كباش سياسي بين دمشق و"قسد"
Arab
1 day ago
share

أعلنت الحكومة السورية، أمس السبت، عدم مشاركتها في اجتماعات كانت مقررة في باريس للتفاوض مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، حسبما أفاد مصدر مسؤول فيها لوكالة الأنباء السورية (سانا)، وذلك رداً على مخرجات مؤتمر "وحدة موقف المكونات"، الذي عُقد أول من أمس الجمعة في  المركز الثقافي في مدينة الحسكة شمال شرقي سورية، وذلك بمشاركة أكثر من 400 شخصية يمثلون "الإدارة الذاتية" والمؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية، وممثلين عن مكونات شمال شرقي سورية.

واعتبرت دمشق، بحسب المصدر، المؤتمر خطوة باتجاه تقسيم البلاد، وتهرباً من تنفيذ استحقاقات الاتفاق الذي وُقع في العاشر من مارس/آذار الماضي، بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات "قسد" مظلوم عبدي في دمشق ويقضي بإدماج "قسد" ضمن مؤسسات الدولة السورية، فضلاً عن تأكيد وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم. ويُخشى أن يُفضي الكباش السياسي الحالي بين دمشق و"قسد" إلى تقويض الاتفاق ويضع حداً لمحاولات تُبذل من أجل تجنيب البلاد دورة عنف إضافية.

مع العلم أن البيان الختامي للمؤتمر أكد على الالتزام بمخرجات اتفاق مارس ومؤتمر "وحدة الموقف الكردي" بوصفها خطوات نحو توافق وطني شامل. وشدّد المجتمعون على ضرورة صياغة دستور ديمقراطي جديد، يضمن التعددية والمشاركة السياسية العادلة لكل مكونات البلاد، ويؤسس لنظام لامركزي يحترم الخصوصيات الثقافية والجغرافية. كما أكد المشاركون أن التعدد القومي والديني والثقافي في شمال شرق سورية يمثل "مصدر قوة وغنى لا تهديد"، ودعوا إلى إعادة النظر في الإعلان الدستوري الراهن، الذي اعتُبر أنه "لا يلبي تطلعات السوريين في الحرية والكرامة". وأعرب المشاركون عن تقديرهم لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، واعتبروها "نواة ضرورية لبناء جيش وطني سوري جديد".


رضوان زيادة: لم يشر المؤتمر بحرف إلى وحدة سورية وسيادتها على أرضها

موقف دمشق من "قسد"

وأكد مصدر مسؤول في الحكومة السورية لوكالة الأنباء السورية (سانا)، أمس السبت، أن الحكومة "لن تجلس على طاولة التفاوض مع أي طرف يسعى لإحياء عهد النظام البائد تحت أي مسمى أو غطاء"، مشيراً إلى أن المؤتمر شكّل ضربة لجهود التفاوض الجارية. وأضاف أنه بناءً على ذلك، فإنها لن تشارك في أي اجتماعات مقررة في باريس. واعتبر المصدر المؤتمر خطوة تستعيد "نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سورية قبل الاستقلال (عن فرنسا في عام 1946)"، وأن ما جرى في شمال شرق البلاد "لا يمثل إطاراً وطنياً جامعاً، بل تحالف هش يضم أطرافاً متضررة من انتصار الشعب السوري وسقوط عهد النظام البائد". وقال المصدر إن لـ"المجموعات الدينية أو القومية كامل الحق في التعبير عن رؤاها السياسية وعقد اجتماعاتها وتأسيس أحزابها ضمن الأطر القانونية الوطنية، شريطة أن يكون نشاطها سلمياً، وألا تحمل السلاح في مواجهة الدولة، وألا تفرض رؤيتها على شكل الدولة السورية". وتابع: شكل الدولة لا يُحسم عبر تفاهمات فئوية، بل عبر دستور دائم يُقر عبر الاستفتاء الشعبي، بما يضمن مشاركة جميع المواطنين على قدم المساواة. واعتبر محللون المؤتمر الذي عقدته ما تعرف بـ "الإدارة الذاتية"، الذراع المدني لقوات "قسد"، إعلاناً لـ "حلف الأقليات" في سورية بعد مشاركة شيخ عقل طائفة الدروز حكمت الهجري، ورئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سورية، غزال غزال.

