الحوار الثقافي القطري بين الرياضة والفنون
Arab
1 week ago
share
تواصل دولة قطر جهودها لتعميق الشراكات الدولية عبر مبادرة "الأعوام الثقافية"، إذ تبدأ الاستعدادات للاحتفاء بالعام الثقافيّ 2026 بالشراكة مع كندا والمكسيك. وفي هذا الإطار، تبرز الثقافة والرياضة مسارَين فاعلَين في العمل الدبلوماسي، لما لهما من دور في تعزيز التواصل الإنساني، وإتاحة مساحاتٍ للإبداع والتنافس والتعاون، وبناء جسور الثقة والتفاهم المشترك بين المجتمعات، فالثقافة لا تحدُث على هامش الدبلوماسية، وإنما هي أداة مركزية تشكّل نظرة المجتمعات إلى بعضها بعضاً، وتؤثر في بناء الثقة، وتعزيز التعاون على المدى الطويل. وفي قطر، يُنظر إلى الثقافة بوصفها مجالاً حيّاً ومتعدّد الأبعاد؛ فهي حاضرة في المتاحف والمواقع التراثية، وفي الأدب والفنون الأدائية، كما تتجلّى بوضوح في ملاعب كرة القدم. وهنا يبرز دور مبادرة "الأعوام الثقافية" تذكيراً بتقاطع هذه الأبعاد المختلفة وترابطها في جوهرها، إذ تحمل رسالة واحدة أساسها الاحترام والتبادل الثقافي. ومن خلال عملي وزيرة دولة للتعاون الدولي في وزارة الخارجية، لمستُ كيف تتحوّل الثقافة إلى لغة خاصّة تتجاوز حدود الترجمة، وتُفهم من خلال التجارب المشتركة. ××× أثبتت بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022™ أنّ الرياضة ليست مجرّد مساحة للترفيه، بل مجال واسع يُقرّب بين المجتمعات ويعزّز التلاقي الإنساني. إذ تمكّن الملايين من جماهير البطولة من التماس كرم الضيافة القطرية عن قرب، والتعرّف إلى الهوية الثقافية العربية، والقدرات الحديثة التي نمتلكها، في صورةٍ مختلفةٍ لمنطقتنا التي غالباً ما يُنظر إليها من الخارج. وبالنسبة لكثيرين، شكّلت هذه التجربة أول تواصلٍ مباشرٍ لهم مع منطقة الخليج، ما أسهم في إعادة النظر في صور نمطية رسّختها المسافة أكثر مما رسّختها المعرفة. ولم ينتهِ ذلك الأثر مع صافرة النهاية. فمشاركة قطر في كأس العالم FIFA 2026™ تعبّر عن التزامها بمواصلة حضورها الفعّال في الحوار العالمي الذي تتيحه الرياضة، والاستثمار في قدرتها على خلق مساحات مشتركة للتواصل والتفاهم العابر للقارات. سيوفر عام الثقافة 2026 مع كندا والمكسيك فرصاً جديدة للتفاعل الثقافي العابر للحدود وفي هذا السياق، تكتسب استضافة البطولة المقبلة دلالةً خاصة تتجاوز البعد الرياضي لتلامس أبعاداً ثقافية أكبر، فكندا والمكسيك، الشريكان في استضافة كأس العالم 2026 إلى جانب الولايات المتحدة، هما، كما أعلنت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، الشريكان الثقافيان لقطر في 2026. وإن هذين الوجهين لهذه المناسبة يعزّزان بعضهما بعضاً، من التفاعل على أرض الملعب، إلى التفاعل عبر الفنون والتراث وتبادل المعرفة. وهكذا، تلتقي كندا والمكسيك في ساحتَين مختلفتَين، حاملتَين الرسالة نفسها بلغتَين متكاملتَين عبر الرياضة والثقافة. ××× كما تجمع الرياضة الناس في لحظة مشتركة، فإنّ الفنون تضمن بقاء تلك اللحظات. وفي هذا الجانب، تسعى متاحف قطر، عبر معارضها ومهرجاناتها الثقافية، إلى إتاحة تجارب تفتح آفاق الفهم وتعمّقه عبر تقديم سياق أوسع للهوية، وكشف الكيفية التي تتشكّل بها القيم المشتركة ويُعبَّر عنها. وهذا هو العمل التراكمي للحوار الذي يُسهم في بناء علاقاتٍ دوليةٍ مرنةٍ وقادرةٍ على الصمود، فالدبلوماسية الثقافية تنمو من خلال التعاطف، والتشارك، والرغبة بالاكتشاف. ××× على الدبلوماسية الثقافية أن تكون دبلوماسية واعية أيضاً؛ فمن خلال إشراك المجتمعات المحلية وإتاحة مساحة أوسع للأصوات غير الممثلة على نحوٍ كافٍ، تخلق مبادرة "الأعوام الثقافية" شراكات تقوم على العدالة والاحترام المتبادل. وسيوفر عام الثقافة 2026 مع كندا والمكسيك فرصاً جديدة للتفاعل الثقافي العابر للحدود، وخصوصاً لثراء الإرث الثقافي الكندي الممتد إلى الثقافات الأصلية والفرنكوفونية، إلى جانب عمق التقاليد الفنية والحضارية لدى المكسيك. وبدورها، ستقدّم قطر تراثها الخاص برؤية إبداعية مستقبلية يقودها الشباب والتعليم والابتكار. وكلنا ثقةٌ بأن هذا التلاقي سُيطلق أفكاراً جديدة تتجاوز الجغرافيا واللغة. ولهذا أتطلع قُدماً إلى النتائج المتوقعة من شراكات العام المقبل بين قطر وكندا والمكسيك. تحرك الرياضة المشاعر الإنسانية، فيما تمنحنا الفنون مساحةً للتأمل في هويتنا وما نحمله معنا إلى المستقبل، وبكليهما تتواصل المجتمعات وتتعارف الأمم. هذا ما تذكّرنا به مبادرة "الأعوام الثقافية" وبكل تأكيد، ما تتيحه الرياضة من لقاءات إنسانية مباشرة، وما توفره الثقافة من فهم أعمق للآخر، يفتح آفاقاً واسعة لبناء علاقات قادرة على الاستمرار. ما يشكّل أساساً متيناً لدبلوماسية تُمارَس في الحياة اليومية، لا في الأطر الرسمية وحدها. هذه هي العملية الدبلوماسية التي يعيشها الناس، في الصفوف الدراسية وملاعب التدريب والمكتبات وصالات العرض والفضاءات الاجتماعية؛ دبلوماسية بسيطة، إنسانية، وفعّالة. تحرّك الرياضة المشاعر الإنسانية، فيما تمنحنا الفنون مساحةً للتأمل في هويتنا وما نحمله معنا إلى المستقبل، وبكليهما تتواصل المجتمعات وتتعارف الأمم. هذا ما تذكّرنا به مبادرة "الأعوام الثقافية"، إذ لا تكون الشراكة عبر الاتفاقيات أو المفاوضات فحسب، بل من خلال التجربة المشتركة والفضول المعرفيّ الصادق. ولهذا ستواصل دولة قطر دعم هذا المسار؛ مسار تعزيز الثقة، وتمكين المجتمعات، وبناء السّلام.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows