تتباين القراءات لموقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الصين وخصوصاً الصراع حول جزيرة تايوان، ففي حين كانت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية تنقل في تقرير لها الشهر الحالي تقديرات استخبارية أميركية بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ أمر جيش بلاده بالتحضير للسيطرة عسكرياً على تايوان بحلول عام 2027، كانت استراتيجية الأمن القومي الأميركي التي كُشف عنها أخيراً تشدد على أولوية "منع الصراع بشأن تايوان، من خلال الحفاظ على التفوق العسكري"، بالتوازي مع اختفاء التصريحات التي تصف الصين بأنها "أخطر تحدٍ جيوسياسي يواجه أميركا"، كما صاغتها إدارة جو بايدن سابقاً، فيما تم التركيز على التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين بالدرجة الأولى. تراجع أميركي يعيد الحسابات تجاه تايوان وفيما يرى محللون أميركيون أن ترامب يسعى للحفاظ على أقصى مساحة ممكنة للتفاوض في اجتماعه مع شي المقرر في إبريل/نيسان المقبل، واستبعاد استخدام لغة أكثر حدة تجاه الصين، كشف تقرير جديد نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قبل أيام عن معطيات أخرى، تتحدث عن تراجع قوة الجيش الأميركي بمواجهة الصين. وبحسب الصحيفة، أصدر البنتاغون تقييماً سرياً متعدد السنوات يُبيّن كيف سيتطور أي صراع حول تايوان، وهو ما يُعرف بتقرير "التفوق المطلق" (أوفرماتش)، وتم تقديمه أخيراً إلى كبار مسؤولي البيت الأبيض. ويُفصّل التقرير قدرة الصين على تدمير الطائرات المقاتلة الأميركية والسفن الكبيرة والأقمار الصناعية، ويُحدّد نقاط الضعف في سلسلة الإمداد العسكرية الأميركية. "نيويورك تايمز": الصين لديها الآن صواريخ كافية لتدمير العديد من الأسلحة الأميركية المتقدمة قبل أن تقترب من تايوان وقالت "نيويورك تايمز" إن الصورة التي يرسمها التقرير مقلقة، إذ إن الصين لديها الآن صواريخ كافية لتدمير العديد من الأسلحة الأميركية المتقدمة قبل أن تقترب من تايوان. وكشف هذا التقييم عن أمرٍ أكثر إثارةً للقلق من مجرد احتمال نشوب حربٍ على تايوان، فهو يُظهر اعتماد البنتاغون المفرط على أسلحةٍ باهظة الثمن وضعيفة، في حين يمتلك الخصوم أسلحة رخيصة ومتطورة تقنياً. كما يُشير إلى تراجع مستمر لعقودٍ في قدرة أميركا على كسب حربٍ طويلة ضد قوة عظمى، بحسب "نيويورك تايمز". وكان وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث صرح في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأننا "نخسر في كل مرة" في مناورات البنتاغون الحربية ضد الصين. ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن صناعة الدفاع الأميركية فقدت القدرة على إنتاج الأسلحة التقليدية، كقذائف المدفعية والسفن والطائرات، بكميات كبيرة وبسرعة. وفي حال نشوب حرب مع الصين، ستنفد الولايات المتحدة سريعاً من الذخائر الأساسية، كما حذر جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن. تحوّل جوهري في الاستراتيجية الأميركية  هذا التقرير يأتي بعد الكشف عن استراتيجية الأمن القومي الأميركي التي ركّزت بشكل كبير على الشق الاقتصادي في المواجهة مع الصين، بعد عقود من إعطاء الولايات المتحدة الأولوية لصعود الصين. وجاء في الاستراتيجية "سنعيد موازنة علاقة أميركا الاقتصادية مع الصين، مع منح الأولوية للمعاملة بالمثل والإنصاف لضمان استعادة الاقتصادي الأميركي استقلاليته". وأوضحت الوثيقة أن إدارة ترامب ترى أن عدم الاستقرار بالقرب من تايوان يشكل خطرا بسبب هيمنة الجزيرة على تصنيع أشباه الموصلات ولأن حصة كبيرة من التجارة العالمية تمر عبر المياه القريبة. وجاء في الوثيقة أن "منع الصراع بشأن تايوان، من خلال الحفاظ على التفوق العسكري، يمثل أولوية". وتمسّكت الوثيقة بالدعوات الأميركية للمحافظة على الوضع القائم في تايوان. لكنها دعت اليابان وكوريا الجنوبية للمساهمة أكثر في ضمان الدفاع عن تايوان. وتجنب ترامب إلى حد بعيد التصريح مباشرة بالطريقة التي يمكن أن يرد بها على تصاعد التوتر بشأن الجزيرة، وقال إنه يتطلع إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الرئيس الصيني. وفي هذا السياق، تحدثت شبكة "سي أن أن" الأميركية في تقرير لها عن ملاحظة تحوّل جوهري في استراتيجية الأمن القومي الأميركي: "طريقة تناولها، أو الأهم من ذلك، طريقة تجاهلها، للصين". ولفتت إلى اختفاء التصريحات العامة التي وصفت الصين بأنها "أخطر تحدٍ جيوسياسي يواجه أميركا"، كما صاغتها إدارة بايدن. كما أنها خلت من الكثير من اللهجة الحادة التي وردت في استراتيجية الأمن القومي خلال الولاية الأولى لترامب، والتي وصفت الصين عام 2017 بأنها تتحدى "القوة والنفوذ والمصالح الأميركية". بدلاً من ذلك، ركزت الوثيقة الأخيرة، على التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين بالدرجة الأولى، متجاهلةً تقريباً مخاوف الاستبداد أو انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت حاضرة بقوة في تقارير الإدارات السابقة. ديفيد ساكس: لا يوجد أي ذكر لمنافسة القوى العظمى مع الصين. يُنظر إلى الصين الآن على أنها منافس اقتصادي أكثر منها أي شيء آخر ونقلت الشبكة عن الباحث في الدراسات الآسيوية بمجلس العلاقات الخارجية ديفيد ساكس قوله: "لا يوجد أي ذكر لمنافسة القوى العظمى مع الصين. يُنظر إلى الصين الآن على أنها منافس اقتصادي أكثر منها أي شيء آخر". ولفتت "سي أن أن" إلى قلة ذكر الصين في الاستراتيجية، إذ لم تُذكر إلا في الصفحة 19 من الوثيقة، وفي قسم واحد فقط من تقرير يغطي أيضاً أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط ومناطق أخرى. في المقابل، تناول تقرير بايدن لاستراتيجية الأمن القومي عام 2022 الصين مراراً وتكراراً على امتداد صفحاته الـ48. من جهتها، تحدثت "نيويورك تايمز" في تقرير آخر أمس عن تحقيق الصين "سلسلة من الانتصارات" في منافستها مع الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة، إذ خففت إدارة ترامب من حدة انتقاداتها للحزب الشيوعي الصيني، وأعادت فتح قناة لبيع الرقائق الإلكترونية المتطورة. رغم ذلك، لا تستطيع واشنطن تجاهل الانتهاكات الصينية المتكررة، وآخرها توجيه مقاتلات صينية راداراتها على مقاتلات يابانية قرب تايوان، وهي تصرفات اعتبرها وزيرا وزير الدفاع الياباني شينجيرو كويزومي ونظيره الأميركي بيت هيغسيث "لا تساعد في تحقيق السلام الإقليمي". وقالت وزارة الدفاع اليابانية في بيان أمس إن الوزيرين تبادلا في اتصال هاتفي "وجهات نظر صريحة حول تفاقم الوضع الأمني الخطير في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك حادث الرادارات". أضاف البيان أن الوزيرين أعربا عن "قلقهما البالغ إزاء أي إجراءات من شأنها تصعيد التوتر الإقليمي، حيث إن تصرفات الصين لا تساعد في تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين". وأكد كويزومي لاحقاً على منصة اكس أنه تشارك "الخشية مع نظيره الأميركي إزاء السلوكيات التي تزيد من حدة التوترات في المنطقة". وأبلغ نظيره هيغسيث أيضاً أن الصين "تنشر معلومات تتعارض تماماً مع الحقائق" حول حادث الرادارات. وأشار كويزومي إلى أنه "مع ذلك، أوضحت اليابان أنها لا تسعى إلى التصعيد وأننا نرد بهدوء... ونبقي باب الحوار مفتوحاً". ولم يصدر أي بيان فوري من الولايات المتحدة بشأن المكالمة. وحذّرت رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايتشي الشهر الماضي من أن بلادها قد تتدخل في حال هاجمت الصين تايوان. وكشفت اليابان أن مقاتلات صينية من طراز جاي-15 أغلقت راداراتها مرتين على مقاتلات يابانية فوق المياه الدولية بالقرب من جزيرة أوكيناوا الأسبوع الماضي.