بين نفي الدعم السريع والجيش: أبرز ادعاءات التنصّل من تهمة قتل المدنيين في السودان 
Facts
3 days ago
share


(دارفور – الخرطوم)

منة عبد الرازق – صحفية ومدققة معلومات – مصر

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 23 نيسان/أبريل 2025، لا يزال المدنيون هم من يدفعون الثمن في السودان. فبين القتل والتشريد والنزوح الجماعي، يتبادل طرفا الحرب الاتهامات وينفي كل منهما مسؤوليته عن قتل المدنيين.

وبحسب مشروع بيانات أحداث الصراع المسلح (ACLED)، فقد تم تسجيل نحو 28 ألفاً و608 حالات لأشخاص قتلوا جراء المعارك والانفجارات وأعمال العنف ضد المدنيين، بمن في ذلك أكثر من سبعة آلاف و500 مدني قُتلوا في هجمات مباشرة حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2024، يُرجَّح أن هذه الأرقام لا تعكس العدد الحقيقي للضحايا؛ إذ يُعتقد أن الحصيلة الفعلية أعلى من ذلك.

في هذا التقرير، نستعرض أبرز الادعاءات التي تبادل فيها طرفا الحرب في السودان الرفض بشكل صريح اتهامات قتل مدنيين، خلال عملياتهما العسكريّة في دارفور والخرطوم خلال عام 2025.


قتل المدنيين في مخيم زمزم “محض ادعاءات”

في 13 نيسان/أبريل 2025، أصدرت قوات الدعم السريع بياناً عبر قناتها الرسمية في “تيلغرام“، تنفي فيه استهدافها للمدنيين داخل مخيم زمزم -جنوب شرق مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور- كما ترفض ما وصفته بـ”الادعاءات الكاذبة”.

بين 10 و22 نيسان/أبريل 2025، تعرضت المنطقة المحيطة بالفاشر وزمزم لقصف مدفعي من الدعم السريع، وضربات بطائرات من دون طيار؛ ما أسفر عن مقتل مئات المدنيين، من بينهم ما لا يقل عن 12 من العاملين في المجال الإنساني، إضافة إلى موجة نزوح غير مسبوقة، وفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسیق الشؤون الإنسانية الصادر في الشهر ذاته.

يُظهر تحليلنا لبيانات خرائط ناسا الحرارية، بين 11 و13 نيسان/أبريل 2025، ظهور حرائق نشطة واسعة النطاق في مخيم زمزم. وقد تركزت عمليات الكشف عن الحرائق في مناطق منها سوق المخيم والطريق الرئيسي، ما يؤكد ما ورد في تقرير الأمم المتحدة وتقرير مختبر جامعة ييل.


خرائط ناسا الحرارية لجهاز قياس الإشعاع بالأشعة تحت الحمراء المرئية (VIIRS) التي أطلعنا عليها خلال 11 و12 و13 نيسان/أبريل 2025


بالبحث في عدة قنوات مؤيدة للدعم السريع، وجدنا قناة على تيلغرام باسم “أشاوس الدعم السريع الآن”، نشرت مقطعاً بتاريخ 11 نيسان/أبريل، لعشر جثث بملابس مدنية ملقاة على الأرض، ويظهر في الفيديو مسلح يرتدي زي الدعم السريع يحتفل بجانبها.

عبر تحليل المقطع والبحث عن الناشر الأول له، لم نجد أي تداول أقدم له، ما يدعم أنه نشر لأول مرة بالفعل في التاريخ السالف ذكره.


لقطة من خرائط جوجل وثقناها عند إحداثيات 13.4821, 25.3080 الموقع الجغرافي لواقعة مقتل عشرة مدنيين على يد قوات الدعم السريع.  (المصدر جوجل إيرث)


ووثق مركز صمود المعلومات -المتخصص في كشف جرائم الحرب- عدة مقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر قوات الدعم السريع وهي تقتل مدنيين في مخيم زمزم خلال اقتحامها له، من ضمنها الفيديو السابق الذي حدد مكانه، وهو بالفعل في معسكر زمزم. 

ويوثق مرصد شمال دارفور لحقوق الإنسان مقطعاً من معسكر زمزم بالفترة ذاتها، لمقتل تسعة أطباء من الكوادر الطبية العاملة، كما وثق في هذا الفيديو هروب مئات السودانيين من معسكر زمزم بعد مقتل ما لا يقل عن 129 مدنياً في 12 نيسان/أبريل 2025؛ أي الفترة التي سيطرت فيها قوات الدعم السريع على المنطقة، ما يدعم الأدلة التي ترجّح أنها الجهة المتهمة بقتل المدنيين وعدم صحة نفيها لذلك. 


“يعدّ مخيما زمزم وأبو شوك من أكبر مخيمات النازحين في دارفور، حيث يؤويان أكثر من 700 ألف شخص فروا من دورات العنف المتكررة على مر السنين. وهذه العائلات -التي نزح العديد منها بالفعل عدة مرات- تجد نفسها مجدداً عالقة في مرمى النيران، من دون أي مكان آمن تلجأ إليه.

المسؤولة الأممية، السيدة كليمنتاين نكويتا-سلامي 


مخيم أبو شوك تحت نيران الدعم السريع

نفت قوات الدعم السريع في بيان، يوم 14 آب/أغسطس 2025، بعد صدور عدة تقارير توجه الاتهامات لها، وقالت: “تابعت قوات الدعم السريع، باهتمام بالغ، المزاعم التي ترددت بشأن استهداف المدنيين في مدينة الفاشر، وتؤكد -على نحوٍ قاطع- أن هذه الادعاءات لا تستند إلى أي أساس من الصحة”. 

بتتبع صحة الادعاء، وجدنا أنه في 11 و12 آب/أغسطس أعلنت صفحة “غرفة طوارئ معسكر أبو شوك” المستقلة عن مقتل 35 سودانياً مدنياً، وإصابة أربعة وفقدان ستة، مع ذكر أسمائهم، على يد الدعم السريع في مخيم أبو شوك للنازحين الواقع على أطراف مدينة الفاشر.

ووثقت مؤسسة مراقبي حرب السودان وغرفة طوارئ مخيم أبو شوك، أن من بين القتلى الشيخ محمد سليمان يعقوب، إمام مسجد سوق نيفاشا، والدومة محمد أحمد، وهو مُعلّم بالمخيم. 

وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطها فريق مختبر ييل للبحوث الإنسانية في 11 آب/أغسطس 2025، وجود أكثر من 40 مركبة داخل مخيم أبو شوك للنازحين.

بتحليل مواقع المركبات، قيّم فريق المختبر أنها تؤكد التقارير الميدانية التي تُفيد بأن المركبات هاجمت مخيم أبو شوك من الشمال، متجهةً جنوباً نحو المخيم، حيث وقعت مجزرة ضحاياها مدنيون.


صور الأقمار الصناعية المُلتقطة في 11 آب/أغسطس 2025، تظهر وجود أكثر من 40 مركبة داخل مخيم أبو شوك للنازحين



صور الأقمار الصناعية المُلتقطة في 11 آب/أغسطس 2025، تظهر وجود أكثر من 40 مركبة داخل مخيم أبو شوك للنازحين


وحدد المختبر أدلة على ارتفاع كبير في الوفيات، استناداً إلى نشاطات الدفن في مقابر المدنيين، فيوجد ما لا يقل عن 349 مدفناً فردياً جديداً في هذه المقابر بين 9 أيار/مايو و5 آب/أغسطس 2025.


صور الأقمار الصناعية للمقابر المدفون فيها المدنيون، والتي التقطها فريق مختبر ييل للبحوث الإنسانية (المصدر: Maxar)


وأدانت الأمم المتحدة الواقعة، وقالت إن أطراف النزاع لديها التزامات واضحة بموجب القانون الإنساني الدولي تفرض عليها حماية المدنيين، وتحظر الهجمات المتعمدة ضدهم بشكل صارم.


مدنيون في قبضة الجيش السوداني والقوات الموالية

في آذار/مارس الماضي (2025)، استحوذ الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم مرة أخرى، لكن سرعان ما تحوّل هذا التقدم العسكري إلى مأساة، مع تزايد حالات قتل مدنيين -يشتبه في تعاونهم مع الدعم السريع- خارج نطاق القانون على يد الجيش في الأشهر التالية، وفقاً للأمم المتحدة.

وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، إنه في بعض لقطات الفيديو التي انتشرت في آذار/مارس 2025 لإعدام مدنيين في الخرطوم، كان الجناة يقولون “إنهم يعاقبون أنصار قوات الدعم السريع”. 

وفي أكثر من مناسبة، رفض مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة بجنيف، السفير حسن حامد، مزاعم الإعدامات التعسفية عقب تحرير الخرطوم، واصفاً الاتهامات الموجهة للجيش في بيان المفوض السامي لحقوق الإنسان، بـ”المزاعم الباطلة”، قائلاً: “نرفض إيراد مثل هذه الاتهامات استناداً إلى مصادر مجهولة ومعلومات مستقاة من الناشطين والمنظمات والكيانات الموالية للميليشيا المتمردة”.

رداً على هذه المزاعم، وثقت شبكة دارفور لحقوق الإنسان المستقلة لقطات مصورة، وتقارير شهود عيان، تؤكد وجود عمليات قتل للمدنيين خارج نطاق القضاء، وبشكل موسع في الخرطوم، بعد استعادتها من قبل القوات المسلحة السودانية في 2 نيسان/أبريل 2025.

ووصف شاهد عيان، لشبكة دارفور ما حدث في حي شمبات بالخرطوم قائلاً: “كانت هناك جثث في الشوارع. بعض الضحايا كانوا مقيدي الأيدي”.

راجعت الشبكة مقاطع فيديو متعددة، تُظهر جنوداً بزيهم العسكري يطلقون النار على مدنيين عُزّل، بمن فيهم أفراد بدا أنهم مُحتجزون أو مُقيّدون، وتُظهر لقطات أخرى مدنيين يتعرضون للضرب.

في 31 آذار/مارس، وثقت مجموعة محامو الطوارئ -وهي مجموعة مستقلة توثق انتهاكات طرفي الحرب- مقاطع فيديو لتصفيات ميدانية نفذها أفراد من الجيش السوداني، إلى جانب المجموعات الموالية له، بحق أسرى ومدنيين في عدد من أحياء الخرطوم وجبل أولياء. 

حلّلنا بدورنا عدداً من مقاطع الفيديو، التي تُظهر عمليات قتل ميدانية للمدنيين في الخرطوم. في أحد المقاطع، يظهر رجل يُقتل رمياً بالرصاص؛ وبالتحقق من أثر النشر، لم نجد أي تاريخ أقدم للنشر، ما يُرجح أن المقطع التُقط أو نُشر لأول مرة في 29 آذار/مارس 2025. يُلاحظ أن الشخص الذي أطلق النار يرتدي زيّ الجيش السوداني الرسمي، ويقول قبل إطلاق النار: “ثأراً للشهيد محمد يوسف عبد الله”.



وفي مقطع ثانٍ، يظهر رجل في زي يُرجح أنه للجيش السوداني، يطلق النار على أحد المدنيين، وسط صراخ المارة، ويظهر في الصورة اسم “كافيه ومحمصة” تسمى “مينا”. ومن خلال البحث على خرائط جوجل، تمكنا من توثيق إحداثيات المقطع في العاصمة الخرطوم، ما يؤكد تورط الجيش السوداني في قتل المدنيين واستهدافهم بشكل مباشر.

وفقاً للصفحة الرسمية للقوات المسلحة السودانية، فإن الزي الرسمي للجيش هو اللون الأخضر الغامق والبيج والبني الفاتح والغامق. بينما زي قوات الدعم السريع يغلب عليه اللون البيج مع خطوط بنية. 


صورة الأقمار الصناعية لتوثيق إحداثيات الفيديو عند محمصة مينا في الخرطوم – السودان 
المصدر: خرائط جوجل 


لقطة  في الفيديو توضح أحد الجنود وهو يرتدي زي يشبه ملابس الجيش السوداني


لقطة للافتة كافيه ومحمصة “مينا”


لقطة  في الفيديو توضح أحد الجنود وهو يرتدي زي يشبه ملابس الجيش السوداني


وذكر تقرير أممي، صدر خلال النصف الأول من عام 2025، أن ما لا يقل عن 990 مدنياً قتلوا في عمليات من دون محاكمة في النصف الأول من العام، مع تضاعف العدد ثلاث مرات بين شباط/فبراير ونيسان/أبريل.

وقال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، جيريمي لورانس: “قال أحد الشهود، الذي راقب عمليات التفتيش التي نفذتها القوات المسلحة السودانية في الأحياء المدنية في شرق النيل بالخرطوم بين شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل، إنه رأى أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 14 أو 15 عاماً يُقتلون من دون محاكمة متهمين بأنهم أعضاء في قوات الدعم السريع”.


أنجز هذا التقرير ضمن مشروعات تخرج “دبلوم أريج لتدقيق المعلومات 2025” للشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN). 


Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows