
بمجرد وصول وفد تركي رفيع المستوى إلى سوريا يوم الخميس 13 مارس/آذار 2025، ضم وزيري الخارجية هاكان فيدان والدفاع يشار غولر ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير تغريدة مفادها أن دمشق وأنقرة اتفقتا على إطلاق مركز عمليات مشتركة بين البلدين.
الوفد التركي الذي زار دمشق التقى الرئيس السوري بشار الأسد، وناقش معه علاقات البلدين والتطورات في سوريا. وقد استغرق اللقاء بين الطرفين نحو ثلاث ساعات، وكان اللقاء في قصر الشعب في دمشق، وذلك وفق ما نشرت وسائل إعلام تركية.
لكن، وبعد ساعات من مغادرة الوفد التركي سوريا عائدًا إلى أنقرة، انتشرت على تويتر وفيسبوك تغريدات ومنشورات تتضمن الحديث عن اتفاق بين سوريا وتركيا لإنشاء مركز عمليات مشتركة. وقد تداول الكثيرون هذه المنشورات والتغريدات باعتبارها “تفاصيل صحيحة وحقيقية”، وهو ما كان سببًا في تفاعل المئات من النشطاء والمتفاعلين العرب معها.
“عربي بوست” تحقق من صحة هذه المنشورات والتغريدات. في البداية، وجد “عربي بوست” أن مصدر التغريدة شخص اسمه محمد صديق يلدرم، وقد عرّف نفسه على تويتر بأنه باحث تركي ومهتم بالشأن العربي، ولديه أكثر من خمسين ألف متابع على تويتر.
وبفحص حساب “محمد صديق يلدرم”، اكتشف “عربي بوست” أن هذا الباحث الذي يعرّف نفسه على أنه باحث تركي مهتم بالشأن العربي، نشر بعض التغريدات الأخرى التي تأكدنا منها أنها غير صحيحة أيضًا، وذلك في تغريدات على حسابه في تويتر.
من ضمن هذه التغريدات التي نشرها ولاقت تفاعلًا كبيرًا، أنه: “تم تخصيص القاعدة العسكرية السورية في تل رفعت لتركيا”. وبعد الفحص والتحليل، وجد “عربي بوست” أن التغريدة ليست صحيحة.
وبالعودة إلى الادعاء الخاص بإنشاء مركز عمليات مشتركة بين تركيا وسوريا، فقد تناقل نشطاء كُثر على مواقع التواصل الاجتماعي نفس تغريدة محمد صديق يلدرم، ما ساعد على انتشارها على نطاق واسع في تويتر وفيسبوك، كما هو موضح في الصور التالية:
التغريدة الأولى:
التغريدة الثانية:
التغريدة الثالثة:
التغريدة الرابعة:
التغريدة الخامسة:
التحقق من صحة الادعاء
أراد موقع “عربي بوست” التأكد من صحة هذا الادعاء، فاعتمد على مسارات منها البحث بالكلمات المفتاحية في جوجل، وكذلك مصدر التغريدات والمسؤول عن نشرها، بالإضافة إلى التواصل مع الحكومة السورية لسؤالهم حول مخرجات لقاء الرئيس السوري بشار الأسد بالوفد التركي، وما إذا اتفقوا على تشكيل لجنة للعمليات المشتركة في هذا اللقاء أم لا، أو حتى في لقاء سابق.
في البداية، فحص “عربي بوست” وكالة الأنباء الرسمية التركية الناطقة بالعربية، الأناضول، وكذلك موقع “تي آر تي العربي”، بالإضافة إلى منصات تركية ناطقة بالتركية للوصول إلى أي تفاصيل تخص هذه الشائعة، لكن دون أي جدوى على الإطلاق.
كذلك، فحص “عربي بوست” كل المنصات الرسمية للدولة السورية، سواء حساب الرئاسة السورية أو وزير الخارجية أو حتى حساب أنس خطاب رئيس جهاز الاستخبارات السورية، وغيرها من المنصات القريبة من الحكومة السورية، فلم يعثر “عربي بوست” على أي شيء يخص هذا الادعاء.
بالإضافة إلى ذلك، بحث “عربي بوست” على جوجل ومنصات بحث أخرى مستخدمًا كل الكلمات المفتاحية المتاحة والمناسبة والتي تخص موضوع الادعاء، ولكن لم يصل “عربي بوست” إلى أي نتائج تثبت صحة هذه الإشاعة بشكل قاطع.
فضلاً عن ذلك، رصد “عربي بوست” التغريدات التي تناولت هذه الإشاعة والترويج لها بشكل كبير في تويتر، ووجد أنها كانت متزامنة وفي وقت واحد، وتنوع الأشخاص الذين نشروها ما بين سوريين كثر وأتراك. لكن اللافت للنظر أن الحسابات التي كانت تقدّم نفسها على أنها شخصيات تركية، سواء كانوا صحفيين أو باحثين، كانت حساباتهم باللغة العربية ونشروا هذا الادعاء باللغة العربية.
لجنة تخص داعش
لكن وبالتزامن مع انتشار شائعة إنشاء مركز عمليات مشترك بين تركيا وسوريا، كان هناك بالتوازي حديث حول إطلاق مركز عمليات مشترك بين سوريا ودول الجوار ولكن من أجل مواجهة داعش.
وقد احتضنت الأردن المؤتمر، وحضره كل من تركيا والعراق وسوريا ولبنان، وكان الحضور متمثلاً في وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء هيئات الأركان ومديرو أجهزة المخابرات.
هذا الاجتماع الذي تم قبل أيام اتفق الحضور فيه على إطلاق مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون في مكافحة تنظيم الدولة المعروف باسم داعش، لدعم الجهود ومنابر العمل الإقليمية والدولية القائمة؛ وبما يؤدي إلى القضاء على هذا التنظيم وما يمثله من خطر على أمن سوريا والمنطقة والعالم.
ولكن بطبيعة الحال، فهذا المركز المتفق على إنشائه من خمس دول من بينها سوريا وتركيا، لا علاقة له بما أُشيع عن إطلاق مركز عمليات مشتركة بين تركيا وسوريا على إثر زيارة وفد تركي رفيع إلى سوريا ولقائه بالمسؤولين.
رد الحكومة السورية
أراد “عربي بوست” التوثق أيضًا من الحكومة السورية حول صحة الادعاء، وتواصل مع مسؤول في وزارة الإعلام السورية في دمشق، والذي بدوره قال لـ”عربي بوست” إن النقاشات التي تشهدها كل من سوريا وتركيا حول إطلاق مركز عمليات عسكرية مشترك بين البلدين، ما زالت مستمرة منذ أسابيع، بعيد فرار بشار الأسد وسقوط نظامه في سوريا.
وقال المسؤول السوري الذي يعمل في وزارة الإعلام إن إطلاق مركز عمليات عسكرية مشترك بين تركيا وسوريا لم يتم النقاش حوله في زيارة وفد تركيا إلى سوريا ولقائه ببشار الأسد، مشددًا على أنه لا يوجد قرار سوري بهذا الأمر حتى الآن.