
يكفي تأمّل صور اللوحات المعروضة في "قاعة إيوان" ببغداد ضمن معرض "حكايات وصور"، لتظهر سلسلة مشاهد مألوفة في المجتمع، رسمها كبار الفنانين العراقيين. من لوحة لزوجَين في الزي التقليدي بريشة إسماعيل الشيخلي، إلى "بائعي الرقي" عند حافظ الدروبي، مروراً بـ"امرأتين مع الكاروك" لمحمد علي شاكر، وفلّاح بجلابية بيضاء عند فائق حسن. أعمال تعبّر عن ذاكرة البلاد، وتجمع بين الأجيال والتجارب في 58 عملاً فنيّاً لـ46 فناناً وفنانة من ثلاثينيات القرن العشرين وحتّى اليوم.
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، أوضحت مها الإبراهيمي، قيّمة المعرض (بالاشتراك مع زينة بيك) أن "الهدف منه هو تسليط الضوء على تفاصيل الحياة اليومية في العراق، بمرونتها وتعقيدها، من خلال أعمال تحاكي الواقع، وتعكس الطموحات والأحلام التي صمدت رغم تقلبات التاريخ".
تبدو الطبيعة ثيمة أساسية في عدد من اللوحات المعروضة، لكنّها في الوقت نفسه تستمدّ حيويتها من حضور الإنسان، سواء جاء منفرداً كما في لوحة "بائع الأشجار" لسعدي الكعبي، أو في سياق جماعي كما في "عائلة تصيد السمك" لحسن عبد علوان. في المقابل، تلتقط أعمال لورنا سليم، وناجي حسين، وخالد العسكري، وأوهانس بيدرس مشاهد من المدينة، إذ يبرز ملمح التحوّل الحداثي وهو يشقّ طريقه في الحياة العراقية.
لوحات ترصد ملامح حداثية عبّرت عنها إسهامات جيل الرّواد
كذلك يُفرد المعرض حيّزاً واسعاً لصورة المرأة، من خلال لوحات وبورتريهات تستكشف جوانب نفسية وإنسانية عميقة. في هذا السياق، تعرض أعمال لكلّ من شمس الدين فارس، ونجيب يونس، وسلام جبار، وسعد الطائي وغيرهم. وتبيّن مها الإبراهيمي في حديثها إلى "العربي الجديد" أنّ العديد من الفنانين المشاركين سَعوا إلى تكريم المرأة عبر أعمالهم، تعبيراً عن تقديرهم لقوتها وجمالها، ولدورها إلى جانب الرجل في مواجهة مشاقِّ الحياة، وتُضيف: "في المقابل، حملت بعض اللوحات موقفاً مُديناً لظواهر العنف والإهانة والإذلال التي تتعرض لها النساء، ليس في العراق فحسب، بل في مجتمعات عديدة حول العالم".
وتتابع الإبراهيمي حديثها مشيرةً إلى واحد من أبرز محاور المعرض، وهو "كاتالوغ رايزونه" الخاص بالفنان جواد سليم، الذي يشكل منجزاً توثيقياً شاملاً يقع في 376 صفحة، ويتضمّن 111 لوحة فنية، و60 عملاً نحتيّاً، وثلاث جداريات كبيرة، إلى جانب مقالات تحليلية لعدد من الباحثين والمتخصّصين، باللغتَين العربية والإنكليزية.
تؤكد الإبراهيمي أن صدور هذا الكتاب يُعدّ إضافة نوعية للمكتبة الفنية العربية، وخطوة ضرورية نحو أرشفة وتوثيق إرث جواد سليم الذي استطاع أن يؤسّس حركة فنية معاصرة احتضنت الهوية العراقية وأوصلتها إلى المشهد الفني العالمي، وتختم: "شعرنا أن من واجبنا تسليط الضوء على هذا المنجز ونشره على أوسع نطاق، ليصل إلى كل المهتمين بتاريخ الحركة التشكيلية العراقية وحفظ ذاكرتها المؤسِّسة".

Related News


