
تُواصل الجهات المعنية في محافظة حلب جهودها لمكافحة تهريب الآثار واسترداد القطع المنهوبة، في مسعى لحماية ما تبقى من التراث الثقافي السوري، الذي تضرّر بفعل الحرب والفوضى الأمنية التي أعقبت انهيار النظام السابق. وفي هذا السياق، باشرت لجنة متخصصة من مديرية الآثار والمتاحف في حلب إجراء خبرة أثرية دقيقة على مجموعة من القطع التي جرى تسلّمها منتصف يوليو/تموز الماضي عبر معبر جرابلس الحدودي، بهدف تحديد السياق التاريخي والحضاري لكل قطعة على حدة. وقد بلغ عدد القطع المستعادة نحو ألف قطعة أثرية، تنوّعت بين فخاريات، وأوانٍ زجاجية، وتحف برونزية، وتماثيل حجرية، كانت جميعها مهدّدة بالتهريب إلى خارج البلاد.
ورأى خبير الآثار أسامة الرفاعي أن هذه الخطوة "أساسية لفهم القيمة العلمية والتاريخية للقطع المستعادة"، موضحاً أنّ عملية الخبرة لا تقتصر على تحديد زمن القطعة أو مادتها الخام، بل تمتد إلى تحليل الزخارف والرموز والأساليب التقنية المستخدمة في صناعتها، ما يتيح استخلاص مؤشرات دقيقة حول البيئة الثقافية التي نشأت فيها.
وشدّد الرفاعي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، على أنّ "توثيق القطع وتصنيفها بشكل علمي لا يُعدّ مجرّد خطوة أرشيفية أو متحفية، بل يمثل جهداً معرفياً يساعد في إعادة تركيب المشهد الأثري والتاريخي للمناطق التي تعرّضت لعمليات تنقيب غير شرعي ونهب منظّم خلال سنوات النزاع". ولفت إلى أنّ المعلومات المستخلصة من القطع يمكن أن تُستخدم لاحقاً في أبحاث أكاديمية، أو حتى في قضايا قانونية تتعلق باسترداد آثار سورية مُهرّبة، مؤكداً في الوقت ذاته ضرورة تعزيز قدرات المؤسسات المحلية في مجالي التوثيق والحفظ، وتطوير قاعدة بيانات وطنية موحّدة للقطع الأثرية المستردّة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عمليات التنقيب العشوائي عن الآثار تفاقمت بشكل غير مسبوق بعد عام 2011، نتيجة الفراغ الأمني وغياب الضوابط الرسمية، ما ألحق خسائر فادحة بالهوية الثقافية السورية، بحسب ما أكدته تقارير محلية ودولية.
وأفادت مصادر من وزارة الثقافة بأنّ المديرية العامة للآثار والمتاحف، وبالتنسيق مع جهات أمنية ومجتمعية، نجحت خلال الفترة الماضية في إحباط عشرات محاولات تهريب للقطع الأثرية، وتمكّنت من إعادة العديد منها إلى المتاحف الوطنية. واعتبرت المصادر أن "التحديات لا تزال كبيرة، لكن النجاح في استعادة هذه القطع يُعدّ مؤشراً إيجابياً على إمكانية حماية ما تبقى من الذاكرة الحضارية لسورية، إذا ما تضافرت جهود الدولة والمجتمع المدني معاً".

Related News
