Arab
أخذت الأزمة الداخلية للاتحاد العام التونسي للشغل منعرجاً جديداً، بعد استقالة أمينه العام نور الدين الطبوبي، في وقت كانت فيه الهياكل النقابية تحشد لتنفيذ إضراب عام شامل في البلاد يوم 21 يناير/ كانون الثاني المقبل، دفاعاً عن الحق النقابي وحقوق ملايين العمال في القطاعين الحكومي والخاص في الحصول على زيادات مجزية في رواتبهم.
وأول من أمس الثلاثاء، أكد المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية "وات"، أن الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي قدم استقالته، دون توضيح أسباب هذا القرار.
وتأتي استقالة الأمين العام لاتحاد الشغل بعد أشهر طويلة من الصراع الداخلي بهياكل المنظمة الشغلية الأكثر تمثيلاً في تونس، بسبب خلافات بين أعضاء المكتب التنفيذي حول تحديد موعد المؤتمر القادم، الأمر الذي أدى إلى انقسام المكتب إلى شقين، قبل أن يمتد الانقسام لاحقاً إلى الجامعات النقابية والاتحادات الجهوية.
ويدعم الطبوبي، المسنود بتسعة أعضاء من مكتبه التنفيذي (المؤلف من 14 عضواً)، خيار عقد مؤتمر انتخابي وتجديد القيادة بعد انتهاء العهدة الحالية التي تمتد لخمس سنوات في غضون عام 2027، بينما يطالب الشق الثاني بعقد مؤتمر استثنائي في مارس/ آذار 2026.
أزمة مركبة
خلال الأشهر الماضية، حاول الطبوبي الاحتكام في حسم موعد المؤتمر إلى الهيئة الإدارية الوطنية باعتبارها السلطة العليا، غير أن هذه المحاولات لم تفضِ إلى نتائج، لينتهي الوضع باستقالة الأخير، ليكون أول أمين عام يستقيل من منصبه في تاريخ المنظمة النقابية التي تأسست عام 1946.
يرى المحلل السياسي صهيب المزريقي، أن الاتحاد العام التونسي للشغل يواجه أزمة مركبة تعددت فيها المعارضات، وتسببت في تسرب الشكوك إلى صفوف القواعد النقابية حول قدرة الإدارة المركزية للمنظمة على الاستجابة للمطالب العمالية والقطاعية.
وقال المزريقي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الانقسام بصلب هياكل الاتحاد تحوّل إلى جبهات خلاف مفتوحة، انتهى بتخلي النقابة عن دورها في دعم المطالب القطاعية وإيجاد الحلول اللازمة لمجابهة الغلاء وتدهور القدرة الإنفاقية للعمال في القطاعين الحكومي والخاص.
واعتبر المزريقي أن استقالة الأمين العام للاتحاد في هذا التوقيت بالذات سيترتب عنها تعطيل إجرائي قد يحول دون إصدار برقية الإضراب العام المقرر في الأسبوع الثالث من شهر يناير/ كانون الثاني القادم. وأضاف: "يتطلب تنفيذ الإضراب توقيعاً من الممثل القانوني الأول للمنظمة وهو أمينها العام بعد مصادقة الهيئة الإدارية الوطنية، لكن الفراغ في منصب الأمانة العامة يعطل الآليات القانونية لإصدار البرقية".
تبعات وخيمة لاستقالة الطبوبي
يتوقع المحلل السياسي تبعات وخيمة لاستقالة الطبوبي، منها فقدان الثقة في المكتب الحالي، وخلق حالة من التعطل النقابي بين هياكل الاتحاد، وتعميق الهوة مع القواعد النقابية التي تنتظر من الاتحاد تحريك مطالبها الشغلية والدفاع عن حقوقها المهنية المهددة، في ظل الأوضاع الاجتماعية التي تعيشها تونس، خاصة أمام التضخم وارتفاع الأسعار.
تباعد الأزمة الداخلية بالاتحاد العام التونسي للشغل بين الوظيفة الأساسية للمنظمة النقابية وطموح العمال في تونس الذين يتطلعون إلى عودة سريعة للمفاوضات بشأن زيادات جديدة في رواتبهم. ويعتقد مهتمون بالشأن النقابي أنه بدخول الاتحاد في مرحلة انتقالية بعد استقالة الطبوبي، تتعطل الآلية القانونية لإصدار البرقية، حيث لا يمكن لخليفته المحتمل فاروق العياري إمضاء برقية بهذه الخطورة قبل ترتيب البيت الداخلي وتثبيت شرعيته، وهو ما يمنح السلطة هدنة مجانية طويلة الأمد.
