Not Just a Goof: الحكمة الآتية من أكثر الشخصيات "بلاهة"
Arab
2 hours ago
share

في الرابع من مايو/أيار من عام 2024، عُرض الفيلم الوثائقي Not Just a Goof لأول مرة في مهرجان DocLands السينمائي، لكنه لم يصل إلى الجماهير العريضة إلا في السابع من إبريل/نيسان 2025، عندما أُطلق على منصة ديزني بلس، تزامناً مع حلول الذكرى الثلاثين لصدور فيلم A Goofy Movie الذي أُطلقت عروضه عام 1995. هذا الفيلم الوثائقي، من إخراج كريستوفر نينيس وإريك كيميلتون، يحفر في قصة الفيلم الكلاسيكي الذي بدأ تجربةً متواضعة في ظل عصر النهضة الذهبية لـ"ديزني"، ليتحول لاحقاً إلى ظاهرة ثقافية ذات قاعدة جماهيرية عابرة للأجيال.

منذ ظهوره في ثلاثينيات القرن الماضي جزءاً من ثنائي "ميكي ماوس" الكوميدي، ظل "غوفي" شخصيةً هزلية بامتياز، تعتمد على الفوضى والحركات المبالغ فيها. لكن في منتصف التسعينيات، تحولت هذه الشخصية الكارتونية إلى رمزٍ لعلاقة الأب والابن في فيلم A Goofy Movie، إذ مزجت بين الكوميديا والدراما العائلية.

قاد الفنان والمخرج كيفن ليما (خريج CalArts ومصمم شخصيات أفلام مثل الحورية الصغيرة والجميلة والوحش) تحوُّل "غوفي" من مجرد شخصية هزلية إلى أبٍ يعاني من علاقة مضطربة مع ابنه المراهق "ماكس". هذا التحول الجذري جعل الفيلم يحمل رسالة إنسانية عن الأبوة والهوية، وهو ما لم يكن متوقعاً حينها من فيلم يُفترض أنه موجه إلى الأطفال. اللافت هنا هو الطريقة التي يعيد بها المخرجان الجديدان ربط الماضي بالحاضر، ليس فقط من خلال المقابلات والأرشيف، بل عبر لغة سينمائية تعكس احتراماً عميقاً لفن الـ"أنيميشن" بوصفه وسيطاً قادراً على نقل المشاعر الإنسانية المعقدة.

في أوائل التسعينيات، كانت "ديزني" في ذروة نجاحها مع أفلام مثل "الأسد الملك" و"بوكاهونتس". كان A Goofy Movie مشروعاً منفصلاً، بقيادة فريق صغير وميزانية محدودة. أراد ليما صنع فيلم يعكس روح أفلام جون هيوز وروح قصة كتاب الأدغال (القصة التي جعلته يريد أن يصبح صانع أفلام)، لكن برسوم متحركة. الفكرة كانت جريئة، لكن الاستديو قابل هذه الفكرة بتردد؛ إذ خشي أن يفقد الجمهور ارتباطه بالشخصية الكوميدية.

في قلب A Goofy Movie، تكمن قصة بسيطة تشبه الحكايات التي تُروى قبل النوم: أبٌ يحاول أن يفهم ابنه، وابنٌ يحاول أن يجد نفسه بعيداً عن ظل والده. هذه الحبكة، رغم كونها عالمية، تعيد صياغة أسطورة الصراع بين الأجيال التي نجدها في التراث الشعبي. كان رئيس استوديوهات "ديزني" آنذاك، جيفري كاتزنبرغ، شخصية محورية في صناعة الفيلم. من ناحية، هو من طلب إضافة المقالب الكوميديّة إلى القصة بعد رفضه النسخة الأولى لتركيزها على الأكشن الهزلي. ومن ناحية أخرى، اقترح فكرة غريبة، وهي استبدال صوت "غوفي" التقليدي (الذي أداه بيل فارمر) بصوت الممثل الكوميدي ستيف مارتن. لحسن الحظ، رفض ليما الفكرة بعد تجارب أداء أثبتت أن صوت فارمر القادر على إظهار العاطفة كان الأفضل.

يستخدم الوثائقي Not Just a Goof لغة بصرية ذكية لربط هذه الأجيال المتتالية من رسامي الأنيميشن، فنرى مشاهد من الأرشيف تُعرض إلى جوار رسوم متحركة جديدة تُنتجها استوديوهات فينتوريا، وذلك ساهم في خلق حوار بين التقنيات القديمة والحديثة. في إحدى اللحظات البارزة، نرى كيف أن تقنية التسجيل الصوتي التي أجبرت الممثلين على الأداء معاً كما لو أنّهم يؤدون مسرحية بدلاً من التسجيل المنفصل، أصبحت مصدر إلهامٍ لفناني اليوم الذين يبحثون عن الأصالة في عصر الدبلجة الرقمية. بميزانية لا تتجاوز 28 مليون دولار (مقارنة بـ45 مليوناً لـ"الأسد الملك")، واجه الفيلم حينها عقبات كبيرة، بدايةً من فريق متفرق، إذ إن جزءا من الرسوم المتحركة أُنجز في باريس في استديوهات منفصلة، ما تطلب إرسال أشرطة فيديو بالبريد لتوضيح التعليمات بسبب صعوبة التواصل، ثم كارثة فنية حدثت، عندما اكتشف الفريق أن بكسلاً معطوباً في إحدى الشاشات أفسد كل المشاهد، ما أجبرهم على إعادة تصوير الفيلم كاملاً.

في Not Just a Goof نكتشف أن A Goofy Movie لم يكن مجرد فيلم رسوم متحركة، بل كان محاولةً لإعادة تخيل شخصية كلاسيكية في إطار عصري. هذا التحول لم يحدث من فراغ؛ ففريق الفيلم استمد الإلهام من مصادر متنوعة، كالتراث الكلاسيكي في تصميم شخصية "باورلاين" التي صممت على نمط نجوم البوب مثل مايكل جاكسون وبرنس، والقصص الشعبية كالعلاقة بين "غوفي" وابنه "ماكس"؛ حيث تعيد إنتاج ثيمات موجودة في حكايات مثل الأب وابنته في قصة "بياض الثلج"، أو حتى في الأساطير اليونانية التي تتناول صراع الأبناء مع آبائهم، وصولاً إلى الخيال المعاصر كالأغاني والمشاهد الموسيقية.

الفيلم يذكرنا بأن القصص الأكثر تأثيراً هي تلك التي تجد طريقةً لربط الأساطير القديمة بتجاربنا الحديثة، وهذا بالضبط ما تفعله السينما العظيمة، تأخذ الحكايات الشعبية البسيطة وتعطيها روحاً جديدة، لتظل تتحدث إلينا عبر الزمن. وفي الوقت نفسه، هي حكايات تُروى قبل النوم، بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها دروساً عن الحب والصراع والمصالحة. وبعد ثلاثين عاماً، لا يزال A Goofy Movie يذكرنا بأنه حتى أكثر الشخصيات "بلاهة" يمكن أن تخفي بداخلها حكمةً خالدة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows