وتراجع مخزون المياه السطحية للسدود إلى 20.4%.
وحلّ القطاع الفلاحي في صدارة القطاعات المتضررة من نقص التساقطات المطرية، حيث ظهرت تأثيرات الانحباس الحراري بشكل مبكر في الشريط الغربي للبلاد الذي يعتمد بشكل كبير على زراعة الحبوب والأعلاف وأنشطة الرعي وتربية الماشية.
وبحسب الخبير السوودي، يعد تملّك الأراضي عنصراً مهماً في توطين سكان الريف، غير أنه يتعين أن يكون مدعوماً بمشاريع للبنى التحتية الأساسية التي تحقق رفاهاً نسبياً للعيش في المناطق التي يستهدفها المشروع لمكافحة الفقر متعدد الأبعاد.
وأظهر تقرير نشرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، في نهاية عام 2023، أن 30% من التونسيين يتعرضون للفقر المتعدد الأبعاد.