الاتحاد انكسر من الداخل
يشير المزريقي إلى أن التصدعات النقابية تفقد الاتحاد قدرته على التحشيد للإضراب العام المرتقب، مضيفاً: "ستهتز ثقة الهياكل في منظمتهم النقابية، ما قد يجعلهم يتساءلون عن جدوى الإضراب بدون قيادة". ويعتقد المتحدث أن تكون لهذه الأزمة انعكاسات على العمال الذين يعانون من تردي وضعهم المالي وغياب التأطير والسند النقابي، لافتاً إلى أن الاستقالة هي إشارة بأن الاتحاد انكسر من الداخل ولم يعد قادراً على الحشد لخوض "معركة كسر عظم".
وعلى مدار السنوات التي تلت الثورة، كان الاتحاد العام التونسي للشغل لاعباً رئيسياً في الساحتين السياسية والاقتصادية في البلاد، كما تمكن من الاستحواذ على سيادة القرار في ما يتعلّق بالمفاوضات الاجتماعية بشأن الزيادة في رواتب الموظفين، قبل أن تلجم السلطة دوره بعد توقيع آخر اتفاق زيادة في الأجور في سبتمبر/ أيلول 2022.
السلطة توقف المفاوضات الاجتماعية
وخلال الأسابيع الأخيرة، تصاعدت في تونس موجة الإضرابات في القطاع الخاص، حيث خاضت العديد من الجامعات النقابية إضرابات عامة شملت البنوك والخدمات المالية والصناعات الغذائية والخدمات، إلى جانب إضراب عام شامل قاده الاتحاد الجهوي في صفاقس (جنوب شرق)، وهي ثاني أكبر محافظة اقتصادية في البلاد.
وتنوي سلطات تونس، وفق قانون الموازنة للعام القادم، صرف زيادات في رواتب موظفي القطاعين الحكومي والخاص بمقتضى أمر تصدره السلطات التنفيذية دون المرور عبر مفاوضات اجتماعية مع اتحاد الشغل، وذلك لأول مرة منذ أكثر من 5 عقود.
وقد أدرجت الحكومة، ضمن قانون الموازنة، بنداً يتعلق بزيادة الرواتب وجرايات (معاشات) المتقاعدين لسنوات 2026 و2027 و2028، ستجري تحديد قيمتها بموجب أمر حكومي يصدر بعد دخوله حيّز التنفيذ مطلع العام الجديد.
ويتهم اتحاد الشغل السلطة بمحاولة "الهيمنة وبسط النفوذ والتحكّم السلطوي في حقوق العمال الاقتصادية والاجتماعية وتسييرها وفق مصالح رأس المال وقوى الريع الناهبة لعرق العمال".
وكان اتحاد الشغل ينوي استعادة آلية التفاوض حول الزيادة في الأجور عبر الإضراب العام المتوقع الشهر القادم، قبل أن تعيد استقالة الطبوبي خلط الأوراق وتسقط إمكانيات فرض زيادة مجزية في الرواتب.
هشاشة الوضع الاجتماعي
بسبب هشاشة الوضع الاجتماعي والصعوبات المعيشية، حاول برلمان تونس فرض زيادات لا تقل عن 7% في الأجور تنسحب على القطاعين العام والخاص، غير أن المقترح الذي تقدم به عدد من النواب سقط في اختبار التصويت بالجلسة العامة. ووفق تقديرات الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، لن تتجاوز الزيادة المتوقعة في رواتب الموظفين 4%، خاصة في ظل غياب المفاوضات الاجتماعية.
وقال الشكندالي في حديثه لـ"العربي الجديد" إن قيمة الزيادة المتوقعة في الرواتب لا تكفي لترميم تدهور الوضع المالي للأسر بسبب مخلفات التضخم وتراجع قدرة الاقتصاد على خلق الثروة. وخلال السنوات الثلاث الماضية، سجلت تونس أعلى مستويات التضخم تاريخياً ببلوغه 10.4% في شهر فبراير/ شباط 2023، قبل أن يتراجع تدريجياً ليصل إلى نسبة 4.9%، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهي نسبة تظل مرتفعة مقارنة بالقدرة الشرائية.
ويعتبر طيف واسع من التونسيين أن نسب الزيادات الضعيفة في الرواتب التي تقرها الحكومة لم تعد كافية على توفير الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية، مقارنة بموجات الغلاء المتصاعدة وزيادة النفقات العامة للخدمات والدراسة والصحة.
ويحاصر الغلاء وضعف الرواتب موظفي تونس، حيث كشفت بيانات رسمية للمعهد الوطني للإحصاء أن معدل الرواتب الشهرية لنحو 670 ألف تونسي يعملون في القطاع الحكومي لا يتجاوز 1387 ديناراً للفرد (ما يعادل نحو 450 دولاراً)، ينفقون 40% منها على الأكل والتنقل.

Related News
تفجير حمص: «داعش» يتبنَّى... ودمشق تتوعَّد
aawsat
27 minutes ago
انفجارات قوية في العاصمة الأوكرانية كييف إثر هجوم صاروخي
aawsat
31 minutes ago
إسرائيل تعترف بـ«جمهورية أرض الصومال»
aawsat
51 minutes ago