14اكتوبر، أسطورة نضال عابر للحدود - موسى المقطري
Party
2 days ago
share

ونحن نعيش حالة الزخم الثوري لزاماً علينا أن نتذكر أن ثورة الرابع عشر من أكتوبر ليس حدثاً عسكرياً فحسب، بل كانت ثورة وعي في المقام الأول، أعادت تعريف مفهوم "الحرية" في الوجدان اليمني، فبعد عقود من السيطرة الاستعمارية التي حاولت إعادة تشكيل الهوية وفق معايير المستعمر، وتشتيت وتفريق اليمنيين بحدود مصطنعة تشارك المستعمر في الجنوب والنظام الامامي الكهنوتي في الشمال بصناعتها وقعوا اتفاقاً لرسمها، فجاءت هذه الثورة المباركة لتعيد صياغة الذات الوطنية من جديد، وتقلب الطاولة على الجميع، وتؤكد أن الانتماء لا يُقاس بالجغرافيا بل بالموقف، وأن الإرادة الجمعية قادرة على كسر إرادة القوة مهما بلغت سطوتها، واستطاع المقاتل البسيط في ردفان أن يعيد تعريف معادلة القوة، فحول بندقيته القديمة إلى رمز لهزيمة الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس.

إن انطلاق الشرارة الأكتوبرية لا يعد مجرد رد فعل على احتلال قائم، بل كانت نتيجةً لنضج سياسي وشعوري راكمته عقود من الظلم، وأخرى من المقاومة مختلفة الوسائل، وتحوّل هذا الوعي الجمعي من صمت متوجس إلى فعل ثوري منظم نضج في المقاهي والمدارس والمنتديات والشوارع، وأما فكرة الحرية فكان يتم تداولها همساً بين المثقفين والعمال والطلبة رجالاً ونساء، ثم تحولت في 14اكتوبر إلى صرخة مسموعة تزلزل أركان المستعمر وتضع حداً لمشروعه، وتوجت برحيله في 30نوفمبر 1967.

تمثل ثورة الرابع عشر من اكتوبر 1963م نقطة التقاء محورية في السردية النضالية اليمنية تجسد حالة من الوعي العميق بـ "رفض التبعية" و"النفور من الاستبداد"، وتأصيل للروح الثورية المستلهمة من الذات اليمنية، والتي تعكس إرادة جمعية للتحرر المطلق من أي استبداد سواءً جاء من المحتل الخارجي او الكهنوت الداخلي، وقد تجسدت هذه الإرادة في تضحيات عابرة للكيانات الجغرافية المصطنعة أفضت لامتزاج الدماء بين شطري اليمن، فتشكل عقد تاريخي اجتماعي يضع مسؤولية تحرير الأرض والدفاع عنها كـفرض عين تاريخي يتجاوز محددات الميلاد والتقسيمات التي فرضتها مراحل الصراع والشتات.

تؤكد لنا ثورة 14 أكتوبر أن المشاريع الاستعمارية الدخيلة مهما تنوعت أساليبها وحاولت الظهور بألوان زاهية لا يمكن أن تكتسب شرعية في الأوطان الحرة، فالسيادة الوطنية الشاملة والتحرر من التحكم الخارجي يمثلان الهدف الأسمى لكل يمني حر، ومن الحكمة  استلهام روح التلاحم العابر للحدود المصطنعة في مواجهة التحديات الراهنة، والتحول إلى خطاب وطني جامع بدلاً من التعمق في حالة التشرذم الذي يخدم أجندة الاستعماريين الجدد، ويتيح اعادة اصطناع أنظمة استبدادية مرتهنة لمشاريع خارجية.

أعظم ما في أكتوبر ليس انتصارها العسكري فحسب، بل ما خلفته من وعي جمعي عابر للأزمنة، فالأجيال التي لم تشهد المعارك باتت تحمل في ذاكرتها الجمعية معنى المقاومة كمكون أصيل من الهوية اليمنية، ولعل هذا المعنى هو ما تحتاجه البلاد اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ظل واقع يحاول إعادة إنتاج أدوات الكهنوتية الإمامية والهيمنة الخارجية بأسماء جديدة وشعارات مموهة.

دمتم سالمين.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows