
شهدت الأيام الأخيرة توتراً متصاعداً بين الائتلاف اليميني الذي يقوده بنيامين نتنياهو، وجهاز الشاباك الإسرائيلي بسبب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتطورات المتعلقة به، وقد تُوّج ذلك بتراشق إعلامي حاد بين رئيس الشاباك السابق نداف أرغمان ونتنياهو.
واتهم نتنياهو رئيسَ الشاباك الحالي بشن حملة ضده لمنع اتخاذ “القرارات اللازمة لإصلاح جهاز الشاباك بعد فشله في 7 أكتوبر”، فيما وصف التهديدات العلنية من رئيس الشاباك السابق أرغمان بأنها “إجرامية بأسلوب المافيا”.
متى بدأ التوتر بين الشاباك ونتنياهو؟
لم يكن التراشق بين الشاباك ونتنياهو وليد اللحظة، فقد عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال العامين الماضيين على استبعاد رئيس الشاباك رونين بار من منصبه.
وتتعدد الأسباب وراء تصعيد نتنياهو ضد رئيس الشاباك، إلا أن الحدث المفصلي في تأجيج الخلاف هو هجوم “طوفان الأقصى”، وإصدار جهاز الشاباك وثائق تحذيرية بشأنه، إضافةً إلى موقف بار مع المسؤولين الأمنيين الآخرين فيما يتعلق بمفاوضات الأسرى الإسرائيليين، ومهاجمته لقرار البقاء في محور فيلادلفيا.
وبرز التوتر الأول بين الشاباك ونتنياهو في الأشهر الأولى من عمر الحكومة، في أعقاب التصعيد في الضفة الغربية، حيث حذر بار مما أسماه “الإرهاب اليهودي” في الضفة، واعتبر أن تصرفات إيتمار بن غفير في المسجد الأقصى تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل.

وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حمَّل نتنياهو، عبر تدوينة على منصة (إكس)، الجيشَ والاستخباراتِ الإسرائيليةَ مسؤولية الإخفاق في 7 أكتوبر/تشرين الأول، مشيراً إلى أن تقديرات رئيس مجلس الأمن القومي ورئيس الشاباك كانت أن حماس “ارتدعت ومعنية بالتسوية”.
وأثارت هذه التدوينة، التي كتبها رئيس الوزراء الإسرائيلي في محاولة منه للتنصل من مسؤولية هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، موجةً واسعة من الانتقادات في إسرائيل، ما دفع نتنياهو لاحقاً إلى حذفها والاعتذار.
وخلال عام الحرب، اشتدت الخلافات بين نتنياهو ورئيس الشاباك بسبب موقف الأخير مع المسؤولين الأمنيين الآخرين بشأن مفاوضات الأسرى الإسرائيليين، ومهاجمته لقرار البقاء في محور فيلادلفيا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو يدرس إقالة رئيس الشاباك، بحجة سقوط قنابل مضيئة قرب منزله في قيسارية، مبرراً ذلك بفشل تأمين نتنياهو وعائلته.
وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كشفت صحيفة “هآرتس” عن حملة مارسها مقربون من نتنياهو وعائلته لإقالة رونين بار، بذريعة “الفشل الأمني”، لكن السبب الحقيقي يعود إلى رفض رئيس الشاباك تقديم تقييم يرضي رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن تأجيل تقديم إفادته في محاكمته، التي استؤنفت في ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي فبراير/شباط 2025، قرر نتنياهو استبعاد رئيس الشاباك إلى جانب رئيس الموساد من إدارة المفاوضات الخاصة بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وأسند المهمة إلى وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي يُعتبر من أقرب المقربين لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
ما الذي طرأ مؤخراً؟
لكن حدة التراشق بين الشاباك ونتنياهو تصاعدت مؤخراً على خلفية قضيتين أساسيتين تسببتا في حملة تحريض واسعة من الحكومة وممثليها في الكنيست، عبر منصات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام الموالية لها، ضد رئيس الشاباك، وهما:
- التحقيقات التي نشرها جهاز الشاباك بشأن 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتلميحه إلى مسؤولية نتنياهو عن “رسم سياسة فاشلة على مر السنين”.
- القضية المسماة “قطر جيت”، حيث قررت المستشارة القضائية، بالتعاون مع الشاباك، فتح تحقيق جنائي في تلك القضية بزعم وجود علاقة بين مسؤولين في مكتب نتنياهو مع قطر، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت“.
وفي 4 مارس/آذار 2025، أقر الشاباك بفشله في تقييد قدرات حركة حماس قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وألمح إلى مسؤولية نتنياهو عن “رسم سياسة فاشلة على مر السنين”.
وبعد صدور تحقيق الشاباك، دعا زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد ورئيس حزب “معسكر الدولة” بيني غانتس نتنياهو إلى الاعتذار، مؤكدَين أن الأخير “يحاول إلقاء اللوم على الآخرين”.
لكن مكتب نتنياهو انتقد نتائج التحقيق الذي أجراه الشاباك، وذكرت القناة 13 العبرية أن محيط نتنياهو شن “هجوماً غير مسبوق” على رئيس الشاباك، ونقلت عن مقربين من رئيس الوزراء أن بار فشل كلياً في التعامل مع حركة حماس ومع أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وعرض تحقيقات “لا تجيب عن أي سؤال”.

وقال محلل الشؤون الحزبية في صحيفة “هآرتس”، يوسي فيرتر، إن مكتب نتنياهو أبلغ بار بضرورة استقالته، وألمح إلى أنه سيُطرد من منصبه إذا لم يفعل، ومن بين الذين هددوه أولئك الذين يحقق معهم الشاباك للاشتباه في وجود علاقات غير مشروعة مع قطر.
ووجّه 98 مسؤولاً كبيراً سابقاً في جهاز الشاباك والشرطة والموساد والجيش، رسالة إلى بار، طالبوه فيها بإجراء تحقيق شامل في ما يسمى قضية “قطر جيت”، لأنها تثير مخاوف بشأن المساس بأمن الدولة.
ماذا قال رئيس الشاباك السابق أرغمان؟
وفي خطوة غير مسبوقة، خرج رئيس الشاباك السابق أرغمان، في مقابلة تلفزيونية، مهدداً نتنياهو بالكشف عما رآه وسمعه في جلسات خاصة، إذا شعر بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيتصرف ضد القانون.
كما حذر أرغمان من سعي نتنياهو إلى تعيين شخصية سياسية لرئاسة الشاباك، قائلاً: “إن ذلك قد يؤدي إلى استخدام خطير للقدرات الأمنية”.
وهاجم أرغمان حكومة نتنياهو، قائلاً إنها فشلت في 7 أكتوبر، وفشلت عموماً في الاستراتيجية التي بنتها، ولا يمكن أن تكون هي من تعيّن رئيساً جديداً للشاباك.
كيف رد نتنياهو على هجوم رئيس الشاباك السابق؟
وكتب نتنياهو على حسابه في منصة (إكس): “تم تجاوز خط أحمر خطير آخر في الديمقراطية الإسرائيلية، فلم يحدث قط في تاريخ إسرائيل والديمقراطيات، أن هدد رئيس سابق لجهاز أمني تهديدات ابتزازية ضد رئيس وزراء على الهواء مباشرة”.
وأضاف: “هذه جريمة تضاف إلى حملة كاملة من الابتزاز والتهديد يقودها رئيس الشاباك الحالي”، معتبراً أن “الهدف الوحيد هو منعي من اتخاذ القرارات اللازمة لإصلاح جهاز الشاباك بعد فشله الذريع في 7 أكتوبر”.
وقال إنه يرفض ما وصفها بـ”التهديدات الإجرامية بأسلوب المافيا”، مؤكداً أنه سيفعل كل ما هو ضروري لضمان أمن مواطني إسرائيل.
وفي الجمعة 14 مارس/آذار 2025، قدّم نتنياهو شكوى رسمية إلى الشرطة ضد رئيس الشاباك السابق أرغمان.
جهاز الشاباك يرد على نتنياهو
وبشكل غير معتاد، رد جهاز الأمن العام (الشاباك) على تصريحات نتنياهو قائلاً: “هذا اتهام خطير ضد رئيس منظمة حكومية في دولة إسرائيل”.
