
دمشق- محمد أمين عمّان- العربي الجديد مع اقتراب مرور شهر على الأحداث الدامية في السويداء، أعلنت وزارة الخارجية الأردنية، أمس الأحد، عن استضافة اجتماع أردني-سوري-أميركي مشترك، غداً الثلاثاء، لبحث الأوضاع في سورية وسبل دعم عملية إعادة بناء سورية على الأسس التي تضمن أمنها واستقرارها وسيادتها، وتلبي طموحات شعبها، وتحفظ حقوق كل السوريين. وجاء هذا الإعلان بعد أنباء عن محاولة ينخرط فيها المبعوث الأميركي توم برّاك، بهدف الترتيب لعقد اجتماع في عمّان لممثلين عن الحكومة السورية وآخرين من محافظة السويداء.
وأكد بيان وزارة الخارجية الأردنية، أمس، أن الاجتماع الذي سيحضره وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني وسفير الولايات المتحدة الأميركية لدى تركيا والمبعوث الأميركي الخاص لسورية توم برّاك، ومُمثّلون عن المؤسسات المعنية في الدول الثلاث، سيكون "استكمالاً للمباحثات التي كانت استضافتها عمّان بتاريخ 19 يوليو /تموز 2025 لبحث تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء في جنوب سورية وحل الأزمة هناك". وأضاف أن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي سيجري أيضاً محادثات ثنائية مع الشيباني ومع برّاك. من جانبه، كتب برّاك على منصة إكس، أمس، تعليقاً على الاجتماع: "هذا الالتزام يؤكد تصميمنا الجماعي على التحرك نحو مستقبل تستطيع فيه سورية وشعبها كله أن يعيشا في سلام وأمن وازدهار".
وكانت ترافقت التسريبات عن اجتماعات بمشاركة أطراف من السويداء، مع خروج الرؤساء الروحيين الثلاثة لمشيخة عقل الطائفة الدرزية في المحافظة؛ حكمت الهجري وحمود الحناوي ويوسف جربوع، في بيانات منفصلة أول من أمس السبت، وبشكل متتابع، هاجمت فيها الحكومة السورية بسبب الجرائم التي شهدتها السويداء. وأكدت البيانات ضرورة رفع الحصار عن المحافظة وفتح الممرات إليها، في خطوة غير مسبوقة منذ بدء الأحداث، خصوصاً من قبل جربوع والحناوي اللذين تبنيا حتى أحداث السويداء، الشهر الماضي بعد الاشتباكات بين القوات الحكومية وعشائر موالية من جهة، وقوات محلية في المحافظة من جهة ثانية، مواقف تدعم التقارب مع دمشق.
فكرة اجتماع بمشاركة وجهاء من السويداء
وأكد مصدر في دمشق، لـ"العربي الجديد"، أن فكرة عقد اجتماع بين ممثلين من الحكومة ومع وجهاء من محافظة السويداء في عمّان "مطروحة"، لكنها "لم تتبلور بعد". وأوضح أنه ليس هناك موعد واضح لعقده، وربما يعقد وربما لا. وحاولت "العربي الجديد" التواصل مع المسؤولين في الخارجية الأردنية للحصول على تعليق بشأن الترتيب لاجتماع في عمّان يضم ممثلين من السويداء والحكومة السورية، لكنها لم تحصل على إجابة تؤكد التحضيرات أو تنفيها. وتطالب فعاليات في السويداء بفتح ممر بين المحافظة والأردن، فيما تتمسك عمّان بضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، بما يضمن سيادة الدولة والقانون وسلامة المواطنين وأمنهم، إلى جانب تكرار رفض التدخلات الإسرائيلية في الشأن السوري وإدانتها. وسبق أن قال رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان، في 22 يوليو الماضي، إن الأردن أدى دوراً دبلوماسياً فاعلاً للمساهمة في احتواء أزمة السويداء السورية، مشدداً على أن المملكة تقف إلى جانب الشعب السوري في سعيه لتحقيق الاستقرار والازدهار.
بسام السليمان: عمّان تستشعر الخطر في الجنوب السوري
من جانبه، رأى المحلل السياسي بسام السليمان أن توجه الحكومة السورية باتجاه السويداء "واضح"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة تريد بسط سيطرة الدولة على محافظة السويداء ووضع حد لأي حالة تدخل خارجي وإيقاف الدعوات غير الوطنية، ومحاسبة المجرمين من كل الأطراف". ولفت إلى أن الأردن يدفع باتجاه عقد الاجتماع بخصوص السويداء والتوصل إلى "حل مرض لدمشق والسويداء"، مشيراً إلى أنه "كما يبدو، تستشعر عمّان الخطر جراء العبث الإسرائيلي في الجنوب السوري والذي يهدد الأمن الوطني الأردني".
أما الصحافي المنحدر من السويداء نورس عزيز، فبيّن في حديث مع "العربي الجديد" أن محافظة السويداء "تريد إدارة لامركزية موسعة، وفتح معبر حدودي مع الجانب الأردني". وأضاف أن "السويداء بأهلها ومشايخها وفصائلها ترفض أي علاقة مع الحكومة لا من قريب ولا من بعيد، لذا سيكون سقف المطالب عالياً". وفي رأيه، "ترميم النسيج الاجتماعي بين الدروز وبقية السوريين ممكن في حال سقوط النظام الحاكم حالياً". وسُدَّت الآفاق السياسية ما بين دمشق والسويداء بسبب ما جرى في السويداء الشهر الماضي، في ظل تراشق بالاتهامات حول ما آلت إليه الأوضاع في المحافظة. وتتهم الفعاليات في محافظة السويداء الحكومة بفرض حصار اقتصادي عليها أدى إلى خلق أزمات معيشية، بينما تؤكد الحكومة أن الفصائل المرتبطة بالشيخ الهجري تمنع دخول مساعدات حكومية وترفض عودة مؤسسات الدولة للعمل في المحافظة.
تصاعد أحداث السويداء
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء، برعاية إقليمية ودولية، حيّز التنفيذ في 21 يوليو الماضي، بعد اشتباكات دامية بدأت في الـ13 من يوليو بين مجموعات محلية درزية في السويداء وعشائر البدو، تدخلت قوات أمنية لفضها، لكنها سرعان ما اشتدت وتحولت قوات وزارتي الداخلية والدفاع إلى طرف رئيسي فيها بمواجهة الفصائل المحلية الدرزية التي اتهمتها الحكومة بنصب كمائن لعناصرها، ليجرى العمل مجدداً على احتواء الوضع مع التوصل إلى اتفاق يقضي بانسحاب القوات الأمنية من السويداء، لكن ما لبثت أن تفجرت المواجهات مجدداً، هذه المرة بين الفصائل المسلحة في المحافظة ومسلحي العشائر. فقد أطلقت العشائر "النفير العام" تحت مبرر نجدة عشائر البدو في السويداء إثر بثّ أنباء مكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي لما قيل إنها انتهاكات واسعة النطاق ارتُكبت بحق مدنيي عشائر البدو من قبل فصائل مسلحة في المحافظة، عقب انسحاب الأجهزة الأمنية. كما شهدت المواجهات، في مرحلتها الأولى خصوصاً، تدخلاً إسرائيلياً تحت ذريعة "حماية الدروز"، سواء من خلال القصف في السويداء أو من خلال العدوان الذي استهدف دمشق يوم 16 يوليو.
ورغم صمود اتفاق وقف النار، إلا أنه تعرض لخروقات عدة جرى العمل على احتوائها. ووثقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 814 سورياً بينهم 34 سيدة (إحداهن توفيت إثر أزمة قلبية بعد تلقيها نبأ وفاة حفيدها) و20 طفلاً، وستة من الطواقم الطبية بينهم ثلاث سيدات، واثنان من الطواقم الإعلامية، وإصابة ما يزيد عن 903 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة في محافظة السويداء، وذلك خلال الفترة الممتدة من 13 تموز 2025 وحتى الـ24 منه، استناداً إلى المعلومات الأولية المتوفرة والتي تمكنت الشَّبكة من التحقق منها. وذكرت الشبكة أن الحصيلة شملت عمليات قتل خارج إطار القانون، وقصفاً متبادلاً، إلى جانب هجمات جوية نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي. وتشمل الحصيلة الأولية ضحايا من المدنيين، بمن فيهم أطفال وسيدات وأفراد من الطواقم الطبية، إضافة إلى مقاتلين من مجموعات عشائرية مسلحة من البدو، وأخرى محلية خارجة عن سيطرة الدولة من أبناء المحافظة، إلى جانب عناصر من قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع التابعة للحكومة الانتقالية السورية.