ووصف الباحث السياسي رضوان زيادة في حديث مع "العربي الجديد" المؤتمر بـ"الانفصالي بكل المعايير والمقاييس"، معتبراً أنه لم يشر بحرف إلى وحدة سورية وسيادتها على أرضها، فضلاً عن مشاركة الهجري الذي طلب مساعدة إسرائيلية (خلال أحداث السويداء) جعلته منبوذاً من أغلب الشعب السوري، لذلك أعتقد أن بيان الحكومة كان مطلوباً أن يكون شديد اللهجة. وفشل الطرفان (الحكومة وقسد) منذ توقيع اتفاق مارس، الذي نص صراحة على دمج هذه القوات في الجيش السوري، في تطبيق مضامين هذا الاتفاق الذي يقرأه كل جانب بما يتساوق مع رؤيته لمستقبل البلاد. "قسد" ترفض حل نفسها وتسليم سلاحها، وتريد الدخول إلى الجيش السوري كتلة واحدة، وأن تبقى الجهة المسيطرة على شمال شرقي سورية في إطار لا مركزية سياسية في البلاد.

في المقابل، تريد الحكومة دخول قوات "قسد" إلى الجيش بشكل فردي، وتسليم السلاح والمناطق الخاضعة لهذه القوات في شمال شرق سورية، بما فيها المعابر الدولية والسجون التي تضم مسلحي تنظيم داعش. وما تزال هذه القوات تعتمد على موقفين أميركي وفرنسي داعمين لها، في مقابل موقف تركي يدفع باتجاه الضغط على هذه القوات، التي تعد بنظر الأتراك امتداداً لحزب العمال الكردستاني من أجل تسليم سلاحها وتسليم الشمال الشرقي من سورية للحكومة المركزية في دمشق. وعقدت هذه القوات مع أطراف كردية أخرى مؤتمراً شبيهاً في إبريل/نيسان الماضي، دعا إلى اعتماد مبدأ اللامركزية السياسية، وإلى إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية الراهنة في البلاد، وهو ما استدعى رداً غاضباً في حينه من دمشق.

من جهته، رأى الباحث السياسي مؤيد غزلان في حديث مع "العربي الجديد"، أن المؤتمر "يأتي كمحطة تحتاجها قسد لرفد مسارها التفاوضي مع الدولة السورية"، مضيفاً: العبارات التي وردت في البيان الختامي، تشي أن عدم الإذعان لمتطلبات قسد في جلسة التفاوض في باريس، يعني الاستقطاب والتصعيد والمواجهة بين المكونات السورية. مواجهة بين تلك المكونات التي حضر أو ساند جزء منها المؤتمر، وبين المكونات الرافضة للمؤتمر، وهذا بالفعل يعني بث الانقسام الشعبي في سورية. وأشار غزلان إلى أن مخرجات المؤتمر تتجاهل الأغلبية السورية لجهة "رسم شكل الدولة ونظامها السياسي"، مضيفاً: هذه الأغلبية لا ترغب في هذا الشكل من الحكم. وهي تعتبر أن عدم نضوج الخطاب الوطني حالياً، واقتصار البعض على رؤية الخريطة السياسية في سورية من زاوية المكون لا من زاوية الوطن، يعطي رجاحة في فكر الأغلبية في سورية أن اللامركزية التي يطلبها البعض هي ممهد للانقسام المجتمعي، ولاحقاً انعزال وانفصال جغرافي. وتساءل غزلان: هل يعقل أن يفرض أقل من مليوني سوري (لا يمثل المؤتمرون كل مكوناتهم) رؤيتهم على 22 مليون سوري؟ وأشار إلى أنه "ما نزال نفتقد رأي الأغلبية العربية في شمال شرق سورية"، مضيفاً: المؤتمر سيبرز عنه تساؤلات كثيرة يفترض أن يجيب عنها بعض الحضور، وخصوصاً من جانب قسد".


كادار هوزان: أنقرة تريد حلاً وفق رؤيتها وعلى مقاسها لذا تعرقل الحوار ما بين دمشق و"قسد"

وبحسب غزلان فإن من هذه التساؤلات: هل تمارس قسد نظاماً لا مركزياً في المناطق التي تسيطر عليها أم أن قسد تمارس نظاماً مركزياً وتعيّن في المجالس دون انتخاب، وترجع كل القرارات الإدارية إلى قسد في الموازنات والإنفاق والرواتب والسياسات المحلية؟ كما تساءل غزلان: هل يوجد نظام يكفل الحريات في مناطق شرق سورية؟ هل يوجد معارضة حقيقية وسماح بالتظاهر وإبداء الرأي والتكتلات بما لا يتفق مع رؤية قسد في مناطقها؟ والجواب هنا يعلمه الجميع. وأضاف: هل نجحت قسد في إرساء منظومة اقتصادية ترفع بها مستوى الدخل في مناطقها وهي تملك مصادر الثروة النفطية والزراعية الأكبر والأهم في سورية؟ مستوى البطالة يصل إلى 50% في دير الزور والرقة والحسكة، ويقبع أكثر من 80% من سكان تلك المنطقة تحت خط الفقر، فالإنفاق على التنمية هزيل جداً. كيف يريد فرض شكل الدولة على السوريين من لم ينجح في إرساء وفرة اقتصادية للمواطن السوري، ولا بحدها الأدنى، ولا يسمح بنظام حريات وتعددية سياسية في مناطقه؟

"الإدارة الذاتية" متمسكة بتنفيذ اتفاق مارس

من جانبها، تُبدي "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية استعدادها للانخراط في جولة تفاوض مع الحكومة السورية في باريس، وتكرر موقفها برفضها "لكل مشاريع التقسيم"، بحسب إلهام أحمد، مسؤولة العلاقات الخارجية في هذه الإدارة، التي قالت أول من أمس الجمعة: نريد تنفيذ اتفاق مارس بالاندماج الحقيقي على أساس الشراكة في إطار الدولة السورية، الوطن المشترك للجميع. وتعليقاً على بيان دمشق، رأى كادار هوزان، وهو مدير مؤسسة "كرد بلا حدود" في باريس، في حديث مع "العربي الجديد"، أن دمشق اتخذت من المؤتمر الذي عقد في الحسكة "حجة لإلغاء جولة التفاوض مع قسد في باريس". واتهم دمشق بالرضوخ لـ "ضغوط تركيا"، مضيفاً: أنقرة تريد حلاً وفق رؤيتها وعلى مقاسها، لذا تعرقل الحوار ما بين دمشق و"قسد".

في السياق، قال رزكار قاسم، ممثل "مجلس سوريا الديمقراطية" (الجناح السياسي لقسد) في ألمانيا، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المؤتمر الذي عقد الجمعة "يصب في اتجاه سورية الجديدة"، مطالباً "السلطة الانتقالية" في دمشق بـ"ألا تمارس السياسة بمزاجية وردات الفعل بأوامر من تركيا". كما طالبها بـ"التخلي عن استخدام لغة التهديد والوعيد، واستبدالها بلغة الحوار والاستمرار في المفاوضات مع الإدارة الذاتية وقوات قسد"، مؤكداً أن الأخيرة "لن تتراجع عن الحوار والمفاوضات التي هي الطريق الوحيد للوصول إلى حلول واقعية". واعتبر موقف دمشق من المؤتمر "حجة للتراجع عن اجتماع باريس"، مشيراً إلى أنها تراجعت عن اجتماع كان مقرراً الشهر الماضي بـ"أوامر تركية".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows