
انهد عرش الإمامة المتوكلية في صنعاء بثورة 26 سبتمبر 1962م. و منذ الخطوات الأولى لترتيب أمور العهد الجمهوري كان الجنوب اليمني حاضرا بتعيين المناضل قحطان محمد الشعبي مستشارا للرئيس عبدالله السلال لشؤون الجنوب.
كان ذلك قرارا طبيعيا،و نتيجة حتمية،وترجمة عملية لأول هدف من أهداف الثورة اليمنية الذي يؤكد على : التحرر من الاستـــبداد و الاستــعمار و مخلفاتهما .. الخ ، كما كان إحدى خطوتين تم اتخاذهما على الفور؛ هما هذا القرار الرسمي، و أما الخطوة الأخرى فكان قرار تلك المجاميع التي هبت من المدن و المناطق الجنوبية و التوجه إلى صنعاء بالآلاف للدفاع عن الثورة و الجمهورية.
هاتان الخطوتان الرسمية، و الشعبية انبثقت عنهما المطالبة بتحرير الجنوب اليمني المحتل، و كان أول لقاء ضم حوالي ألف شخصية من مناطق الجنوب تلتقي السلال لدعم ثورة ضد الاستعمار البريطاني، و كان أن عاد من صنعاء غالب بن راجح لبوزة بعد أن أمضى عاما مع مجاميع معه في مطاردة فلول الإمامة، و الدفاع عن الثورة و الجمهورية.
و حين عودته مع من معه سارع الاستعمار البريطاني في عدن بطلبه و من معه لتسليم أسلحتهم التي نزلوا بها من الشمال اليمني.
رفض لبوزة و من معه تسليم أسلحتهم، فوجه المستعمر وحدة من جـنوده مدججين بالســــــلاح، ترافقهم دبابــــــات ، و طائرات، و قامت معركة ضارية في يوم 14 من شهر أكتوبر من العام 1963م. لتتخذ الجبهة القومية قرار إعلان الكفاح المسلح ضد الإنجليز.
لم تكن عدن مستعمرة خارج حسابات المستعمر البريطاني، بل كانت تمثل قاعدة من أهم مستعمراتها ، إضافة إلى كون عدن ثاني أهم ميـــــناء عالمي ؛ لما يتمتع به من مواصفــات، و موقع استراتيجي، و قربه من خطوط الملاحة الدولية.
لا أحد يجهل موقع عدن الاستراتيجي كميناء ، و لا أحد يجهل ــ اليوم ــ أهمية أن تستعيد عدن دورها المتميز كعاصمة و ميناء يعود خيره للبلاد.
كما لم تكن صنعاء صبيحة السادس و العشرين من سبتمبر 1962 م. معزولة عن مدن و محافظات ، و كل مناطق اليمن الطبيعية التي هبت نحوها بشبابها و رجاله؛ كذلك لم تكن عدن معزولة عن باقي مدن، و مناطق، و محافظات اليمن التي هب أبناؤها للمشاركة الفاعلة و انخراطهم في الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني.
برزت الخطوة الأولى لثورة أكتوبر في صنعاء، مع و عد بدعم الثورة، و تولت تعــــــز التأهيل و التدريب، و أن تكون القاعدة لثورة الكفاح المسلح؛ ثورة 14 اكتوبر، كما كان شأن البيضاء و سائر المدن و المناطق المتاخمة للمناطق الجنوبة التي ضرب الاستعمار و الإمامة حدودا مصطنعة بينها.
غير أن دور تعـــــــز كان أكثر تمـــيزا في أن تكون المنطـلق و القاعدة للعمل السياسي و العسكري ، و الإعلامي في ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 و ذلك لعدة أسباب معروفة.
كانت ثورة السادس و العشرين من سبتمبر 1962 مقدمة لا بد منها لقيام ثورة 14 أكتوبر، و العكس صحيح فيما لو أن ثورة أكتوبر سبقت في قيامها.
لقد كان الشعور الوطني جياشا على امتداد الوطن اليمني تجاه واجب إسقاط الحكم السلالي لبيت حميد الدن، و كذلك لطرد المستعمر البريطاني من أرض الجنوب اليمني المحتل.
هذا الشعور الوطني الجياش أحوج ما تكون له اليمن في أن يتَوهّج هذه الأيا، و بنفس تلك الروح التي أبرزته الثوة اليمنية سبتمبر و أكتوبر، حيث كان فطريا نقيا، لا تكاد تشوبه حسابات صغيرة، و لا أغراض ضيقة.
كانت البطولة المرموقة، و المواقف الماجدة في أن يتوجه الفعل نحو العدو المستعمر، و نحو الفلول الملكية للإمامة، ذلك أن من يبحث عن بطولات مصطنعة، أو زعامات سهلة، فإنها لا تعدو أن تكون قنبلة دخانية تتلاشى ؛ لأنها تذوب و تنتهي بجوار هدير الفعل القوي الصادق ، و هنا بدلا من أن يركب أصحاب البطولات المصطنعة سفينة الفعل الوطني، يذهبون مناكفة، و غيظا للتشهير بسير السفينة و ركبها المناضل.
إننا نعيش مرحلة من أخطــر مراحل الثورة اليمنية سبتمبر و أكتوبر ، و إن رايتها اليوم منتصبة خفاقة تدعو كل الأحرار للالتفاف حولها كما بدأ اليمنيون أول ثورة يشعلونها؛ فأعطت ثمارها، و حققت أهدافها.
و اليوم تنادي راية الثورة اليمنية سبتمبر و أكتوبر للالتفاف من جديد بنفس القوة و الصدق، و سيذهب الزبَد، و سيبقى ما ينفع الناس، و حينئذ لا عزاء لذوي الأغراض السفلى.