وشكلت وزارة العدل السورية، مطلع الشهر الحالي، لجنة للتحقيق في أحداث السويداء الأخيرة، لتباشر عملها بلقاءات مع المسؤولين المحليين في محافظتي السويداء ودرعا، جنوبي البلاد، والاستماع إلى شهادات المتضررين، وفق رئيسها القاضي حاتم النعسان. وقال النعسان، في الثاني من أغسطس/ آب الحالي، إن "التحقيقات ستُدار من خلال فرق عمل متعددة، وتهدف إلى كشف الحقيقة كاملة وتحديد المسؤولين عن الأحداث الأخيرة". لكن الفعاليات الدينية والاجتماعية والسياسية في السويداء رفضت هذه اللجنة، وأعلنت أنها لن تسمح بدخولها إلى المحافظة مطالبة بلجنة تحقيق وحماية دولية.
وفي السياق، رفعت المؤسسة الدينية للدروز في سورية، أول من أمس، سقف الاتهامات للحكومة السورية، وحمّلتها مسؤولية ما جرى في السويداء من جرائم وتجاوزات بحق المدنيين خلال الاشتباكات. وطالب الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، في بيان مصوّر بثته الصفحة الرسمية للرئاسة الروحية، بتحقيق دولي حول الجرائم المرتكبة في السويداء، وإحالة المتورطين بهذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقال الهجري إن ما يجري في المحافظة هو "إبادة ممنهجة تشمل ذبح أطفال، وإعدام شيوخ في الساحات، وحرق منازل بمن فيها، وخطف مدنيين، وفرض حصار خانق امتد لأسابيع، وقطع المياه والكهرباء والغذاء، وقصفاً عشوائياً على القرى". وشدد على أن "هذه الأفعال ليست تجاوزات فردية بل خطة إبادة صامتة والتجويع يشكل جريمة حرب". كما ثمّن "مواقف الدول التي رفضت الصمت ووقفت إلى جانب المظلومين وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لموقفه الواضح في دعم الأقليات ورفض الاستبداد، ودولة إسرائيل حكومة وشعباً وتدخّلها الإنساني للحدّ من المجازر بحق أهالي السويداء"، زاعماً أن تدخلها جاء "بدافع أخلاقي وإنساني".
انتقد شيخ عقل الطائفة الثالث حمود الحناوي بشدة الحكومة السورية متهماً إياها بـ"الظلامية والغدر"
كذلك، وجّه شيخ عقل الطائفة الدرزية يوسف جربوع، في كلمة مسجلة، اتهامات للحكومة السورية بارتكاب مجازر وتطهير عرقي بحق المدنيين في المحافظة خلال الأيام الماضية. وفي السياق، انتقد شيخ عقل الطائفة الثالث حمود الحناوي بشدة الحكومة السورية متهماً إياها بـ"الظلامية والغدر"، في تحول لافت عن نهجه السابق الذي تجنّب فيه الصدام مع الدولة السورية. وهذه المرة الأولى التي يظهر للعلن موقف موحد من شيوخ العقل في السويداء مناهض تماماً للحكومة في دمشق، ما يؤكد اتساع هوّة الخلافات بين دمشق والسويداء التي قطعت أخيراً علاقتها الإدارية مع الحكومة.
وأعلنت اللجنة القانونية العليا، التي شُكّلت بعد أحداث الشهر الماضي، بالتنسيق مع الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، الأربعاء الماضي، تشكيل "مكتب تنفيذي" غير مرتبط بالحكومة، مهامه "إدارة شؤون السويداء في القطاعات الإدارية - الأمنية - الخدمية بكافة مجالات الحياة"، و"الحفاظ على المؤسسات الحكومية العامة والخاصة"، و"رفع الظلم والضرر عن كاهل المواطنين بكل مكوناتهم ومحاربة الفساد". وعُد تشكيل المكتب خطوة واسعة نحو فرض ما يشبه "الإدارة الذاتية" في المحافظة محدودة الموارد التي تبحث عن تواصل بري مع الشمال الشرقي من سورية، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يُغنيها عن الاعتماد على دمشق وجارتها محافظة درعا. ولكن يبدو أن هذا المسعى غير ممكن التحقيق، لا سيما أن القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الملف السوري تؤكد وحدة البلاد الجغرافية والسياسية.

Related News


