
أعلنت حكومة فنزويلا أنها بصدد وضع الأسس لزيادة أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 50% في محطات الوقود، في محاولة لتعويض النقص المتوقع في الإيرادات، وذلك عقب توقف شركة "شيفرون" الأميركية العملاقة وعدد من الشركات النفطية الأجنبية الأخرى عن العمل في البلاد. ووفقًا لثلاثة مصادر مطلعة، تعتزم شركة النفط الوطنية "بتروليوس دي فنزويلا" (PDVSA) رفع أسعار البنزين بمقدار 0.25 دولار لكل ليتر، ليصل سعره إلى 0.75 دولار في مختلف الولايات الفنزويلية.
وقد أبلغ مسؤولون في الشركة شركات توزيع الوقود الخاصة بهذه الزيادة في بعض المناطق، بحسب ما أكدته المصادر. ورغم أن القرار لم يُعلن رسميًا بعد ولم يُنشر في الجريدة الرسمية، فإن صورًا للتسعيرة الجديدة بدأت تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار جدلًا واسعًا في الشارع الفنزويلي، بحسب ما نقلته وكالة "أسوشييتد برس".
أزمة اقتصادية وضغوط أميركية
تأتي هذه الخطوة في وقت تعاني فيه حكومة الرئيس نيكولاس مادورو من أزمة اقتصادية خانقة، في ظل العقوبات الأميركية المشددة المفروضة على قطاع النفط الفنزويلي الذي يُعدّ المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية. وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد فرضت قيودًا صارمة على التعامل مع حكومة مادورو، ووصفتها بأنها "تهديد استثنائي" للأمن القومي الأميركي.
وبحسب وكالة " أسوشييتد برس"، ففي أواخر مايو/أيار الماضي، اضطرت شركة "شيفرون" وشركات أجنبية أخرى إلى تعليق أنشطتها في فنزويلا بعد انتهاء المهلة الممنوحة لها من قبل وزارة الخزانة الأميركية، ما أدى إلى تراجع حاد في حجم الإنتاج والعائدات النفطية، وفاقم الأزمة المالية التي تمر بها البلاد.
خطوة اقتصادية محفوفة بالمخاطر
يمثل رفع أسعار البنزين بنسبة 50% خطوة اقتصادية جريئة، لكنها تنطوي على مخاطر اجتماعية وسياسية كبيرة، خصوصًا في ظل تدهور الوضع المعيشي والانهيار الاقتصادي المتسارع في البلاد. حيث يعتمد الاقتصاد الفنزويلي بشكل شبه كامل على عائدات النفط، إذ تساهم بنسبة تتجاوز 90% من دخل الدولة. ومع خروج شركات كبرى من السوق، وفقدان الحكومة أحد أبرز مصادر العملة الصعبة، لم يبق أمامها سوى اتخاذ تدابير داخلية لزيادة الإيرادات، أبرزها رفع أسعار الوقود.
لسنوات طويلة، اشتهرت فنزويلا ببيع البنزين بأسعار شبه مجانية، ما جعلها من أرخص دول العالم في هذا المجال. غير أن هذا النظام، رغم شعبيته، أرهق خزينة الدولة وشجع على الفساد والتهريب، لا سيما نحو كولومبيا المجاورة. وبذلك، فإن الاتجاه نحو تحرير أسعار الوقود يُعد تحوّلًا تدريجيًا نحو رفع الدعم، وهو مسار غالبًا ما تُجبر عليه الدول التي تمر بأزمات اقتصادية خانقة.
لكن الأثر الاجتماعي لهذا القرار قد يكون باهظًا. فزيادة سعر البنزين لا تعني فقط ارتفاع تكلفة التنقل، بل تؤثر على أسعار النقل العام والسلع الغذائية والخدمات الأساسية، ما يزيد الضغط على الفئات الفقيرة التي تمثل الغالبية الساحقة في المجتمع الفنزويلي. ويُخشى أن يؤدي هذا القرار إلى اندلاع احتجاجات شعبية، على غرار ما حدث في دول أخرى اتخذت إجراءات مماثلة. وعلى الصعيد الدولي، قد تستغل الولايات المتحدة هذا القرار وما يرافقه من غضب شعبي لمضاعفة الضغوط على نظام مادورو، ضمن استراتيجية العزل القصوى التي تتبعها واشنطن منذ سنوات بهدف تغيير النظام أو دفعه إلى تقديم تنازلات سياسية.

أخبار ذات صلة.



