استعادة بيبي زغبي.. زهورٌ مقطوفة من حقل سماوي
Arab
1 day ago
share
قد لا يكون اسم الفنّانة اللبنانية الأرجنتينية بيبي زغبي معروفاً كثيراً خارج قوس المشتغلين بالفنون مباشرةً، مع أنّ في سيرة حياتها، كما في اشتغالاتها، الكثير ممّا يُقال، حيث تشكّل استعادتُها نموذجاً عن مرحلة تأسيسية في الفن اللبناني خلال النصف الأول من القرن العشرين. ومن هنا تأتي أهمّية المعرض الذي اختُتم منذ أيام في "المكتبة الشرقية" ببيروت، ونظّمته السفارة الأرجنتينية في لبنان بذكرى مرور خمسين عاماً على رحيل "فنّانة الزهور". "النجوم جميلة لأنّ فيها زهرة لا نراها"، هكذا كتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري في "الأمير الصغير"، وكأنه يقول إن جمال الكون مطويٌّ في هذه الكائنات، وكذلك هو الحال مع لوحات لبيبة أو بيبي زغبي (1890 - 1975) حيث الزهور ثيمة أساسية وكأنها مقطوفة من حقل سماوي لا من الأرض. تتجاوز الأعمال، إلى حدٍّ ما، تقنيات الفنّانات العِصاميات، التي يمكن إدراج زغبي ضمنهنّ سواء بلمساتها العفوية، أو لكونها تعلّمت الرسم بعد رحلة طويلة من انتقالها إلى الأرجنتين وزواجها في سنّ السادسة عشرة، ثم انفصالها، إذ لم تُقِم معرضها الأول في بوينس آيرس حتى عام 1934. مع ذلك، يضعنا التدقيق في لوحات زغبي أمام باليتة ثرية الألوان، هي انعكاس لحياة شخصية كوسموبوليتانية تمتدّ من ساحل علما (مسقط رأسها) إلى بيونس آيرس، مروراً ببيروت وداكار وباريس وغيرها من المدن التي أقامت فيها معارضها، فضلاً عن تجارب وخبرات اكتسبتها من الأوساط النخبوية التي عايشتها. لوحة نسوية مبكرة يتداخل فيها إيحاء الحرية مع التقاليد تدمج لوحات زغبي بين دقّة التفاصيل التعبيرية والانطباعية الفرنسية، ولا سيما في استخدام الضوء والظلّ والتلوين الحركي الذي يمنح كلّ زهرة كونها الخاص، مستغنيةً عن مشاهد الحقول المفتوحة. وتتميز بمعجم لوني غني، حيث تتجلى الألوان وتدرجاتها في تشكيل يعكس روح البرية المتحرّكة أكثر من كونها طبيعة صامتة. يمكن قراءة أسماء أعمالها مثل: الرتم، والكاميليا، والهيدرنغا، بل حتى الشوك يعود معها إلى أصله، ليس إلّا باقة لطيفة تذرُوها الريح. واللافت أننا لا نقع على أثر للنرجس المسكين الذي بات اصطلاحاً سامّاً في يومنا هذا، فما غاب من الزهور سؤالٌ أيضاً من أسئلة المعرض. ومن بين الأعمال المعروضة تستوقفنا لوحتان (زيت على خشب) من مقتنيات "مؤسسة دلول للفنّ": "باهياس" و"امرأة مع الزهور"، وهُما اللوحتان الوحيدتان اللتان تتضمّنان حضوراً للعنصر البشري، حيث تُظهر التباينات اللونية القوية احتفاءً بالجسد الشعبي، ويمكن مقارنتها ببعض لوحات ماتيس، لكن مع خصوصية شرقية واضحة في الملامح والملبس والزينة. هناك أيضاً صلة بما بعد الانطباعية من حيث المساحات اللونية العريضة والابتعاد عن التجسيم الأكاديمي لصالح تعبيرية هادئة. بيبي زغبي اسمٌ تأسيسي في تاريخ الفن اللبناني، سبقت موجة التشكيليات التي شهدها النصف الثاني من القرن العشرين في لبنان (الستينيات الذهبية وما بعدها). تحضر في مسيرتها روح الرواد اللبنانيين مثل خليل الصليبي، وعمر الأنسي، ومصطفى فروخ، الذين أسسوا رؤية فنية جديدة ربطت بين الحداثة والخصوصية الثقافية. وبهذا، يمكن أن نصف أعمال الفنانة الراحلة بأنها لوحة نسوية مبكرة، إن جاز القول، تتداخل فيها الحرية الشخصية مع التقاليد الفنية.         View this post on Instagram                       A post shared by Bibliothèque Orientale - USJ (@bo.usj) يمتدّ أثر بيبي زغبي إلى أجيال لاحقة من الفنانين. فقد شكّلت لوحتها "الصبّار" مرجعاً بصرياً أولياً للفنان اللبناني نبيل نحاس، كما بيّن في أحد اللقاءات معه، قبل أن يعود لاحقاً لاقتناء مجموعة من لوحاتها. وتجلّى هذا الأثر أيضاً في المعرض الذي أقامه "غاليري صالح بركات" عام 2019، واتخذ من الزهور ثيمة له، وتضمّن أعمالاً لـ"فنّانة الزهور"، قبل أن يُعاد تقديمه الصيف الماضي في قصر بيت الدين. ويتقاطع هذا الامتداد أيضاً مع عالم الموضة، عبر مصممة الأزياء ساندرا منصور التي استلهمت عام 2022 في مجموعاتها موتيفات زهور بيبي زغبي في خط إنتاج أزيائها "فلور دو سولي".  

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows