
بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتدخّل "رسمياً" في الحريات الأكاديمية وبتعديل مناهج الجامعات الأميركية من خلال استخدام سلاح التمويل الفيدرالي. وقد كشف مستند رسمي أنّ جامعة كولومبيا الأميركية بمدينة نيويورك أصدرت عقوبات تأديبية، يوم أمس الخميس، بحقّ طلاب شاركوا في تظاهرات "من أجل غزة" في قاعة هاملتون بالحرم الجامعي في ربيع العام الدراسي الماضي 2023-2024، على خلفية الحرب الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني المحاصر. وأتى ذلك بعد ساعات من إبلاغ فرقة عمل مكافحة معاداة السامية المشكّلة من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنّ الخطوات الواجب اتّخاذها فوراً من قبل الجامعة تُعَدّ "شرطاً مسبقاً للمفاوضات الرسمية بشأن استمرار العلاقة المالية التي تجمع جامعة كولومبيا بحكومة الولايات المتحدة الأميركية". ووفقاً لمذكّرة إدارة ترامب، يجب أن تكون العقوبات "الإيقاف عن الدراسة لسنوات طويلة والطرد نهائياً"، الأمر الذي جرى بالفعل، وقد أضافت إليه الجامعة سحب الدرجات العلمية مؤقتاً بوصف ذلك حلاً لهؤلاء الذين تخرّجوا بالفعل.
وأرسلت فرقة العمل الفيدرالية لمكافحة معاداة السامية، التي شكلتها وزارة العدل الأميركية بموجب أمر تنفيذي أصدره ترامب لتعزيز مكافحة معاداة السامية والتي تحقّق مع جامعة كولومبيا في مزاعم التضييق على الطلاب اليهود، خطاباً رسمياً إلى إدارة الجامعة صباح أمس الخميس، نصّ على "وجوب" أن "تستكمل الجامعة الإجراءات التأديبية الخاصة بـ(أحداث) قاعة هاملتون، من خلال التأديب الجاد بالطرد أو الإيقاف (عن الدراسة) لسنوات عدّة". وبعد ساعات معدودة على هذا الطلب، استجابت إدارة جامعة كولومبيا بالفعل. يُذكر أنّ وزارات العدل والتعليم والصحة بالإضافة إلى إدارة الخدمات العامة أعلنت، في الأسبوع الماضي مراجعة شاملة لأكثر من خمسة مليارات دولار من التمويل الفيدرالي المخصّص لجامعة كولومبيا.
وتحقّق فرقة العمل الفيدرالية المذكورة، المؤلفة من مسؤولين في وزارات العدل والتعليم والصحة وإدارة الخدمات الحكومية وكذلك من جامعة كولومبيا وتسع جامعات أخرى، بزعم الفشل في "مكافحة السامية". وقد أظهرت صيغة الخطاب أنّ ثمّة جلسات مسبقة وأنّ إدارة الجامعة طلبت من فرقة العمل الفيدرالية الخطوات الواجب اتّخاذها من أجل إعادة التمويل لها. وتُظهر هذه الإجراءات أنّ ما طُبّق على جامعة كولومبيا سوف يُطبَّق على جامعات أخرى، فيما تزور فرق العمل الفيدرالية جامعة كولومبيا وكذلك جامعات جورج واشنطن، وهارفارد، وجونز هوبكنز، ونيويورك، ونورث وسترن، وكاليفورنيا في لوس أنجليس، وكاليفورنيا بيركلي، ومينيسوتا، وجنوب كاليفورنيا.
وكان مئات الطلاب قد أغلقوا، في إبريل/ نيسان 2024، مداخل قاعة هاملتون في حرم جامعة كولومبيا فيما العشرات في داخلها، احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمرّ للشهر السادس حينها، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأعادوا تسمية القاعة رافعين لافتة "قاعة هند"، في إشارة إلى الطفلة الفلسطينية هند رجب التي استشهدت بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي التي استهدفت سيارة العائلة في حيّ تلّ الهوى بمدينة غزة شمالي القطاع في يناير/ كانون الثاني 2024. وأعلنت جامعة كولومبيا في مايو/ أيار 2024 أنّ 44 شخصاً اعتُقلوا في قاعة هاملتون، من بينهم 13 شخصاً من خارج الجامعة وستّة طلاب من جامعات أخرى، و23 طالباً في جامعة كولومبيا، من بينهم تسعة من طلاب الدراسات العليا، إلى جانب موظّفَين اثنَين.
وحدّد فريق العمل الفيدرالي الخطوات الواجب على الجامعات الأميركية تنفيذها للحصول على تمويل الحكومة الأميركية التي أوقفت 400 مليون دولار من التمويل الفيدرالي المخصّص لجامعة كولومبيا. وتتضمّن الخطوات بدايةً اتّخاذ إجراءات تأديبية بحقّ الطلاب الذين تظاهروا في العام الماضي، الأمر الذي جرى بالفعل، وأن تكون سلطة الإجراءات التأديبية "مركزية" في يد رئيس الجامعة، مع منحه صلاحية تعليق دراسة الطلاب أو طردهم من خلال إجراءات استئناف عبر مكتبه مباشرة. وهدّدت إدارة ترامب بأنّ هذه الخطوات المطلوبة فوراً هي الشرط المسبق الذي يحكم المفاوضات المتعلقة بالعلاقة المالية ما بين جامعة كولومبيا وحكومة واشنطن.
وتضمّنت الإجراءات المحدّدة من قبل إدارة ترامب "حظر وضع الكمامات الذي يهدف إلى إخفاء الهوية أو ترهيب الآخرين، وحمل بطاقة هوية الجامعة معها، وتحديد قواعد شاملة للسلوك لمنع تعطيل الدراسة والبحوث والحياة الجامعية، ومحاسبة المجموعات الطالبية المعترف بها أو غير المعترف بها والمتورّطة في انتهاكات سياسة الجامعة من خلال تحقيق رسمي وإجراءات تأديبية والطرد بحسب الحاجة، ومعالجة التمييز ضدّ الصهيونية واليهود مع وضع تعريف رسمي لمعاداة السامية وإصداره. كذلك يتحتّم على الجامعة ضمان تمتّع سلطات الأمن فيها بسلطة إنفاذ القانون كاملة، بما في ذلك اعتقال وإبعاد المحرّضين الذين يعزّزون بيئة عمل أو دراسة غير آمنتَين أو عدائيتَين، أو يتدخّلون بأيّ شكل آخر في عملية التدريس أو سير العمل في الجامعة".
في الإطار نفسه، طلبت إدارة ترامب من جامعة كولومبيا "وضع قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا تحت الوصاية الأكاديمية لمدّة خمس سنوات على الأقلّ، وتقديم خطة لإصلاح شامل لأنظمة القبول مع وجوب تضمّنها استراتيجية لإصلاح ممارسات قبول الطلاب الجامعيين والتوظيف الدولي وقبول الدراسات العليا بما يتوافق مع القانون والسياسات الفيدرالية". والخطاب الرسمي، الموقّع من قبل مسؤولي وزارتَي الصحة والتعليم وإدارة الخدمات العامة، أوضح أنّه يتوقّع من الجامعة "الالتزام الفوري بهذه الخطوات المهمّة"، وأكثر من ذلك أشار إلى أنّهم يأملون في فتح "حوار حول الإصلاحات الهيكلية الفورية طويلة الأجل التي تعيد جامعة كولومبيا إلى رسالتها الأصيلة المتمثّلة في البحث المبتكر والتميّز الأكاديمي". يُذكر أنّ منع الكمامات في الجامعات مطلب رئيسي كرّره ترامب مرّات عدّة في خطابات له، ولفت إليه في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً، مع إعلان تشكيل فرق العمل الفيدرالية. كذلك فإنّ تعديل المناهج في أقسام دراسات الشرق الأوسط لتتوافق مع الرواية الإسرائيلية يُعَدّ مطلباً جمهورياً وإسرائيلياً.
وفي بيان أصدرته جامعة كولومبيا، في وقت سابق من اليوم الجمعة، أوضحت أنّ الهيئة القضائية التابعة لها أقرّت القرارات الخاصة بالإجراءات التأديبية التي فُرضت سابقاً، لافتةً إلى أنّ مكتب شؤون الحياة الجامعية سوف يشرف على عودة الطلاب الموقوفين عن الدراسة. وتعهّدت بتطبيق القواعد وسياساتها وتحسين إجراءاتها التأديبية. يُذكر أنّ وزيرة التعليم ليندا ماكماهون كانت قد حذّرت جامعة كولومبيا من أنّها سوف تخسر التمويل الفيدرالي المخصّص لها في حال لم تتّخذ "إجراءات إضافية لمكافحة معاداة السامية في الحرم الجامعي". وقد ردّت الجامعة بأنّها سوف تتعاون مع فرق العمل التي شكّلتها وزيرة العدل.
في سياق تعامل إدارة ترامب مع الاحتجاجات الطالبية الداعمة لفلسطين في الجامعات الأميركية على أنّها "معادية للسامية"، الأمر الذي عبّر عنه مسؤولون في الإدارة في أكثر من مناسبة، اعتقلت دائرة الهجرة، مساء السبت الماضي، الناشط الفلسطيني وخرّيج جامعة كولومبيا محمود خليل. ويُعَدّ خليل قيادياً بارزاً في الحركة الطالبية بجامعة كولومبيا، وقد كان عضو لجنة التفاوض مع إدارتها في العام الماضي في أثناء الاحتجاجات المندّدة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وتخطّط إدارة ترامب لترحيله، علماً أنّ الرئيس الأميركي عبّر عن فخره إزاء اعتقال هذا الناشط، وتوعّد باعتقال طلاب ناشطين آخرين، وأعلن أنّ ترحيل خليل مقدّمة لترحيل سواه.

Related News
