الإصلاح ضحية الإرهاب.. قراءة في تاريخه ومواقفه وتضحياته
Party
1 month ago
share

منذ تأسيسه قبل ٣٥ عاما، مثّل حزب التجمع اليمني للإصلاح نموذجا للفكر الإسلامي الوسطي في اليمن، ملتزما بمبادئ الاعتدال والوسطية ورافضا للعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية. ومع تصاعد تهديدات الجماعات الإرهابية، برز الحزب ليس فقط ككيان سياسي، بل كحارس لقيم الديمقراطية والسلم الأهلي، محافظا على توازنه بين الالتزام الديني والعمل المدني.

لقد دفع الحزب ثمن هذا الالتزام، إذ استُهدفت قياداته وكوادره عدة مرات، ما يعكس أن موقفه في مواجهة الإرهاب قائم على المبدأ وليس على المصالح.

يهدف هذا التقرير إلى تقديم قراءة تحليلية معمقة لموقف الإصلاح من الإرهاب، وتسليط الضوء على تضحيات كوادره، والإسهامات العملية للحزب في دعم جهود الدولة لمكافحة التطرف، مع دحض الاتهامات التي حاولت إلصاق الإرهاب به.

 

المواقف الرسمي تجاه الإرهاب

حرص حزب الإصلاح على التأكيد أن التزامه بالدولة والقانون ورفض العنف ليس مجرد موقف سياسي عابر أو تكتيكي، بل هو قناعة فكرية وأخلاقية متجذرة تنبع من فهم عميق لطبيعة المجتمع اليمني وقيم الدين الإسلامي. وإذا ألقينا نظرة متأنية على تصريحات قياداته منذ البداية سنجد أنها تنسجم تمامًا مع هذا النهج، فتصريح رئيس الهيئة العليا للحزب، الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر، بأن "الإسلام يرفض العنف، ويرفض الإرهاب، وكل ما من شأنه أن يلحق الضرر بالناس والمجتمع، لأنه دين الاعتدال والتراحم"، لا يشكل مجرد تعبير رمزي عن رفض الإرهاب، بل يمثل إطارًا فكريًا واضحًا يحدد طبيعة منهج الحزب في التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية ويضع حدًا فاصلاً بين الفكر الوسطي الذي يتبناه الحزب وأيديولوجيات العنف والتطرف التي تحاول اختطاف الدين لأغراض سياسية.

 

وبالمثل، يؤكد الأمين العام للحزب، عبد الوهاب الأنسي، أن "التجمع اليمني للإصلاح يدين العنف، سواء كان من السلطات أم من الجماعات أم من الأفراد"، وهذه الكلمات لا تعكس فقط موقفًا نظريًا، بل تعكس فهم الحزب العميق لمخاطر العنف على المجتمع بأكمله، بما في ذلك المؤسسات الرسمية والدولة، وهو بذلك يثبت أن رفض العنف ليس موقفًا انتقائيًا أو ظرفيًا يمكن التراجع عنه، بل هو مبدأ ثابت يُطبَّق في كل السياقات والمناسبات.

 

لطالما ارتكز منهج الإصلاح على الحلول السلمية والحوار المستمر مع جميع الأطراف، إيمانا بأن هذا النهج هو الأكثر أمانا للحزب والدولة والمجتمع، وقد حرص دوما على ترسيخ فكرة أن الانخراط في العنف لا يحل المشكلات، بل يزيدها تعقيدا ويهدد الأمن والسلم الأهلي.

 

وعند النظر إلى البيانات الرسمية الصادرة عن الإصلاح، نجد أنها تؤكد الالتزام بمنهجية واضحة وثابتة تجاه الإرهاب، فقد نص البيان الختامي للمؤتمر العام الثالث على "رفض الإصلاح للإرهاب بكافة أشكاله وصوره من أي جهة وتحت أي مسمى"، وهو ما يعكس إصرار الحزب على موقف شامل وحازم لا يحتمل الغموض أو التفسير الخاطئ.

 

وفي مناسبات عديدة أكدت الأمانة العامة للحزب أن "الإرهاب لا يخدم إلا الأعداء المتربصين بالدين والوطن"، ويعكس هذا التصريح رؤية الإصلاح للإرهاب كأداة لتدمير المجتمع واستغلال الدين لأغراض سياسية، ويضع حدودًا فاصلة بين الفكر المعتدل الذي يدعو إلى الاعتدال والتسامح والتعايش، وأيديولوجيات العنف والغلو.

 

البعد الاجتماعي والتربوي

 

 

تتضمن استراتيجية الإصلاح أيضًا البعد الاجتماعي والتربوي، كما يظهر - مثلا- في دعوة الهيئة العليا أعضاء الحزب إلى "الإسهام في نشر ثقافة التسامح ومحاربة ثقافة العنف والتطرف والغلو"، مما يؤكد على أن الحزب يتعامل مع الإرهاب ليس فقط كتهديد أمني أو سياسي، بل كظاهرة مجتمعية متعددة الأبعاد تحتاج إلى معالجة شاملة. بمعنى آخر، يرى الإصلاح أن مواجهة الإرهاب تبدأ من الفكر والمجتمع والثقافة، وليس فقط من خلال العمليات العسكرية أو الأمنية.

 

التعاون مع الدولة: شراكة في مواجهة الإرهاب

 

لم يقتصر موقف حزب الإصلاح تجاه الإرهاب على مجرد التصريحات أو البيانات الرسمية، بل تجاوزه إلى العمل الفعلي على دعم جهود الدولة في مواجهة هذه الظاهرة بمختلف أشكالها، إذ حرص الحزب منذ البداية على التأكيد أن تنسيق جهوده مع الأجهزة الأمنية والسلطات الحكومية لا يقتصر على تقديم المشورة أو الدعم الرمزي، بل يشكل جزءًا أساسيًا من استراتيجيته العملية لتعزيز فعالية الحملات ضد الجماعات الإرهابية.

 

من الشواهد على سبيل المثال لا الحصر، موقفه الصارم تجاه تفجير السيارة المفخخة في صنعاء عام 1998، حيث طالب الحزب الحكومة بالتصرف بمسؤولية وحزم، مؤكدًا على خطورة أي تساهل أو تهاون في مواجهة هذا التهديد الذي يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الوطن وإلحاق الضرر بالمواطنين الأبرياء.

 

ويظهر هذا التعاون أيضًا من خلال تأييد الحزب للحملات الأمنية التي استهدفت الجماعات الإرهابية في محافظات حضرموت وشبوة وأبين سواء عام 2012 أو 2014، حيث أكد الإصلاح في مناسبات عديدة ، أن الحرب ضد تنظيم القاعدة لم تعد مهمة الجيش والأمن وحدهما، بل هي مسؤولية وطنية يتحملها جميع أبناء اليمن، وهو موقف يعكس فهم الحزب العميق لأهمية الشراكة الوطنية والمجتمعية في مواجهة الإرهاب.

 

 

تضحيات كوادر وقيادات الإصلاح: دليل لا يدحض

 

تُظهر الهجمات الإرهابية المتكررة على قيادات وكوادر حزب الإصلاح بوضوح أنه الهدف الرئيسي لهذه الجماعات التي ترى فيه حاجزًا أمام أفكارها المتطرفة، فالقاعدة، على سبيل المثال، وصفت الحزب بأنه "مرتد" لأنه لا يتبنى العنف تحت مسمى الجهاد، وهو بذلك يقدم شهادة براءة واضحة تؤكد أن الحزب بعيد عن أي صلة بالإرهاب، وأن موقفه القائم على رفض العنف هو منهج ثابت وراسخ منذ نشأته، لا يمكن تجاوزه أو تغييره بحسب الظروف.

 

على الرغم من هذه التحديات والتهديدات المستمرة، ظل كوادر الإصلاح صامدين، محافظين على التزامهم بمبادئ الحزب، حيث يبرز ذلك بشكل واضح سواء في الماضي أو الحاضر. ويتجلى ذلك في حادثة اغتيال أربعة من أعضائه في محافظة حجة عام 1997، والتي شهدت خلال تشييعهم رفع آلاف المواطنين لافتات تندد بالإرهاب وتطالب بالتحقيق في الحادث، كما يتضح في حادث آخر عام 1998 حين تم العثور على متفجرات مزروعة بالقرب من منزل رئيس الإصلاح في محافظة شبوة، إلا أن الحزب أكد حينها أن نهجه السياسي واضح وثابت في رفض العنف وإثارة القلاقل، ويعكس هذا الصمود قدرة الحزب على الاستمرار في ممارسة العمل السياسي السلمي رغم المخاطر الجسيمة التي يواجهها كوادره، ويثبت أن استهدافه من قبل الجماعات الإرهابية لا يغير من موقفه الثابت تجاه الحلول السلمية والحوار السياسي.

 

وقد أثرت تضحيات كوادر الإصلاح بشكل إيجابي على صورة الحزب في المجتمع، حيث أن الطريقة التي تعامل بها مع الهجمات الإرهابية عززت مصداقيته والتزامه بسيادة القانون والديمقراطية، فبعد حادث اغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي أثناء مؤتمر للإصلاح، سارعت قيادة الحزب إلى نفي أي مسؤولية عن الحادث، مؤكدة أن الاعتداء يستهدف جميع قيم الديمقراطية والحرية، كما أظهرت هذه المواقف قدرة الحزب على التعامل بمسؤولية عالية مع أزمات أمنية معقدة، بما يعكس رؤيته القائلة بأن الاستهداف الإرهابي لا يعني تراجع الحزب عن مبادئه، بل يزيده تصميمًا على التمسك بمنهجه السلمي وتعزيز دوره الوطني.

 

وتتجلى خطورة الاستهداف الإرهابي الذي تعرض له كوادر الإصلاح في سلسلة طويلة من العمليات التي لم تقتصر على شخصيات بعينها، بل شملت العديد من قياداته وأعضائه على امتداد المحافظات اليمنية، ومن أبرز هذه العمليات:

 

13 فبراير 2018: اغتيال القيادي شوقي كمادي في عدن، وهو أحد الرموز البارزة للحزب في الجنوب.

 

17 فبراير 2018: اغتيال القيادي هائل عبده غالب بانفجار لغم أرضي زرعته مليشيات الحوثيين، ما يعكس طبيعة التهديدات متعددة المصادر التي يواجهها الإصلاح.

 

30 مارس 2018: اغتيال القيادي رفيق الأكحلي في مدينة تعز، في عملية تهدف إلى زعزعة استقرار الحزب في المناطق الحيوية.

 

2 أبريل 2018: وفاة الشيخ عمر دوكم متأثرًا بجراحه بعد محاولة اغتيال، وهو يعكس الصمود والتضحيات الشخصية الكبيرة التي يقدمها قيادات الحزب.

 

2 مايو 2018: اغتيال الشيخ حسن دوبلة مع خمسة من مرافقيه بانفجار عبوة ناسفة، وهو مثال على المخاطر التي تواجه كوادر الإصلاح أثناء ممارسة أنشطتهم السياسية والمجتمعية.

 

9 مايو 2018: وفاة الناشط صادق فرحان الحيدري في سجون مليشيات الحوثيين بعد تعرضه للتعذيب، وهو ما يعكس الانتهاكات التي يتعرض لها الأعضاء البعيدون عن النشاط العسكري المباشر.

 

19 سبتمبر 2018: اغتيال الناشط علي محمد الدعوسي أمام منزله في عدن، وهو يوضح أن الاستهداف لا يقتصر على القيادات فحسب بل يشمل كل من ينتمي للحزب.

 

23 سبتمبر 2018: اغتيال التربوي رمزي الزغير أمام طلابه في عدن، وهو حادث يبين الأبعاد الرمزية للاستهداف في محاولة لكسر الروح المعنوية للكوادر.

 

2 أكتوبر 2018: العثور على جثة محمد الشجينة، رئيس جمعية الإصلاح الخيرية في عدن، مذبوحًا بعد اختطافه وتعذيبه، ما يعكس تعمد الجماعات الإرهابية استهداف الشخصيات المؤثرة في المجتمع المدني.

 

5 أكتوبر 2018: اغتيال الصحفي زكي السقلدي في محافظة الضالع، وهو حادث يوضح التهديد المستمر ضد كل من يسعى للتعبير عن قيم الاعتدال.

 

20 أكتوبر 2018: اغتيال القيادي علي عبد الله مقبل في كمين محكم في تعز، ليكون آخر مثال على سلسلة طويلة من الاستهدافات المتعمدة ضد كوادر الإصلاح.

 

 

وتوضح هذه الأمثلة، التي تمثل جزءًا من سلسلة طويلة ومعقدة من العمليات الإرهابية، أن حزب الإصلاح لم يكن طرفًا في العنف بل كان ضحية له، وأن هذه الاستهدافات الإرهابية جاءت بسبب رفض الحزب للعنف والتطرف، واستمراره في الالتزام بالقيم الديمقراطية والسياسية السلمية، وهو ما يجعل تضحيات كوادره وقياداته دليلًا لا يدحض على براءة الحزب من الإرهاب وعلى تمسكه بمنهج الاعتدال، كما يعكس دور الحزب المحوري كطرف فاعل في بناء الأمن والاستقرار الوطني ومواجهة التطرف والإرهاب في اليمن.

 

 

النجاحات والإسهامات العملية للإصلاح في مواجهة الإرهاب

 

يدرك الإصلاح منذ البداية أن مواجهة الإرهاب تحتاج إلى استراتيجية متكاملة تشمل الجوانب الأمنية والفكرية والاجتماعية والسياسية. ويمكن تلخيص أبرز إسهاماته في ثلاثة محاور:

 

1. تقليص نشاط الجماعات الإرهابية: دعم الحملات العسكرية ضد تنظيم القاعدة في المحافظات التي يمتلك فيها حضورًا قويًا.

 

 

2. التعاون الوطني والمجتمعي: دعوة جميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني للعمل المشترك، واعتبار الشراكة الوطنية أساسًا لمواجهة الإرهاب.

 

 

3. العزل الاجتماعي والسياسي للجماعات المتطرفة: إدانة أعمالها العنيفة ونشر قيم الاعتدال والتسامح لمحاربة ثقافة العنف والتطرف والغلو.

 

ختام الموقف

 

موقف الإصلاح من الإرهاب ثابت ومبدئي، يقوم على رفض العنف والالتزام بالعمل السياسي السلمي، وقد تجلى هذا الموقف في تصريحات قياداته، وبياناته الرسمية، وتضامنه مع جهود الدولة، وصمود كوادره رغم الهجمات المتكررة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows