
(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش اليوم" إن السلطات المصرية تشن منذ يوليو/تموز 2025 حملة تعسفية من الاعتقالات والملاحقات القضائية الجماعية تستهدف صانعي المحتوى على الإنترنت.
استنادا إلى بيانات وزارة الداخلية، اعتقلت السلطات أو قاضت ما لا يقل عن 29 شخصا، بينهم 19 امرأة على الأقل وطفل واحد، بين أواخر يوليو/تموز وأواخر أغسطس/آب بسبب محتوى على الإنترنت، بينما سجلت تقارير إعلامية وحقوقية موثوقة ثماني حالات أخرى. وجهت السلطات تهما غامضة إلى المستهدفين، بمن فيهم راقصات ورسامو وشم، مثل انتهاك "الآداب العامة" و"تقويض القيم الأسرية" و"غسل الأموال"، بناء على ما وصفته بفيديوهات "خادشة للحياء" نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك".
قال عمرو مجدي، باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يبدو أن حملة السلطات المصرية ضد صانعي المحتوى على الإنترنت تهدف إلى قمع آخر فسحة لحرية التعبير في البلاد. هذا جزء من محاولة الحكومة المستمرة لتجريم جميع أشكال التعبير التي لا تتوافق مع رؤيتها السياسية أو الاجتماعية".
قالت هيومن رايتس ووتش إن إجراءات الحكومة تنتهك الحق في الخصوصية وحرية التعبير وعدم التمييز. على السلطات أن توقف الملاحقات القضائية التعسفية وأن تكف عن استخدام تهم أخلاقية غامضة لقمع التعبير على الإنترنت.
يواجه المعتقلون تهما جنائية بـ "الاعتداء على المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري" بموجب المادة 25 من القانون رقم 175 لعام 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي قد تصل عقوبتها إلى السجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامات باهظة. سبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش أن هذا القانون أصبح إحدى الأدوات الرئيسية لتجريم حرية التعبير في السنوات الأخيرة.
استخدمت السلطات أيضا مجموعة من القوانين الفضفاضة وغير المحددة بوضوح، والتي تمنح النيابة العامة والقضاة سلطة تقديرية مطلقة في تحديد ما يشكل تهم "الفعل الفاضح" و"التحريض على الفسق والفجور" في قانون العقوبات.
أكدت النيابة العامة في 8 أغسطس/آب أنها وجهت تهما إلى 10 من صانعي المحتوى ببث "مقاطع [فيديو] مخلة بالآداب العامة" "تنتهك القيم الأسرية والمجتمعية" على تيك توك، وأمرت بحبس ثمانية منهم احتياطيا وأفرجت عن اثنين بكفالة. كما قررت التحفظ على أموال العشرة جميعا ومنعتهم من السفر.
استهدفت السلطات طفلة واحدة على الأقل وعدة شباب آخرين. في 23 يونيو/حزيران، سجنت النيابة العامة فتاة عمرها 16 عاما، نور تفاحة، لمدة أربعة أيام قبل إحالة قضيتها إلى المحكمة بتهمة نشر فيديوهات "مخالفة للآداب العامة" لها وهي ترقص. في 25 أغسطس/آب، قضت محكمة الأحداث بحبسها سنتين بتهمة "التحريض على الفسق والفجور" بحسب تقارير.
في 4 أغسطس/آب، أمرت النيابة العامة بحبس شابة تُعرف بـ سوزي الأردنية على تيك توك على ذمة التحقيق بتهمة نشر فيديوهات "تخالف الآداب العامة". يبلغ عدد متابعي صفحتها على تيك توك نحو 9.3 مليون متابع وتنشر عليها فيديوهات تناقش فيها قضايا اجتماعية أو تغني أو ترقص. في 20 أغسطس/آب، جدد قاضي التحقيق حبسها 15 يوما على ذمة التحقيق بتهم نشر فيديوهات "خادشة" و"غسيل الأموال".
كما اعتقلت شرطة الآداب التابعة لوزارة الداخلية ووحدات شرطة أخرى أربع راقصات شرقيات لنشرهن فيديوهات لهن وهن يرقصن بملابس "خادشة للحياء" يُزعم أنها "تخالف الآداب العامة". حددت البيانات الرسمية ووسائل الإعلام المصرية هويتهن على أنهن بديعة، والراقصة المصرية الإيطالية نورا دانيال، وبوسي الأسد، ودوسة.
اعتقلت قوات الأمن محمد عبد العاطي في 4 أغسطس/آب لبثه فيديوهات يزعم أنه استخدم فيها ألفاظا "خادشة للحياء". جددت النيابة العامة والقضاة احتجازه مؤخرا في 1 سبتمبر/أيلول. ذكرت صحف موالية للحكومة أنه يواجه أيضا تهما تتعلق بـ"غسيل الأموال". لدى عبد العاطي أكثر من نصف مليون متابع على تيك توك، حيث يقدم فيديوهات تتضمن اسكتشات كوميدية وتعليقات اجتماعية ورفع أثقال.
