Arab
انشغل كثيرون في لبنان بالوفاة الأخيرة التي سُجّلت في سجن رومية المركزي، اليوم السبت، على خلفيّة مزاعم بأنّ السجين الفلسطيني حمزة بلباسي توفي بسبب إصابته بمرض السلّ، الأمر الذي نفته جهات مطّلعة وأشارت إلى آثار حقن قد تكون ناجمة عن تعاطي مخدرات.
وتفيد المعطيات المتوفّرة بأنّ بلباسي البالغ من العمر 32 عاماً قضى نتيجة "مضاعفات صحية"، في حين أنّ الأسباب المتداولة بخصوص ذلك تشير إمّا إلى "انتشار عدوى السلّ" في سجن رومية الواقع بمحافظة جبل لبنان وإمّا إلى مواد مخدرة. وفي كلتا الحالتَين، أُثيرت ضجّة على وسائل التواصل الاجتماعي تناولت "الواقع الصحي المزري" في السجون، فيما وُجّهت مناشدات إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون لإصدار عفو عام من أجل إنهاء معاناة السجناء.
وتأتي وفاة السجين حمزة بلباسي بعد نحو أسبوع من وفاة نزيل آخر في سجن رومية هو اللبناني محمود الحكيم بسبب "وعكة صحية"، علماً أنّه كان محتجَزاً في مبنى الأحداث سابقاً، الذي صار مبنى رقم 4، مع بلباسي. وبحسب مزاعم متداولة، فإنّ الحكيم، البالغ من العمر 31 عاماً، قضى نتيجة إصابته بمرض السلّ، وسط إصابات أخرى بهذه العدوى في السجن الذي يُعَدّ الأكبر في لبنان اليوم. وقبلهما، توفي السجين السوري أسامة الجاعور في أغسطس/ آب الماضي نتيجة "الإهمال الطبي".
في هذا الإطار، صرّح مصدر طبي من داخل سجن رومية لـ"العربي الجديد" بأنّ "السجين حمزة بلباسي توفي نتيجة حقن مخدرة أو ربّما ظنّ أنّها كذلك، في منطقة قريبة من الخصيتَين"، مضيفاً "لم نعرف بعد ما هي طبيعة هذه الحقن حتى الآن، ولا نعرف من أين يحصل السجناء عليها". وتابع المصدر نفسه أنّ "كلّ الفحوصات التي خضع لها بلباسي أتت نتيجتها سالبة، ولا يمكن الحسم بخصوصها إذ إنّ الطبيب الشرعي المكلّف بهذه القضية استخرج عيّنات دم وأرسلها إلى المختبرات الجنائية"، لافتاً إلى أنّ "بلباسي خرج وهو يمشي على رجلَيه، وقد خضع لفحوصات كاملة. لكن عندما عاد إلى غرفة الطوارئ، توقّف قلبه وجهازه التنفسي ثمّ توفي".
وقال المصدر الطبي نفسه: "نحن ننتظر نتائج فحوص السموم الخاصة ببلباسي"، وأكمل: "كنّا نتمنّى أن يسمح لنا أهله بتشريح جثّته لنتمكّن من تحديد أسباب الوفاة، لكنّهم رفضوا. كذلك الأمر، رفض أهل السجين المتوفى السابق محمود الحكيم تشريح جثّته". يُذكر أنّه من دون تشريح، لن يكون بالإمكان الجزم بسبب أيّ وفاة، الأمر الذي يفتح المجال واسعاً أمام ادّعاءات من شأنها أن تزيد الأوضاع توتّراً. وأوضح المصدر الطبي في سجن رومية، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ "السلّ في الأساس لا يشبه الإنفلونزا، أي أنّه لا ينتشر سريعاً بين السجناء. والشخص عندما يُصاب بهذه العدوى، يضعف جسمه بالكامل في حال عدم معالجته، ثمّ يموت". وإذ لم يجزم بعدم وجود حالات سلّ في سجن رومية لافتاً إلى حالات فردية تُعالَج بالتعاون مع وزارة الصحة العامة، أكّد أنّ "أيّ سجين لم يمت بمرض السلّ، ولا أزمات في هذا الشأن".
بدوره، نفى مصدر في قوى الأمن الداخلي في لبنان لـ"العربي الجديد" أن يكون حمزة بلباسي تُوفي بسبب إصابته بالسلّ بحسب بعض الادّعاءات المتداولة، وأكّد أنّ "في تاريخ السجون في لبنان لم تُسجَّل أيّ وفاة بمرض السلّ". وبيّن أنّ "ثمّة إثباتات تفيد بأنّ بلباسي حقن نفسه في موضع قريب من الخصيتَين، إمّا بدواء وإمّا بمواد مخدرة"، مضيفاً أنّهم لا يعرفون طبيعة المواد، ومشدّداً على أنّه "لم يكن يعاني من أيّ مرض. وحتى الساعة، لا معطيات كافية في التقرير الطبي لكشف ملابسات الوفاة والتأكد منها طبياًِ وعلمياً". كذلك، رفض المصدر نفسه في قوى الأمن الداخلي أيّ كلام حول "انتشار السلّ أو الكوليرا في السجن"، لافتاً إلى "أمراض من قبيل ارتفاع ضغط الدم، على سبيل المثال لا الحصر، يُصار إلى متابعتها وعلاجها بالتعاون مع المستشفيات التي تعاقدت معها قوى الأمن والجمعيات (المعنيّة بشؤون السجناء)".
من جهة أخرى، أفاد المدير العام لمركز "سيدار" للدراسات القانونية المحامي محمد صبلوح "العربي الجديد" بأنّه "يوماً بعد يوم، تتكشّف فضائح جديدة في سجن رومية وسجون لبنان عموماً"، وأشار إلى وفيات على خلفيّة "إهمال طبي أو انتحار أو مخدرات"، مضيفاً: "أخيراً نتيجة سلّ أو كوليرا". وتابع أنّه "قبل نحو أسبوع، توفي سجين (محمود الحكيم) يُقال إنّه أصيب بالسلّ أو بالكوليرا بعد عزل أربعة سجناء في غرف تحت الأرض بدلاً من معالجتهم في المستشفيات. واليوم توفي حمزة بلباسي، علماً أنّه كان في الأسبوع الماضي مع السجين المذكور".
ولفت صبلوح إلى "تضارب في المعطيات. تارة يُقال إنّه توفي نتيجة إصابته بعدوى، وتارة أخرى نتيجة جرعة زائدة من المخدرات. وفي كلتا الحالتَين، هذه فضيحة بحقّ الدولة اللبنانية. وما يحدث داخل السجون أمر غير مقبول؛ الإهمال المتعمّد من قبل السلطات اللبنانية بحقّ السجناء وانتشار الفساد في سجون لبنان مرفوضان". وتابع أنّ "من واجب الدولة اللبنانية اليوم إعادة النظر في السجون ومعالجة الاكتظاظ وتوفير أبسط مقوّمات الحياة فيها".
وفي إطار متابعة هذه القضية، تواصل "العربي الجديد" مع والد السجين الفلسطيني المتوفّى محمد بلباسي، الذي قال: "حتى في حال حقن نفسه بمواد مخدرة، فإنّ الملامة تقع على إدارة السجن. كيف وصلت الحقن والمخدرات إلى السجناء في داخل سجن رومية؟". أضاف الوالد أنّ "حمزة كان يشتكي نتيجة ارتفاع حرارته ومصاباً بإنفلونزا، لكنّه لم يتلقّ العلاج اللازم، ولم يُنقَل إلى مستشفى لمعالجته"، مشيراً إلى أنّ "السجناء في رومية يعانون من إهمال طبي في كلّ الأمراض".
وعند سؤال محمد بلباسي عن سبب رفضه تشريح جثّة ابنه لمعرفة سبب وفاته، ردّ الوالد بتساؤل: "ما هي فائدة التشريح؟"، لافتاً لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "جثّة ابني نحيلة جداً، بسبب المرض وإهماله طبياً"، مع العلم أنّ شهادة وفاة حمزة تشير إلى "توقّف قلبه".
في سياق متصل، قالت عضو لجنة أهالي السجناء في لبنان والناشطة رائدة الصلح لـ"العربي الجديد" إنّ وفاة حمزة بلباسي "ليست الأولى التي تقع في سجن رومية بسبب إهمال طبي أو انتشار أمراض معدية. فوضع السجون في لبنان عموماً، وليس فقط في رومية، يتدهور بصورة متسارعة، وتتفاقم معاناة السجناء وأهاليهم"، مشيرةً إلى "ازدياد مقلق في عدد الوفيات في ظلّ غياب المعالجات الفعلية أو الخطوات الجدية من قبل الجهات المعنية".
وتابعت الصلح أنّه "في الأسابيع الأخيرة فقط، سُجّلت خمس وفيات في السجون، من دون أيّ توضيح رسمي لأسبابها، فيما ارتفع عدد الوفيات منذ مطلع عام 2025 إلى 44 وفاة"، وتحدّثت عن "معاناة السجناء من غياب الرعاية الصحية الأساسية، وشحّ الغذاء والدواء، بالإضافة إلى الاكتظاظ غير المسبوق الذي تجاوز 300% في سجن رومية". وشرحت أنّه في هذا السجن "أكثر من ستّة آلاف موقوف، عدد منهم محتجز منذ أكثر من 12 عاماً من دون محاكمة، أي ما يعادل فعلياً 16 سنة سجنية. ويمثّل هؤلاء الموقوفون ما يزيد عن 80% من إجمالي عدد السجناء في لبنان".
وأكملت عضو لجنة أهالي السجناء في لبنان: "في حين تثير وفاة السجين حمزة بلباسي، في المكان نفسه الذي شهد قبل أيام وفاة السجين محمود الحكيم، مخاوف حقيقية من تفشّي أمراض معدية، خصوصاً مع تداول معلومات عن إصابات بمرض السلّ، فإنّ هذا المشهد المأساوي يعكس أزمة عميقة تتطلّب حلولاً عاجلة تبدأ بتطبيق القوانين القائمة وإقرار إجراءات عملية تخفّف من معاناة السجناء وتحدّ من الضغط الهائل الواقع على الأجهزة الأمنية والقضائية، في ظلّ الانهيار المالي والنقص الحاد في عدد القضاة وتعقيدات نقل الموقوفين وتأجيل الجلسات القضائية".
