
"الترسانة النووية الصينية تنمو على نحوٍ أسرع من أيّ دولة أخرى"، هذا ما جاء في تقرير معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، في تقريره السنوي أمس الاثنين، محذراً من أن الترسانات النووية العالمية مرشحة للنمو، خلافاً لمسار خفض عدد الأسلحة النووية منذ نهاية الحرب الباردة. وعزا مراقبون النمو في الترسانة النووية الصينية إلى هواجس أمنية لدى الصين، وإيصال رسائل إلى خصومها لثنيها عمّا تعتبره تدخلاً في شؤونها الداخلية، على رأسها تايوان التي تعدها جزءاً من أراضيها.
وقد تضاهي قوة الترسانة الصينية الصاروخية الباليستية العابرة للقارات (تستطيع حمل رؤوس نووية)، قوة روسيا أو الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد الحالي، وفق التقرير، الذي أشار إلى أن الصين أضافت "نحو مئة رأس حربي جديد سنوياً منذ عام 2023" إلى مخزونها النووي، وكانت بكين تمتلك ما لا يقل عن 600 رأس، ومن المتوقع أن يستمر هذا العدد في النمو خلال العقد المقبل. وذكر التقرير أن الدول التسع؛ الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، تمتلك حالياً مخزوناً إجمالياً يبلغ 12241 رأساً حربياً، بانخفاض عن 12405 رؤوس، العام الماضي، وفقاً لأرقام "سيبري" التقديرية، أما إجمالي الرؤوس الحربية المنتشرة فأقل بكثير، إذ تبلغ 3912، وتمتلك الولايات المتحدة 1770 رأساً، وروسيا 1718، وفرنسا 280، والمملكة المتحدة 120، والصين 24.
وذكر التقرير أن الصين تمتلك أسرع ترسانة نووية نمواً في العالم، بينما يُعتقد أن معظم هذه الرؤوس الحربية التي تمتلكها مُخزنة منفصلةً عن منصات إطلاقها. ولفت إلى أن الصين قد تكون بصدد نشر عدد صغير منها على الصواريخ، كما تفعل الولايات المتحدة وروسيا على نطاق أوسع بكثير، وبحسب تقديرات "سيبري"، فقد جرى تخصيص 132 رأساً حربياً لمنصات إطلاق لا تزال قيد التحميل. وبيّن التقرير أنه اعتباراً من يناير/كانون الثاني الماضي، بنت الصين أو تقترب من إكمال بناء نحو 350 منصة جديدة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ومع ذلك، أشار إلى أنه، حتى لو وصل عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها الصين إلى 1500 بحلول عام 2035، فسوف يظل هذا العدد حوالى ثلث الترسانات النووية الروسية والأميركية الحالية (تمتلك روسيا أكبر ترسانة نووية في العالم بـ5459 رأساً نووياً، بينما تمتلك الولايات المتحدة 5177 رأساً نووياً، وتمتلك الدولتان معاً حوالى 90% من الأسلحة النووية في العالم).
ونقل التقرير عن هانز كريستنسن، وهو زميل مشارك بارز في معهد سيبري، ومدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأميركيين، قوله إنّه قد تكون هناك عوامل عدّة وراء هذا البناء السريع للرؤوس الحربية في الصين، بما في ذلك دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ (عام 2017) إلى أن تصبح بلاده "قوة عسكرية من الطراز العالمي بحلول منتصف القرن 21". وبرأيه فإنّ الأمر قد يعود إلى وجود قرار واضح من الصين مفاده بأنّ الحد الأدنى السابق من الردع لم يكن كافياً لردع الخصوم المحتملين، كما قد يكون هناك استنتاج مفاده أن أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية متزايدة القدرة، يمكن أن تقلّل من فعالية القدرة الانتقامية الصينية. وقال كريستنسن "عصر الخفض في عدد الأسلحة النووية في العالم، الذي استمر منذ نهاية الحرب الباردة، يقترب من نهايته"، إذ "بدلاً من ذلك، نرى اتجاها واضحاً لنمو الترسانات النووية، وتصاعد الخطاب النووي، والتخلي عن اتفاقيات التخلي عن الأسلحة".
توسيع الترسانة النووية الصينية
في تعليقه بشأن الترسانة النووية الصينية وما ورد في تقرير سيبري السنوي، قال الباحث في العلاقات الدولية في مركز النجمة الحمراء في بكين، جيانغ قوه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "ينبغي أولاً الإشارة إلى أن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام كشف أن جميع الدول التسع تقريباً التي تمتلك أسلحة نووية، استمرت في تحديث وتوسيع قدراتها النووية في عام 2024".
جيانغ قوه: ازدواجية معايير لدى القوى الغربية التي لا تأتي على ذكر ترسانة إسرائيل النووية
وأضاف أنه "مع ذلك، اتجهت جميع الأنظار إلى الصين، وهذا يكشف ازدواجية المعايير لدى القوى الغربية، التي لا تأتي، مثلاً، على ذكر ترسانة إسرائيل النووية، بينما تتحالف مع بعضها ضدّ إيران التي لديها طموحات نووية، وكذلك الأمر بالنسبة لكوريا الشمالية". وفي رده على دوافع بكين لتوسيع ترسانتها النووية، أوضح جيانغ قوه أن "الصين ملتزمة، قبل كل شيء، بسياسة عدم الاستخدام الأول التي وضعتها لنفسها منذ تطوير قدراتها النووية قبل عقود (يعني ذلك عدم البدء باستخدام السلاح النووي في أي صدام عسكري، واللجوء إليه في حالة واحدة: التعرض لهجوم نووي من قوة معادية)". وأضاف أن الصين "شأنها شأن باقي الدول النووية التي لديها هواجس أمنية، تعمل على الاحتفاظ بالحد الأدنى من الرؤوس النووية اللازمة لتلبية احتياجات أمنها القومي"، واعتبر أن الدليل على ذلك أنها "لا تزال بعيدة جداً عن مقدار الترسانة النووية لكلٍّ من روسيا والولايات المتحدة على حدة".
مخاطر حرب نووية
أما لي يانغ، الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث ومقره هونغ كونغ، فرأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن الترسانة النووية الصينية "قد تكون أكبر بكثير من تقديرات معهد الأبحاث السويدي، وإن كانت لا تزال متأخرة عن الولايات المتحدة وروسيا في هذا السباق المحموم"، وقال إن "بكين خصّصت نسبة كبيرة من موازنتها العسكرية لتطوير ترسانتها النووية، وهي في خط صاعد، ما ينسجم مع رغبة وخطط الرئيس شي جين بينغ في التحديث العسكري والاستثمار اللامحدود في تحسين القدرات الدفاعية لجيش التحرير الشعبي، في إطار التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة". وربما تريد الصين، وفق لي يانغ، من خلال تعزيز ترسانتها النووية، "بثّ رسائل ردع حازمة إلى القوى المعادية لها، وخصوصاً الولايات المتحدة، لثنيها عن التدخل أو إرسال قوات لمساعدة تايوان عندما تحين ساعة الصفر لاستعادة الجزيرة، وتنفيذ مبدأ صين واحدة بالقوة العسكرية".
لي يانغ: السلاح النووي يحمل قدراً كافياً من الترهيب اللازم لتعزيز الردع وصيانة الأمن القومي
وبرأيه فإن "السلاح النووي يحمل قدراً كافياً من الترهيب اللازم لتعزيز الردع وصيانة الأمن القومي، ما يدفع إسرائيل اليوم إلى مهاجمة إيران التي لديها طموحات نووية"، وأوضح في هذا الإطار أنه "حين تتمكّن طهران من تصنيع قنبلة نووية، لن يكون بالإمكان مواجهتها عسكرياً، على النحو الذي نراه الآن على شاشات التلفزة". وحذر لي يانغ من أن "الاستمرار في تعزيز القدرات النووية على نحو متصاعد بين الدول التسع، التي لديها بالأصل خلافات شائكة فيما بينها، وتخوض حروباً على جبهات عدّة، سواء بصورة مباشرة أو بالوكالة، قد يؤدي إلى كارثة حقيقية تنذر بحرب نووية تفضي، في نهاية المطاف، إلى تدمير هذا الكوكب".
