
بقلم / صالح يوسف
في مثل هذا اليوم، الرابع عشر من أكتوبر عام 1963، انطلقت شرارة ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة من جبال ردفان الشماء، بقيادة الشهيد المناضل راجح بن غالب لبوزة ورفاقه الأحرار، لتعلن بداية مرحلة جديدة من الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدور أبناء الجنوب لأكثر من 129 عامًا.
جاءت هذه الثورة تتويجًا لمسيرة طويلة من النضال الوطني والوعي المتنامي بالحقوق والكرامة والسيادة، وقد عبّرت عن إرادة شعبية جامعة تطلّعت إلى الخلاص من الاستعمار وبناء وطنٍ حرٍ مستقل. وقد توحدت خلالها جهود أبناء الجنوب من مختلف المحافظات والمكونات، متجاوزين الانتماءات المناطقية والفكرية، لتشكل ثورة أكتوبر لوحة وطنية ناصعة جسدت معاني الصمود والتلاحم.
ولم تكن ثورة أكتوبر حدثًا منفصلًا، بل جاءت في امتداد طبيعي لثورة السادس والعشرين من سبتمبر شمالًا، والتي أطلقت شرارة الحرية من صنعاء في وجه الحكم الإمامي البائد، ليلتقي المساران الثوريان في هدف واحد: استعادة الإنسان اليمني لكرامته، واستقلال قراره، وتحرير ترابه الوطني من الظلم والوصاية.
وفي ظل هذه المناسبة الخالدة، تتجدد اليوم مشاعر الفخر والاعتزاز بتضحيات أبطال الثورة الأوائل، الذين حملوا أرواحهم على أكفّهم دفاعًا عن الكرامة الوطنية، وكتبوا بدمائهم أنشودة الحرية التي لا تزال تتردد في أذهان الأجيال.
إنّ ذكرى 14 أكتوبر لا تقتصر على استحضار الماضي، بل تحمل دعوة صادقة للتأمل في الحاضر واستشراف المستقبل. فكما تصدى اليمنيون بالأمس للاستعمار العسكري المباشر، فإنّ واقع اليوم يتطلب وعيًا مماثلًا وإرادة موحّدة لمواجهة التحديات الراهنة، وفي مقدّمتها التهديدات التي تستهدف هوية الدولة اليمنية وقرارها الوطني المستقل.
لقد أفرزت السنوات الأخيرة واقعًا معقدًا تمثل فيه الجماعة الحوثية امتدادًا لمشروع خارجي يسعى لفرض الهيمنة الفكرية والطائفية والسياسية، وهو ما يتعارض مع كل ما نادت به ثورتا سبتمبر وأكتوبر من حرية وعدالة ومواطنة متساوية.
وإزاء هذا الواقع، فإن إحياء هذه الذكرى العزيزة يجب أن يتحول إلى مناسبة وطنية جامعة لإعلاء صوت العقل ووحدة الصف، والتأكيد على ضرورة تجاوز الانقسامات الضيقة، والاصطفاف خلف مشروع وطني جامع يُخرج اليمن من أزماته، ويحفظ وحدته، ويعيد إليه استقراره ومكانته المستحقة.
إنّ السير على درب الأبطال الذين فجّروا الثورة يتطلب منا اليوم أن نحافظ على روحهم الوحدوية، وأن نستلهم منهم قيم الفداء والإخلاص، ونضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. كما تحثّنا هذه الذكرى على استحضار مبادئ الثورة في بناء دولة مؤسسات، يسود فيها القانون، وتتسع للجميع دون إقصاء أو تهميش.
وفي خضم ما يواجهه الوطن من تحديات، تظل ثورة 14 أكتوبر رمزًا خالدًا للإرادة اليمنية التي لا تنكسر، ودليلًا على أن النصر يصنعه الإيمان العميق بالحرية، والإصرار على المضي قدمًا في درب التحرير والبناء.
Related News