وأضاف بيان الشاباك أن رئيس الجهاز، رونين بار، يكرس جل وقته للأمن وإعادة الأسرى والدفاع عن الديمقراطية، على حد وصفه.
وزراء الائتلاف وقادة المعارضة يدخلون على خط المواجهة
وسارع معسكر نتنياهو إلى دعمه، مهاجمين رئيس الشاباك، فيما وجّه قادة المعارضة انتقادات لرئيس الوزراء الإسرائيلي على خلفية تصريحاته.
وكتب وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير على منصته في (إكس): “رئيس الوزراء محق، لا يمكن لرونين بار البقاء في منصبه لدقيقة واحدة أخرى. يجب إقالته”.
فيما كتب وزير التعليم الإسرائيلي يوآف كيش أن “رئيس الشاباك السابق يحاول ابتزاز رئيس الوزراء بالتهديدات، وهذا يحدث فقط في البلدان غير الديمقراطية، ومن الواضح أنه تم إرساله من رئيس الشاباك الحالي، الذي يتعين عليه أن يستقيل”.
وعلّق زعيم المعارضة، يائير لابيد، قائلاً إن تصريحات نتنياهو بشأن رئيس الشاباك “خطيرة وتقوض الجهاز الذي يحافظ على أمن الإسرائيليين”.

أما زعيم حزب “معسكر الدولة”، بيني غانتس، فقد شدد على أن “استهداف جهاز أمني سيادي بدوافع سياسية هو استهداف لأمن الدولة، وهذا ما فعله رئيس الحكومة الليلة”.
وقال رئيس حزب “الديمقراطيون” الإسرائيلي المعارض، يائير غولان، إن “نتنياهو باع أمن إسرائيل من أجل بقائه السياسي، ويرى في كل من يخدم الدولة وليس مصالحه الشخصية عدواً، فرئيسا الشاباك السابق أرغمان، والحالي بار، هما خادمان مخلصان للدولة، كرسا حياتهما لأمن إسرائيل”.
ما أهمية جهاز الشاباك الإسرائيلي؟
يُعتبر جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” أحد الأقسام الثلاثة لأجهزة الأمن الإسرائيلية، وقد تشكلت نواته الأولى من جهاز الاستخبارات الذي كان تابعاً لمنظمة “الهاغاناه” الصهيونية.
وتشمل واجباته:
- مكافحة أنشطة التجسس في إسرائيل.
- الحفاظ على الأمن الشخصي للقادة الإسرائيليين.
- مكافحة أنشطة المنظمات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإحباط الهجمات بمساعدة أجهزة الجيش.
- استجواب المعتقلين المشتبه بهم في “قضايا الإرهاب”.
- الإشراف على أمن المنشآت الاستراتيجية لإسرائيل، بما فيها المرافق السرية والمباني الحكومية والطائرات والمطارات والبعثات الإسرائيلية حول العالم.
- المسؤولية عن تحديد التصنيف الأمني للمناصب والوظائف، وتحديد الملاءمة الأمنية للمرشحين للمناصب في الخدمة العامة وغيرها من الهيئات.
ورغم أن “الشاباك” هو أصغر الأجهزة الاستخباراتية في إسرائيل، فإنه يُعتبر أكثرها حضوراً وتأثيراً في عملية صنع القرار السياسي والعسكري. وكتب ناحوم بارنيع، كبير معلقي صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن رئيس “الشاباك” يُعد “الحاكم الحقيقي للدولة”.
ويعود سبب هذا النفوذ إلى “الإنجازات” التي حققها “الشاباك”، والتي جعلت منه الذراع الاستخباري الأكثر تأثيراً في دائرة صنع القرار، إذ لا يمكن للحكومة الإسرائيلية اتخاذ قرارات تتعلق بالنزاع مع الفلسطينيين دون الحصول على موافقة قيادة “الشاباك”.
كما أن احتكار “الشاباك” للمعلومات الاستخبارية المتعلقة بالفلسطينيين أثّر على قدرة أعضاء الحكومة وبقية الأجهزة الأمنية على تقديم تصورات مغايرة، وهذا الاحتكار ساعد الجهاز الأمني على تضخيم المعلومات من أجل تكثيف عملياته.