في 12 أغسطس/آب، اعتقلت السلطات شابة عمرها 18 عاما تُعرف على تيك توك باسم "ياسمين" لنشرها فيديوهات يُزعم أنها "خادشة". زعمت السلطات أن ياسمين هي "رجل يتظاهر بأنه امرأة"، وهو ادعاء يُستخدم كثيرا ضد المظاهر غير المطابقة جندريا المحظورة. أُفرج عنها بكفالة في 13 أغسطس/آب.
في 3 أغسطس/آب، اعتقلت السلطات محمد شاكر، المعروف على تيك توك باسم "شاكر محظور دلوقتي"، بعد شكاوى قدمها محامٍ مؤيد للحكومة إلى النيابة العامة يتهمه فيها ببث فيديوهات "تخالف قيم المجتمع". شاكر، الذي لديه أكثر من 5.5 مليون متابع على تيك توك، غالبا ما ينشر فيديوهات لسيارات فارهة ورحلات سفر فاخرة.
استهدفت السلطات أيضا رسامي الوشم في إطار حملة اعتقالات واسعة النطاق. مثلا، في 5 أغسطس/آب، اعتقلت الشرطة صانع محتوى وفنان وشم يُعرف باسم "فادي تاتو" بزعم نشره فيديوهات له وهو يرسم وشوم على أجساد نساء، وهو ما قالت السلطات إنه "يتعارض مع تقاليد المجتمع". أُفرج عنه بكفالة في 7 أغسطس/آب.
في 10 أغسطس/آب، أفادت صحف موالية للحكومة أن محكمة الجنايات الاستئنافية حكمت على امرأة تنشر فيديوهات على تيك توك ومساعدها بالسجن ثلاث سنوات وغرامة قدرها 100 ألف جنيه مصري (2,054 دولار أمريكي) لنشرهما فيديوهات "خادشة للحياء" على تيك توك. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من أسميهما أو المحتوى الذي يقدماه.
جاءت هذه الاعتقالات وسط حملة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحف الموالية للحكومة تتهم صانعي المحتوى بانتهاك "الآداب العامة" و"غسيل الأموال". كما أفادت وسائل إعلام موالية للحكومة أن عدة محامين قدموا بلاغات إلى النيابة العامة ضد صانعي المحتوى بتهمة "التحريض على الفسق والفجور".
في يوليو/تموز، أفادت تقارير أن بلاغا واحدا أرسل إلى النيابة العامة وقعه 32 محاميا ضد 10 من صانعي المحتوى، منهم ثماني نساء. تسمح القوانين المصرية للمواطنين بتقديم بلاغات إلى النيابة العامة ضد أفراد لما يعتبرونه "جرائم" تؤثر على السلامة العامة أو الأخلاق. للنيابة العامة سلطة البت فيما إذا كانت ستواصل التحقيق وتوجيه الاتهام.
قال أحمد بدوي، عضو لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، في 2 أغسطس/آب، إن تطبيق "تيك توك" قد يُحظر في مصر إذا لم "يحذف المحتوى ... احتراما للقيم المجتمعية".
قالت هيومن رايتس ووتش إن استهداف الفتيات والنساء على أساس طريقة لباسهن أو ممارستهن لأنشطة مثل الرقص، يجسد الطبيعة التمييزية للحملة. يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك "اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، التمييز ضد الفتيات والنساء، بما في ذلك التمييز الاجتماعي والثقافي.
يكفل الدستور المصري والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" و"الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب" و"اتفاقية حقوق الطفل"، الحق في حرية التعبير.
يقتضي القانون الدولي أن تكون أي قيود على حرية التعبير متناسبة، ومصاغة بطريقة دقيقة تُمكّن الناس من التنبؤ بشكل معقول بما يشكل انتهاكا، وأن تكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة في مجتمع ديمقراطي. يجب ألا تستمد مفاهيم الآداب العامة من مجموعة واحدة من التقاليد أو الأديان أو الثقافات، بل يجب أن يؤخذ في الاعتبار تنوع المجتمع.
أكدت "لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان"، التي تشرف على تفسير العهد، أن الحق في حرية التعبير ينطبق على الإنترنت، وقالت أيضا إن القوانين "لا يجوز أن تمنح سلطة تقديرية مطلقة" للسلطات، وأن أي "قيود يجب أن تُفهم في ضوء عالمية حقوق الإنسان ومبدأ عدم التمييز".
قال مجدي: "على السلطات المصرية أن تفرج فورا ودون شروط عن جميع المعتقلين لممارستهم حقهم في حرية التعبير عبر الإنترنت، وأن تُسقط التهم الموجهة إليهم. على السلطات أيضا إلغاء جميع القوانين التي تقيّد الحق في الخصوصية وحرية التعبير وحرية المعتقد باسم الأخلاق".
Related News

