خطة ترامب بشأن غزة: إنهاءٌ للحرب أم تصفيةٌ للقضية؟
Party
1 week ago
share

بقلم / مازن حكمي
كثرت في الأوساط الإعلامية والدبلوماسية الأحاديث والردود والانتقادات لخطة ترامب الجديدة لوقف العدوان على غزة، والتي حملت في طياتها بنودًا ناعمة ظاهرها السلام، وباطنها الكثير من المطبات التي اعتبرها محللون بمثابة صبّ الزيت على النار، وتصفية للقضية الفلسطينية.
لكن ما سُوِّق له كـ”خارطة طريق للسلام” ليس سوى مشروع مشروط لإعادة إعمار، وفرض تسوية سياسية على حساب الحقوق الفلسطينية، بل يُنظر إليه على نطاق واسع كامتداد لنهج “ترامب ” الانحيازي الفج لإسرائيل، والذي كرّسه منذ إعلانه “صفقة القرن”.
الوثيقة، التي صاغها ترامب بالتنسيق مع رئيس وزراء الاحتلال الإرهابي بنيامين نتنياهو، تضم 20 بندًا تدّعي السعي لوقف إطلاق النار، لكنها في جوهرها تتجاهل جذور الصراع وتكرّس منطق المنتصر. فالخطة تطلب من المقاومة الفلسطينية نزع سلاحها، وتسليم قادتها، وتفكيك أنفاقها الدفاعية، وهو ما لم تتمكن إسرائيل من تحقيقه عسكريًا على مدار عامين من حرب الإبادة، فحاول ترامب فرضه دبلوماسيًا عبر ما يشبه “الاستسلام المكتوب”.
ولا تقف خطورة الخطة عند حدود الاشتراطات الأمنية، بل تتعداها إلى محاولة فرض وصاية دولية على غزة، عبر مجلس “انتقالي” تشرف عليه واشنطن وتل أبيب، بمشاركة عربية انتقائية. هذا المجلس، إن تشكّل، لن يكون سوى غطاء لإعادة هندسة النظام السياسي الفلسطيني بالكامل، وإقصاء حركات المقاومة عن المشهد، وإفراغ القضية من مضمونها الوطني والتحرري.
أما إعادة الإعمار، التي يُفترض أن تكون أولوية إنسانية، فقد حوّلها ترامب إلى ورقة ابتزاز سياسي، حيث ربطها بقبول كافة بنود الخطة دون نقاش. الوعود ببناء ميناء وربط غزة بالاقتصاد الدولي ليست أكثر من “جزرة” تُلوَّح بها واشنطن مقابل خضوع سياسي كامل، وتجريد الفلسطينيين من أدوات الدفاع عن أنفسهم، ما يعيد إلى الأذهان نماذج استعمارية سابقة أُلبست ثوب “الحداثة والتنمية”.
وما يُثير المخاوف أكثر هو المنظور التجزيئي الذي تتبناه الخطة، حيث تفصل غزة عن الضفة الغربية والقدس، وتتجاهل حق العودة، وتقفز فوق جوهر القضية الفلسطينية. هذا التجاهل المتعمّد يكشف نية سياسية مبيّتة لتصفية القضية، وتحويلها من قضية تحرر وطني إلى ملف إنساني مؤقت تحكمه المساعدات و”المنح المشروطة”.
ترامب، الذي لم يُخفِ يومًا انحيازه الكامل لإسرائيل، يواصل من خلال هذه الخطة نهجه القائم على فرض الأمر الواقع بالقوة، وإعادة تعريف “السلام” كاستسلام، و”الإعمار” كرشوة سياسية. وقد سبق له أن أعلن القدس “عاصمة موحّدة لإسرائيل”، وأوقف الدعم عن الأونروا، واليوم يُكمل مشروعه عبر محاولة انتزاع الاعتراف الفلسطيني بشروط مذلّة تحت وطأة الحصار والدمار.
ما تُقدّمه خطة ترامب ليس مشروع حل، بل محاولة لتصفية القضية من بوابة غزة. إنها رؤية لا تُنهي الحرب، بل تنقلها من الميدان إلى الطاولة، تحت ضغط الجوع والخراب. ومن هذا المنطلق، فإن الرد الفلسطيني يجب أن يكون على مستوى التحدي، برفض الوصاية، والتشبث بالثوابت، وفضح هذه المشاريع التي تُلبّس الاحتلال لباس المخلّص، وتُعاقب الضحية على مقاومتها.

خطة ترامب بشأن غزة: إنهاءٌ للحرب أم تصفيةٌ للقضية؟

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows