سكان الفاشر... الموت يطارد آلاف السودانيين المحاصرين
Arab
3 hours ago
share

منذ اندلاع الحرب في منتصف إبريل/ نيسان 2023، نزحت السودانية مروة خميس (48 سنة) عدة مرات، آخرها من مخيم أبو شوك القريب من مدينة الفاشر إلى منطقة روكيرو التابعة لمحلية طويلة في جبل مرة شمال دارفور، على أمل أن تكون هذه رحلتها الأخيرة على درب النزوح.

في المرة الأولى نزحت خميس، الأم لأربعة أطفال، من قرية نائية إلى مدينة الفاشر، وبعد اشتداد المعارك داخل المدينة، نزحت إلى مخيم أبو شوك، وفي مايو/ أيار الماضي، أُجبرت على النزوح للمرة الثالثة إلى جبل مرة الخاضع لسيطرة حركة عبد الواحد محمد نور المتمردة منذ 2003. نجت من انتهاكات الدعم السريع التي لحقت بالنازحين في أثناء فرارهم، وكابدت معاناة الجوع والعطش والخوف في أثناء رحلة نزوح استغرقت ستة أيام قطعتها ما بين السير على قدميها، واستخدام وسائل نقل بدائية.

تحلم مروة حالياً ببدء حياة جديدة بعد المخاطر التي خاضتها خلال العامين الماضيين، ومقتل طفلها الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره. تقول لـ"العربي الجديد": "تحملت المشقة من أجل النجاة بأطفالي الذين خسرت أحدهم خلال غارة جوية على الفاشر في العام الماضي. قطعنا نصف المسافة بين الفاشر وجبل مرة سيراً على الأقدام، واستأجرنا حميراً لإكمال الطريق، ووصلنا في حالة من الجوع والعطش والإعياء".

في جبل مرة حصلت مروة وأطفالها على الأمن الذي كانوا يفتقدونه في الفاشر، لكنهم لم يحصلوا على الطعام، ولا المأوى. تقول: "الجميع هنا جوعى، وينامون في العراء ملتحفين السماء. معاناة الحصول على الطعام ومياه الشرب والعلاج متواصلة، لكن يتوفر لنا بعض الأمن".

كانت السودانية حواء يعقوب أقل حظاً، فبينما وصلت بأطفالها إلى المنطقة الآمنة من إقليم دارفور، وقع زوجها أسيراً لدى قوات الدعم السريع في أثناء محاولتهم مغادرة الفاشر. وتقول لـ"العربي الجديد": "في الحاجز العسكري الأول جُرِّدنا من أغراضنا الشخصية، وفي الحاجز الثاني اعتقلوا زوجي. ربما لأنهم لم يجدوا معنا شيئاً يفيدهم".

وفي الفترة بين إبريل/ نيسان 2024 ويونيو/ حزيران الماضي، بلغ عدد المخيمات الجديدة في منطقة طويلة وروكيرو خمسة مخيمات، تجاوز عدد النازحين فيها 1.3 مليون نازح. ويقول عضو في منظمة محلية تنشط وسط النازحين، طلب عدم ذكر اسمه، إن "النازحين يتوافدون على المنطقة في حال بائسة، ويحتاجون إلى المعينات الضرورية كالطعام والكساء والعلاج ومياه الشرب، ومعظمهم تعرضوا لانتهاكات خطيرة، وبعضهم قُتل أفراد من أسرتهم، أو جُردوا من ممتلكاتهم".

ويكابد نحو 490 أسرة في مخيم "دبة نايرة" بمحلية طويلة، الذي أُنشئ حديثاً، ظروفاً إنسانية معقدة، حيث تقيم هذه الأُسر في خيام من القماش والحطب، وتحصل على الطعام من التكايا الخيرية، والطعام لا يكفي أعداد النازحين الذين يتدفقون يومياً. وتصف نازحة من مخيم أبو شوك، حواء جبريل، وهي أم لخمسة أطفال، الأوضاع في المخيم بأنها كارثية، إذ يفتقر إلى الخدمات الضرورية، خصوصاً مياه الشرب ودورات المياه والعيادات الطبية. وتقول لـ"العربي الجديد": "الطعام الذي يوزعونه قليل، وظروف النازحين مأساوية، رغم جهود المسؤولين المحليين لتوفير الغذاء والرعاية الطبية لآلاف الأُسر التي تقيم في خيام بسيطة".

تتابع جبريل: "لا توجد مواد نصنع منها الخيام، ولذلك نستخدم ثيابنا القديمة والقليل من الأغطية التي نمتلكها، لكنها لا تحجب الشمس، ولا تحمي من الأمطار، وتزداد المصاعب مع نقص المواد الغذائية، وعدم توفر الرعاية الصحية، فالعيادات تعمل بجهود المنظمات الأهلية، وقدراتها أقل من أعداد الأشخاص الذين يصلون، وبعضهم يعانون من أمراض مثل سوء التغذية، أو من إصابات بالغة تعرضوا لها خلال الطريق، أو في أثناء فترة الحصار في الفاشر".

وبينما يتفشى الجوع وتنتشر الأمراض بين النازحين في منطقة جبل مرة، يسعى آلاف المحاصرين في الفاشر للنزوح نحوها بحثاً عن بعض الأمان النسبي، بيد أن الإجراءات الانتقامية التي تشمل القتل والاغتصاب على طُرق النزوح تعوق حركة كثيرين، أو تجبرهم على البقاء تحت الحصار في المدينة التي تفشى فيها الجوع، وأمراض مثل الكوليرا وسوء التغذية.

من مخيم زمزم الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع في فبراير/ شباط الماضي، تقول النازحة مستورة أبكر، وهي أم لستة أطفال لـ"العربي الجديد": "لم يتبقّ لدينا ما نأكله، ونتناول وجبة واحدة في اليوم. إذا لم تقتلنا قذائف المدافع والطائرات، فسيقتلنا الجوع، وبدأ الموت يحصد الأطفال الصغار الذين لا يستطيعون مقاومة الجوع، وأطفالي يعانون سوء التغذية".

بقيت أم كلثوم محجوب في الفاشر، وتقول لـ"العربي الجديد": "نريد مغادرة المدينة التي تحولت إلى ساحة معركة، لكننا نخاف على أولادنا وأزواجنا من القتل إذا عبروا حواجز الدعم السريع التي يقيمها على أطراف المدينة، ونعيش ظروفاً قاسية بسبب ندرة السلع ونفاد مدخراتنا المالية واستمرار القصف اليومي".

بدوره، يقول الناشط في غرف الطوارئ بالفاشر، محمد إسحاق، لـ"العربي الجديد": "يرغب سكان الفاشر في مغادرة المدينة، لكنهم يخشون الانتهاكات التي ترتكب ضدهم في الطريق من قبل المسلحين. تكرر قتل النازحين، أو الاستيلاء على ممتلكاتهم، واغتصاب النساء، ما يجبر المواطنين على تفضيل البقاء تحت الحصار على مغادرة المدينة، رغم نفاد المواد الغذائية الضرورية للحياة".

وبسبب ندرتها، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في الفاشر إلى أعلى مستوياتها منذ منتصف يونيو/ حزيران الماضي، إذ وصل سعر جوال الذرة إلى نحو 3 ملايين جنيه سوداني (1000 دولار)، وكيلو السكر إلى نحو مائة ألف جنيه (37 دولاراً)، وكيلو الطحين إلى 40 ألفاً (15 دولاراً) ولتر زيت الطعام إلى 30 ألفاً (11 دولاراً)، وإلى جانب غلاء أسعار المواد الغذائية وندرتها، يعاني المدنيون المجبرون على البقاء في الفاشر القصف اليومي.

ولا تضع الأطراف المتقاتلة اعتباراً لسلامة السكان الذين يعيشون تحت الحصار في الأحياء والمخيمات القريبة من المدينة، التي أصبحت جبهة مواجهة عسكرية مفتوحة على أسوأ الاحتمالات. يقول محمد هارون، من الفاشر لـ"العربي الجديد": "القصف موجه عادة إلى المناطق السكنية من قبل طرفي الحرب، ولأن المنازل لحقت بها أضرار بالغة، بدأ السكان حفر خنادق بمساحات وأعماق مختلفة، وهم يهرعون إليها عندما يبدأ القصف المدفعي أو تحليق المسيَّرات في سماء المدينة".

ولأن جلّ ما تبقى من المحاصرين داخل المدينة هم من سكان الأحياء الشعبية، ومنازلهم متواضعة، ولا تحميهم من القصف أو الرصاص الطائش، ابتدع السكان فكرة حفر الخنادق في الطرق والميادين العامة، كي يهرعوا إليها كلما بدأت الاشتباكات بين الطرفين المتقاتلين.

ويوضح محمد هارون، قائلاً: "يُحفر الخندق بعمق مترين إلى ثلاثة أمتار من أجل استيعاب أكبر عدد من الناس، وحتى لا تخترقه القذائف عادة ما يُسقف بأعواد الأشجار، أو المواسير الحديدية والزنك، ثم يُغطى بجوالات ممتلئة بالتراب، ويكون مدخل الخندق في الاتجاه المعاكس لاتجاه القصف الذي يأتي عادة من شرق المدينة وشمال شرقها".

وخلال الفترة الأخيرة، شددت قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني وعدد من المجموعات القبلية المسلحة المتحالفة معه حصارها على المدينة، واقتربت من الفرقة السادسة، وهي المقر الرئيس الذي يتحصن فيه ما تبقى من قوات الجيش في إقليم دارفور الذي يضم خمس ولايات.

ووفقاً لعدد من المواطنين الذين تحدثوا مع "العربي الجديد"، فإن سكان الأحياء الواقعة في خط المواجهة بدؤوا موجة نزوح إلى أطراف المدينة المحاصرة منذ ما يقرب العامين. وكان من المُقرر تنفيذ هدنة لمدة سبعة أيام جرى التوافق عليها بين الحكومة السودانية والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يوم الأحد الماضي، لكن قوات الدعم السريع لم تلتزم بها، وواصلت المعارك في المدينة، معتبرة أن الهدنة تمنح الجيش فرصة لترتيب أوضاعه، وإدخال السلاح إلى مقره المحاصر.

وتفاقم الوضع المعيشي داخل مدينة الفاشر المحاصرة وفي منطقة طويلة بجبل مرة، حيث أعلن والي ولاية شمال دارفور الحافظ بخيت عن نفاد كل السلع والمواد الغذائية في داخل الفاشر، بينما تفشت الكوليرا بصورة واسعة في منطقة طويلة، وقد تم تسجيل أرقام مُقلقة وسط النازحين الذين فروا من الفاشر إلى طويلة.

وبحسب آدم رجال الناطق باسم مفوضية النازحين واللاجئين أن عدد الإصابات حتى 31 يوليو/ تموز بلغت 2571 حالة بينها 46 حالة وفاة، وقال رجال لـ"العربي الجديد" إن معدل الإصابة اليومي يراوح ما بين 100 و200 حالة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows