أعد الحلقة لـ”يمن ديلي نيوز” محمد العياشي: في الحلقة الثالثة عشرة من سلسلة “المستشرقون واليمن” يسلط “يمن ديلي نيوز” الضوء على رحلة المستشرق البريطاني تيم ماكنتوش سميث.
تيم ماكنتوش عاش في اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، وشارك في إضاءة جوانب عديدة من الثقافة اليمنية، وتاريخها، ولغتها.
نرصد في هذه الحلقة رحلة سميث منذ نشأته في بريطانيا إلى ارتباطه العميق باليمن، ونستعرض جانبا من تجربته في هذا البلد والتي تزامنت مع تحولات كبيرة على الصعيدين السياسي والاجتماعي والعسكري.
وُلد تيم ماكنتوش سميث في 17 يوليو/تموز 1961 في بريطانيا، في مدينة لينكونشير. نشأ في أسرة متوسطة الحال، وكان مهتمًا بالأدب الكلاسيكي والفلسفة في مراحل دراسته المبكرة.
في فترة مراهقته، بدأ اهتمامه باللغات القديمة، مما دفعه لدراسة الأدب الإغريقي والروماني في جامعة أكسفورد. ومع ذلك، ظل لديه شغف بالشرق وثقافاته، وبالخصوص اللغة العربية التي أثارت فضوله.
اختياره لليمن
في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، قرر سميث الانتقال من الدراسة الأكاديمية في بريطانيا إلى عالم العرب. في عام 1982، قرر أن يلتزم بتعلم اللغة العربية في بيئتها الأم، مما دفعه إلى السفر إلى اليمن.
اختار اليمن لأن البلد في نظره يعتبر ملاذًا لتعلم اللغة العربية الفصحى، إذ أن المجتمع اليمني يتحدث بلهجة قريبة جدًا إلى العربية الفصحى في العديد من المناطق.
من خلال هذه الرحلة، لم يكن سميث يبحث فقط عن تعلم اللغة، بل كان يهدف أيضًا إلى استكشاف ثقافة هذا البلد العريق.
ومما شجعه على اختياره هذا البلد أنه كان قد قرأ العديد من الكتب التي تناولت تاريخ اليمن وحضارته القديمة، مثل حضارة سبأ وحمير.
كما كان سميث يبحث عن تجربة قد تكون مختلفة عن دراسات الشرق الأوسط التقليدية التي تقتصر على بلدان مثل مصر أو لبنان.
بداية التعايش مع اليمن
وصل تيم ماكنتوش سميث إلى صنعاء في عام 1982، وبمجرد وصوله، كان مفتونًا بالمدينة القديمة ومعمارها الذي يعود إلى القرون الوسطى.
في البداية، استأجر شقة صغيرة في قلب صنعاء، حيث أصبح جزءًا من حياة المدينة. واستمرت إقامته في صنعاء لعقود، وبدأ يشق طريقه في تعلم اللغة العربية باللهجة الصنعانية.
وخلال فترة إقامته، اعتمد سميث بشكل رئيسي على التفاعل مع السكان المحليين ليتعلم أكثر عن عاداتهم وتقاليدهم، وتوثيقها في ملاحظاته الشخصية.
كان يستمتع بالتفاعل مع اليمنيين في حياتهم اليومية، سواء في الأسواق أو المقاهي، كما أصبح أكثر دراية بتاريخ اليمن السياسي والثقافي، مما انعكس على أدبه وأبحاثه في المستقبل.
من ابن بطوطة إلى الثقافة اليمنية
كان تيم ماكنتوش سميث متأثرا بشكل كبير بالرحالة العرب الكبار، مثل ابن بطوطة، الذي زار العديد من البلدان في العالم الإسلامي.
في عام 2001، أصدر كتابًا بعنوان “رحلة إلى اليمن: غرامي ببلاد القاموس”، حيث يصف فيه انطباعاته الشخصية عن اليمن.
تأثر سميث بشكل خاص بطريقة ابن بطوطة في تدوين تفاصيل رحلاته، وقرر أن يسير على خطاه في توثيق تجربته في اليمن، حيث قدّم صورة حيّة عن البلد من خلال قصصه وشهاداته.
في الكتاب، كان سميث يتناول مواضيع مثل التقاليد اليمنية، والسلوكيات الاجتماعية، كما كان يحلل بشكل نقدي تطور المجتمع اليمني في مواجهة التحديات الحديثة.
إضافة إلى ذلك، كانت كتاباته تحتوي على تساؤلات فلسفية حول كيفية التوفيق بين الحداثة والتمسك بالتقاليد.
سميث وحرب الحوثيين
مع تصاعد الأحداث في اليمن، شهد سميث تطورات مؤلمة في البلاد. في عام 2004، ظهرت جماعة الحوثي كقوة رئيسية في الشمال، وبدأت الحرب الأهلية التي أدت إلى تحول اليمن إلى ساحة صراع إقليمي.
سميث كان قد عاش في اليمن لعدة سنوات قبل اندلاع الحرب، وقد وصف الوضع الذي آل إليه البلد بأنه مأساوي.
في مقال نشره في بداية الحرب، أشار سميث إلى أن اليمن كانت تمر بمرحلة انتقالية معقدة، وأن المليشيات الحوثية قد غيّرت موازين القوى في البلد.
انتقد سميث بشدة تصاعد العنف، وأكد أن الجماعات المسلحة مثل الحوثيين كانوا يهددون تماسك المجتمع اليمني ويزيدون من تعقيد الأزمة الإنسانية.
كما أشار إلى أن هذا النزاع المستمر كان له تأثير سلبي على الثقافات المحلية والتقاليد التي لطالما اعتز بها اليمنيون.
تهديد للهوية اليمنية
على الرغم من عدم انخراطه بشكل مباشر في الشأن السياسي اليمني، إلا أن سميث عبّر عن آرائه في عدة مناسبات بشأن الحوثيين. في محادثاته مع الصحافة وكتاباته، بيّن سميث أن الحوثيين كانوا يمثلون تهديدًا للهوية الوطنية اليمنية.
كما اعتبر أن تصعيدهم للأعمال العسكرية خلال العام 2014 في صنعاء واجتياحها قد أضر بالسلام الاجتماعي الذي كان قائمًا قبل تصاعد التوترات.
في مقابلة صحفية، قال سميث إن الحرب قد دمرت الفسيفساء الاجتماعية لليمن، وجعلت من الصعب على أي جهود لإعادة بناء البلد أن تتحقق في ظل استمرار الانقسام الداخلي.
العودة إلى بريطانيا
في ظل الظروف الأمنية الصعبة، اضطر تيم ماكنتوش سميث للانتقال إلى الخارج في عام 2015.
ومع استمرار الحرب، لم يعد بإمكانه العودة إلى صنعاء على الرغم من شدة تعلقه بها. وفي هذه الفترة، عاش سميث في لندن لبعض الوقت، لكن قلبه كان دائمًا مع اليمن.
لم يخف سميث في أحاديثه عن اليمن مشاعر الحزن تجاه الحرب، وعبر عن أمله في أن تنتهي هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن.
رغم مغادرته، لم يتوقف سميث عن الحديث عن اليمن، وواصل الكتابة عن هذا البلد الذي عاش فيه وعشقه. وأوضح في العديد من المقالات أن تجربته في اليمن ستظل جزءًا لا يتجزأ من هويته الشخصية والأدبية.
سميث، اليمن، والحرب
من خلال رحلة تيم ماكنتوش سميث في اليمن، يتضح أنه لم يكن مجرد مستشرق يتعلم عن ثقافة بعيدة، بل أصبح جزءًا من نسيج المجتمع اليمني.
كان تيم ماكنتوش سميث ومازال شاهدًا على تحولات كبيرة في اليمن، من ظهور جماعة الحوثي إلى الحرب الأهلية، وأثرها العميق على الثقافة والتقاليد.
وتعتبر أعمال “ماكنتوش” ومقالاته نافذة للغرب لفهم اليمن بشكل أعمق وأكثر إنسانية. ورغم غيابه عن اليمن في الوقت الحالي، يظل سميث واحدًا من الأسماء البارزة التي ساهمت في نقل صورة حية عن هذا البلد.
المراجع:
– موقع قنطرة
– موقع السفير العربي
– مقالات صحفية لــ تيم ماكنتوش سميث
– لقاءات صحفية مع تيم ماكنتوش سميث
سلسلة حلقات “المستشرقون واليمن”:
الحلقة الأولى: الألماني “نيبور” ورحلته إلى البلاد التي تحكمها التوازنات
الحلقة الثانية: “هاليفي” في رحلة استكشاف تاريخ اليمن تحت عباءة التسول
الحلقة الثالثة: رحلة البريطاني “برتون” إلى أرض النقوش والعادات الفريدة
الحلقة الرابعة: “ثيسيجر” الذي وجد أن السعادة الحقيقية في قلب الصحراء
الحلقة الخامسة: فيلبي “الحاج عبدالله” الذي ساهم في رسم ملامح الجزيرة العربية واليمن
الحلقة السادسة: “جلازير” النمساوي الذي ارتدى ثوب “التشيع” لنهب آثار اليمن
الحلقة السابعة: “مانزوني” في رحلة تكشف تطور صنعاء قبل عودة الإمامة إليها
الحلقة الثامنة: “فريا ستارك” في مهمة الاستكشاف والتجسس لصالح بريطانيا
الحلقة التاسعة: “جورج كولان” رحلة دبلوماسية واكتشاف اللهجات اليمنية
الحلقة العاشرة: الألماني “هولفريتز” في رحلة إلى اليمن من الباب الخلفي
الحلقة الحادية عشرة: الفرنسي “نيزان” والوجه المظلم للاحتلال البريطاني في عدن
الحلقة الثانية عشرة: “فيليبس” على رأس بعثة أمريكية إلى جوهرة الصحراء “مأرب”
ظهرت المقالة الحلقة الثالثة عشرة: المستشرقون واليمن.. رحلة ماكنتوش لتعلم “العربية” في البلد الأقرب للفصحى أولاً على يمن ديلي نيوز Yemen Daily News.