
تدفع الأفغانيات العائدات من إيران ثمن الترحيل القسري ووزر العيش في مخيمات بائسة، أضف إلى ذلك حرمانهنّ من الميراث واختيار الشريك، وحتى الحديث عن معاناتهنّ. لكن الإشكالية الأكبر تبقى في فقدانهنّ حق التعليم والدراسة.
بينما تتواصل حشود اللاجئين الأفغان العائدين من إيران إلى بلادهم، تتكشف المعاناة الكبيرة التي يقاسيها كل فرد منهم، سواء لناحية التعرض للاعتقال أو لناحية الخسارة المادية وضياع الوظائف والأعمال. غير أن المرأة الأفغانية تبقى الوجه الإنساني الأكثر حضوراً رغم أنها الأكثر تغييباً في وسائل الإعلام.
ففي وقت تعاني فيه المرأة الأفغانية مأساة الترحيل ذاتها التي يعانيها الرجل، لكنها تدفع الثمن بشكل أكبر، فهي الزوجة والأم واللاجئة والمعيلة في بعض الأحيان، وهي الضحية في الوقت ذاته، كونها محرومة من الميراث وحق التعليم، ومن اختيار شريك حياتها، بل حتى من الحديث عن معاناتها. وعلى الرغم من أن الرجل يتحمل الصعاب في الداخل الإيراني قبل وصوله إلى دياره، وطيلة طريق العودة إلى البلاد، لكنه يأمل في أن يجد عملاً وتتحسن أوضاعه المعيشية، ويطمح الشباب بدورهم إلى الالتحاق بمقاعد الدراسة، بينما لا تملك المرأة أي أمل في التعليم أو العمل، أو في تحسين ظروفها الاجتماعية، فهي بلا حماية، بلا صوت وبلا خيار.
تقول زرغونه إنعام الله، اللاجئة الأفغانية التي عادت من إيران مع أفراد أسرتها في 25 يوليو/ تموز الماضي: "تبدأ معاناة المرأة الأفغانية في إيران باقتحام عناصر الشرطة منازل اللاجئين، عادة خلال الليل أو في وقت مبكر، حين تكون المرأة وأولادها نائمين، تلك اللحظات تؤثر كثيراً في نفسيات الأطفال والنساء. ويُعد هاجس الخوف والمداهمة من أسوأ ما تمر به المرأة الأفغانية. كذلك تتم في ضوء النهار مداهمة ورش العمل والأسواق، ويُعتقل اللاجئون، من نساء ورجال".
تضيف زرغونه لـ"العربي الجديد" أنها كانت نائمة في منزلها بمدينة مشهد عندما طرقت عناصر الشرطة الباب في الصباح الباكر، فاستيقظت ومنعت زوجها من فتح الباب، بل ذهبت بنفسها وأكدت للعناصر عدم وجود أي أحد في المنزل سوى الأولاد، وهم نائمون. لكن عناصر الشرطة لم تقتنع، داهمت المنزل ورأت الزوج والأولاد، فاعتقلتهم جميعاً واقتادتهم باتجاه مركز أمني، حيث بَقُوا يومين. وفي اليوم الثالث تم ترحيلهم، وها هي اليوم تعيش مع أسرة زوجها داخل خيمة في مخيم بالقرب من الحدود الإيرانية - الأفغانية، حيث تنعدم مقومات الحياة من إيواء كريم وملابس وغيرها.
تستذكر زرغونه منزلها في إيران الذي كان مليئاً بالأثاث، وتقول: "كان زوجي يعمل في الخياطة، وكنتُ أشتري ما أحتاج إليه، وحتى ما لا أحتاج إليه من أجل تزيين المنزل، لكن عندما أُجبرنا على الخروج لم نأخذ سوى بعض الملابس، رغم أنني توسلت كثيراً لعناصر الشرطة من أجل جمع مقتنياتنا، لكنها رفضت، وكانت تضرب زوجي كلما أصررنا على البقاء. مع الأسف تعاملت معنا عناصر الشرطة كأننا وحوش أو حيوانات، لم تعتبرنا أصلاً بشراً، وفي المركز الأمني تعاملوا معنا بقسوة كما كانوا يتعاملون مع الرجال".
أما الطالبة طاهره صادق فكانت تتابع دراستها في الصف العاشر بإحدى مدارس مدينة مشهد، قبل أن يتم ترحيلها رفقة أسرتها. وإذ تبدي عدم اكتراثها لكل ما حدث معها أو مع أسرتها في إيران، وحتى في طريق العودة، تتحدث بخوف عن مستقبلها ودراستها. وتقول لـ"العربي الجديد": "كانت العودة في غاية الصعوبة، كما أن العيش في الخيام أمر صعب ومرير بحد ذاته، لكن مستقبلي وتعليمي هما الأهم. ورغم أننا عدنا، لا يسمحون لنا بالتعلّم، وهذا أكثر ما يحزّ في قلبي، فالدراسة هي حياتي، وأتوق إلى أن أصبح طبيبة. كان أحد أهداف أسرتي خلف البقاء في إيران متابعة دراستي ودراسة أخواتي وإخواني. أما في ما يخص عمل والدي، فبإمكانه الحصول على عمل آخر في بلاده، وإن لم يحظَ بأي فرصة، يمكننا بيع منزلنا في العاصمة كابول، وأرضنا في ولاية قندوز (شمالي البلاد)، لكن ماذا يمكننا أن نفعل في ما يخص الدراسة؟ إنها مسألة شائكة تقلقني ولا أغفو بسببها. لا أريد الحياة من دون تعليم، ولا أريد البقاء داخل جدران منزل أو مخيم، مصيرنا مجهول ومستقبلنا غامض".
وتوضح صادق أنها قبل سيطرة حركة طالبان كانت تصرّ وتطلب من والدها العودة إلى أفغانستان رغم المشكلات العديدة وانعدام الأمن، كونها تحب بلادها وتشتاق إلى لقاء أقاربها. لكن بعد سيطرة طالبان وإغلاق المدارس والجامعات بوجه الفتيات والشابات، رفضت قرار والدها بالعودة، وأقنعته بالبقاء في إيران.
ويقول الناشط الأفغاني عبيد الله إمام الدين لـ"العربي الجديد": "إن كل ما واجهه الأفغان من مشكلات في إيران ينسونها عندما يرون حفاوة استقبال أبناء بلادهم لهم، أضف إلى ذلك الأمن والأمان، لكن القضية الوحيدة التي تحزن جميع الآباء والأمهات تبقى مسألة تعليم الفتيات والشابات. الكل مستاء، فقد كان التعليم أهم هدف لديهم في إيران".
ويضيف المتطوع في مخيمات العائدين من إيران: "رأيتُ تلميذات وطالبات كنّ يدرسن في الثانويات والجامعات، أجبرهنّ قرار الترحيل على ترك الدراسة، ولا أمل لديهنّ بمتابعة تعليمهنّ في أفغانستان. مع الأسف، تنعدم أي بوادر قد تشير إلى سماح طالبان بفتح أبواب المدارس والجامعات أمام الفتيات والشابات".
