Arab
تسعى دمشق لنقل علاقتها مع موسكو إلى مستوى استراتيجي، مدركةً أهمية الدور الروسي في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سورية، وخصوصاً لجهة إعادة هيكلة الجيش السوري وتسليحه، والإسهام في تبريد أزمات داخلية ساخنة تشكل تحديات للحكومة السورية.
الشيباني وأبو قصرة في موسكو مجدداً
وفي هذا السياق تصب زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني برفقة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، إلى جانب مسؤولين في الاستخبارات العامة، لموسكو، التي وصل إليها الوفد السوري أول من أمس، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اجتماع تناول مختلف القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، مع تركيز خاص على التعاون الاستراتيجي في مجال الصناعات العسكرية، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، مضيفة أن الطرفين ناقشا أيضاً "مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، وأكدا أهمية التنسيق السياسي والدبلوماسي بين دمشق وموسكو في المحافل الدولية".
طه عبد الواحد: ما يثير انتباه المراقبين استقبال الرئيس بوتين مجدداً الوفد السوري
وهذه ليست الزيارة الأولى للشيباني إلى موسكو بعد توليه منصبه؛ ففي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أجرى الرئيس السوري أحمد الشرع زيارة إلى موسكو برفقة الشيباني وأبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة حسين السلامة، والأمين العام لرئاسة الجمهورية ماهر الشرع، حيث تمّ بحث تطوير العلاقات. كما زار الشيباني موسكو في يوليو/تموز الماضي، والتقى نظيره الروسي سيرغي لافروف.
ويوم أمس، أكد الشيباني أن العلاقات السورية الروسية تدخل مرحلة جديدة، مع مناقشة تفاصيل العلاقة بين البلدين بقدر أكبر من الصراحة والانفتاح، بما يسهم في نقلها إلى مستوى استراتيجي يخدم مصالح الشعبين، مشدداً على أن دمشق تتطلع إلى بناء علاقات متوازنة وهادئة مع جميع الدول، وفق الوكالة. وقال وزير الخارجية السوري خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، إن علاقات بلاده مع روسيا "تدخل عهداً جديداً مبنياً على الاحترام المتبادل"، مشيراً إلى أن الحكومة السورية "تسعى إلى جلب الاستثمارات الخارجية"، ومعرباً عن أمله في مساعدة الجانب الروسي بذلك". وقال: "مستمرون بإعادة الإعمار في سورية بإرادة وطنية خالصة، ونطمح إلى أن تكون علاقاتنا مع الجميع متوازنة"، مشيراً إلى تمكن حكومته من "إيقاف تجارة المخدرات التي مارسها النظام البائد".
من جهته، بيّن لافروف أن المحادثات بين الجانبين تناولت مختلف القضايا، مضيفاً: "شدّدنا على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، كما اتفقنا على تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين".
وأبدى الشيباني خلال لقائه لافروف رغبة في نقل العلاقة بين دمشق وموسكو إلى "مستوى استراتيجي يخدم مصالح البلدين"، بينما أكد لافروف التزام بلاده بسيادة سورية والحرص على وحدة أراضيها، مشيراً إلى أن الشيباني وبوتين "أجريا محادثة جيدة" خلال لقائهما. كما شدد الطرفان على رفض الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للأراضي السورية، مؤكدين ضرورة احترام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وفق "سانا". وأشار الوزير الروسي إلى اجتماع اللجنة السورية الروسية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي والفني، والاتفاق على تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
وتأتي زيارة الشيباني وأبو قصرة امتداداً لزيارة وُصفت بـ"التاريخية"، قام بها الشرع إلى العاصمة الروسية منتصف أكتوبر الماضي، مدشّناً مرحلة جديدة تقوم على مقاربة واقعية للعلاقة ما بين البلدين تتجاوز المرحلة السابقة التي كانت فيها موسكو حليف نظام الأسد.
ورأى الباحث المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن زيارة الوفد السوري إلى موسكو مجدداً "غاية في الأهمية نظراً لتوقيتها والمواضيع التي أعلن الجانب السوري أنه بحثها مع المسؤولين الروس".
وبرأيه، فإن "ما يثير انتباه مراقبين استقبال بوتين مجدداً الوفد السوري"، مشيراً إلى أن الوفد "يمثل عملياً المؤسسات التي تصنع سياسات الدولة في مجالات العلاقات الخارجية والدولية والأمن". وتابع: "هذا يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن ما يجري بحثه بين السلطات الروسية والسورية قضايا غاية في الأهمية، إن كان لجهة ما تشهده سورية آنياً أو لجهة الدور الروسي المتوقع في عملية إعادة البناء الشامل للدولة السورية لاسيما في مجالي الاقتصاد والأمن، والمصالح الروسية في سورية وفق رؤية وآليات تتوافق مع الأوضاع الجديدة". وأعرب عن اعتقاده بأن موسكو "ترحب بنقل العلاقة مع سورية إلى مستوى استراتيجي"، لافتاً إلى أنها "منذ البداية، عملت على ترسيخ إعادة ترتيب العلاقات مع دمشق ما بعد النظام البائد وفق أسس جديدة تسمح بالعمل تدريجياً للوصول إلى شراكة استراتيجية حقيقية قائمة على الاحترام المتبادل".
بسام سليمان: بنية الجيش العربي السوري، روسية، وعملية تغييرها في الوقت الراهن صعبة
دمشق وموسكو تختبران تعزيز الثقة
وساندت موسكو سياسياً وعسكرياً واقتصادياً خلال سنوات الحرب في سورية، نظام الأسد، ما سمح لها بتعزيز نفوذها العسكري والسياسي في سورية وامتلاك أوراق قوة في العديد من الملفات الداخلية السورية. ولم تربط الإدارة السورية الجديدة العلاقات مع روسيا بموقف موسكو خلال الحرب، فأبدت منذ الأيام الأولى لتسلمها إدارة البلاد، حرصاً على استمرار هذه العلاقات، وعدم المسّ بالمصالح الروسية في شرقي المتوسط، لحاجة دمشق إلى دعم روسي واسع اقتصادي وعسكري يخفف من الأزمات خلال المرحلة الانتقالية. ولم تتعرض قاعدة حميميم الروسية في ريف اللاذقية لأي اعتداءات منذ سقوط نظام الأسد وهو ما عزّز الثقة بين دمشق وموسكو التي تحاول الحفاظ على نفوذها في سورية من خلال إبداء مرونة وتعاون مع الحكومة السورية الجديدة التي لم تبطل حتى اللحظة الاتفاقات المتعلقة بالوجود العسكري الروسي في سورية التي أُبرمت خلال فترة النظام السابق، سواء في اللاذقية وطرطوس، وحتى الوجود العسكري المحدود في مطار القامشلي بأقصى الشمال الشرقي السوري.
وللجانب الروسي الذي تربطه علاقات مع الجانب السوري منذ خمسينيات القرن الماضي، تأثير مباشر في العديد من الملفات الداخلية السورية؛ فدمشق كما يبدو تريد دوراً روسياً فاعلاً في ملف الجنوب وخصوصاً لجهة ضبط العلاقة مع الجانب الإسرائيلي من خلال عودة الوجود العسكري الروسي إلى نقاط مراقبة كانت موجودة قبل إسقاط نظام الأسد لسحب الذرائع الإسرائيلية في الاعتداءات المتكررة على السيادة السورية. كما تعوّل وزارة الدفاع السورية على دور روسي فاعل في تدريب وتسليح الجيش السوري الجديد، لاسيما أن إسرائيل دمّرت أغلب القدرات العسكرية السورية فور سقوط نظام الأسد عبر حملة قصف جوي استمرت عدة أيام.
وبرأي الباحث السياسي بسام سليمان في حديث مع "العربي الجديد"، فإن لموسكو "أوراقاً كثيرة في سورية"، مشيراً إلى أن الوجود العسكري الروسي في سورية "يعود لعقود وتعزز أكثر خلال سنوات الثورة بموجب اتفاقيات مع النظام السابق". ولفت إلى أن "لروسيا ثقلاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في العالم، فهي عضو دائم في مجلس الأمن فضلاً عن كونها القوة العسكرية الثانية في العالم". وأشار إلى أن "بنية الجيش العربي السوري، روسية، وعملية تغييرها في الوقت الراهن صعبة". وأضاف: "يجب ألا ننسى أن الكثير من البنية التحتية في سورية أُنجز إبان فترة الاتحاد السوفييتي، ولا يمكن تجاوز العلاقة ما بين سورية وروسيا". كما أشار إلى أن الكثير من القمح الذي يستهلكه الشعب السوري "قادم من روسيا"، معرباً عن اعتقاده بأن دمشق تريد علاقة تصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية على أساس الاحترام المتبادل بين البلدين.

Related News
تفجير حمص: «داعش» يتبنَّى... ودمشق تتوعَّد
aawsat
19 minutes ago
انفجارات قوية في العاصمة الأوكرانية كييف إثر هجوم صاروخي
aawsat
23 minutes ago
إسرائيل تعترف بـ«جمهورية أرض الصومال»
aawsat
43 minutes ago