من المهرجانات إلى الراب: عودة إجبارية إلى الأصوات الشعبية
عربي
منذ ساعتين
مشاركة

يلخّص مغني المهرجانات والممثل أحمد بحر، المعروف بـ"كزبرة"، حال الأغنية الشعبية في السنوات الأخيرة، عبر تبريره عودته إلى غناء المهرجانات بأن هذه الأغاني نسيت وظيفتها الأساسية: أن تكون صوت الفرح وحفلات الزفاف. برأيه، أصبحت الأغاني الحالية مشغولة بالتعقيد والغموض، لذلك قرّر العودة إلى البساطة والبهجة من خلال ألبومه الجديد "الفرح"، في محاولة لإعادة الأغنية الشعبية إلى وظيفتها الاجتماعية الأولى.
ملاحظة كزبرة تعكس أزمة حقيقية تمرّ بها الأغنية الشعبية، بعد أن فقدت مساحتها في الأفراح، وهي المناسبة التي طالما شكلت الرافعة الأساسية لهذا اللّون، ومثّلت المنصة التي خرج منها ما عُرف لاحقاً بـ "المهرجانات". لكن مع تغيّر خريطة مصادر الدخل للفنانين بعد جائحة كورونا، وتراجع دور حفلات الزفاف مقابل صعود المنصات الرقمية والصفقات التجارية، تراجعت أيضاً أهمية الأغنية الشعبية الكلاسيكية.
من الأسباب الإضافية التي أدّت إلى تراجع هذا اللون، النظرة الطبقية له، ما دفع الكثير من الأصوات الشابة إلى الاتجاه نحو الراب والتراب وغيرها من أنماط الموسيقى الغربية. هذا الانحراف أدى إلى فجوة بين نجوم المهرجانات والمغنين الشعبيين الأوّلين، والجيل الجديد، الذين لم يروا في هذا التراث ما يُغريهم فنياً. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة محاولات ناجحة لإعادة الاعتبار للأغنية الشعبية عبر ألوان هجينة تجمعها بموسيقى العصر.

الراب يتصالح مع الجذر الشعبي

نجحت بعض الأسماء في الحفاظ على حضورها الشعبي رغم كل المتغيّرات، أبرزهم عصام صاصا الذي احتل بأغانيه قوائم الاستماع وكرّس نفسه اسماً ثابتاً في ساحة المهرجانات، إلى جانب إسلام كابونجا، أحد أبرز الظواهر الجديدة، اللذين أثبتا معاً أن الأغنية الشعبية لا تزال تملك بريقها الخاص.
هذه الموجة انعكست أيضاً على مشهد الراب، بعد سنوات من فكّ الارتباط بينه وبين المهرجانات، والابتعاد عن ما كان يعرف بـ"التراب الشعبي"، الذي كان أساس انطلاقة أسماء مثل ويجز، ومروان بابلو، ومروان موسى. بعد تجاربهم المتعدّدة في موسيقى البوب والإلكترونيك، عادوا مجدداً إلى التراب الشعبي، في محاولة لاستعادة بريقهم الأول، ورضا الجمهور المصري.
أغنية "كبدة" لعفروتو، على سبيل المثال، التي تصنف أقرب إلى المهرجان منها إلى الراب، كانت من أكثر أعمال الراب نجاحاً العام الماضي على مختلف منصات البث، في حين استعان ويجز بالصوت الشعبي في أغنية "الوعد" بعد الإخفاق الجماهيري لألبومه "جدول الضرب"، كما عبّر مروان موسى عن هذا التحوّل في تغريدة قال فيها إنّ "الموسيقى الشرقية في الـDNA بتاع الجمهور"، في اعتراف واضح بصعوبة تجاوز البعد الشعبي.

فنانات يتجهنَ إلى الشعبي لأول مرة

العودة القوية للأغنية الشعبية شجعت أصواتاً نسائية من خارج هذا اللون على خوض التجربة. مثلاً، ظهرت "ألماس" بأغانٍ شعبية بحتة مثل "بلا حب" و"الحظ"، بعد أن بدأت في الراب، وكذلك نغم صالح التي قدّمت أغنيات "طوفان" و"دنيا دايرة" بروح شعبية بعد سنوات في البوب والموسيقى المستقلة، ما يشير إلى أن الأغنية الشعبية أصبحت ملاذاً لمن لا يجد هويته الفنية في الألوان الأخرى.

وفي نفس السياق، استعادت أسماء قديمة موقعها في المشهد، أبرزهم محمود الليثي الذي تصدّر عبر أغنية "بابا المجال"، والمغنية بوسي التي تعود بقوة بعدما بقيت لسنوات على عرش الأغنية الشعبية النسائية في مصر، إلى جانب منافستها الجديدة رحمة محسن، في محاولات لسدّ الفراغ النسائي في الأغنية الشعبية.

عودة المهرجانات التقليدية بروح جديدة

اللافت في هذه الموجة هو عودة المهرجان بصيغته الأولى، كما ظهر قبل عام 2015. صوت الشارع عاد مع حودة ناصر في مهرجان "ملوك البحر"، وشوقي ومارسيلينو في "رزمن خمسة"، وغيرهم من الأسماء التي تمزج موضوعات الحيّ والمكان والهوية الشعبية، مع توزيعات موسيقية مستلهمة من الراب والتراب، فيما كان يُسمّى سابقاً "الإلكترو الشعبي".
العودة شملت أيضاً رواد المهرجانات، كالسادات وفيفتي، اللذين أطلقا مهرجان "سترانا"، كتأكيد أنّ المهرجان بمفهومه الأول لم يمت، بل يتجدّد في مواجهة التيار الجديد الذي يمثله صاصا وكابونجا. هذه المنافسة تسهم في تنويع الأغنية الشعبية، وتمدّد عمرها في ظل التنوع والتجريب.

ما يمنح هذه العودة زخماً إضافياً هو دخول شركات إنتاج عالمية كبرى إلى ساحة الأغنية الشعبية. شركة "وارنر ميوزك" كانت وراء إنتاج مهرجان "سترانا"، فيما تعاونت "سوني" مع بوسي ومسلم في "أنا بابا"، وأنتجت "عقبالكو" أيضاً، وشاركت "يونيفرسال" في دعم مشاريع كابونجا مثل "تعبان مهدود الحيل"، كما وُكّلت شركة التوزيع الرقمي لألبوم "الرجل الذي فقد قلبه" لمروان موسى، الذي استند بوضوح إلى الآلات الشرقية والصوت الشعبي.
إجمالاً، تشهد 2025 تصالحاً واسع النطاق مع الأغنية الشعبية، مدفوعاً بحاجة الفنانين إلى استعادة التواصل مع جمهورهم، وانفتاح السوق العالمية على الهوية المحلية المصرية. موجة جديدة تستعيد التراث الشعبي، وتطوّره، وتجعله مادة حيّة تواصل صوغ وجدان الشارع.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية