متى يصبح الموقف السياسي عبئاً على الإبداع؟
Arab
16 hours ago
share

بينما كان الممثل الإسباني جوزيب ماريا بو يؤدي دور شخصية الكاتب البريطاني روالد دال في مسرحية "عملاق"، على خشبة مسرح روميا ببرشلونة، ويخوض مونولوجاً داخلياً وخارجياً عن معنى الإدانة، وتوقيت الاعتذار، وحدود الصوت الأدبي عندما يُطالب المثقف بموقف واضح. في الخارج، كانت منصة إكس (تويتر سابقاً) في إسبانيا تمتلئ بخلاف من نوع آخر، لكنه يعيد طرح القضايا نفسها: خلاف بين المصمم ميغيل أدرُوفر والمغنية العالمية روساليّا، بعد أن رفض الأول تصميم زيّ خاص لها بسبب "صمتها" حيال المجازر الجارية في غزة، قبل أن تنشر لاحقاً إدانة صريحة للعدوان، مرفقة بشكوك عميقة في الطريقة التي يُدار بها التضامن اليوم.

"إن عدم استخدام منصتي بالطريقة المتوقّعة لا يعني أنني لا أدين ما يحدث. أعتقد أنّ اللوم يجب أن يُوجّه إلى الأعلى"، تصريح الفنانة العالمية روساليّا يعبّر عن مناخ أخلاقي مشحون، وفيه نقد ضمني لمنظومة رمزية تطالب الفنان بأن يتحوّل إلى منصة تأكيد جماعي، لا صوتاً فردياً. أي أن المعضلة لم تعد: هل يجب أن تُدين أم تصمت؟ بل: ما الذي يُطلب منك أن تقوله؟ وبأي صيغة؟ ولمن؟

العرض المسرحي الذي واكب زمنياً هذا الخلاف وانتهت عروضه أول أمس، كتبه مارك روزنبلاك وأعدّه للمسرح جوزيب ماريا ميستريس، وفيه نعيش لحظة سابقة زمنياً لكنها شديدة الحداثة في دلالتها. فهو يدور حول الجدل الذي أثاره الكاتب البريطاني روالد دال بعد نشره مقالاً ينتقد فيه سياسات إسرائيل العسكرية خلال اجتياح لبنان. حينها أثارت المقالة زوبعة إعلامية واتهامات بمعاداة السامية، ما دفع محيطه المهني والعائلي للضغط عليه للاعتذار، تحديداً لأن موعد نشر روايته الجديدة "الساحرات" كان يقترب.

هل نحاكم الفن بأثر رجعي، أم نفترض أن الزمن يعيد تفسير كل شيء؟
 

الجميل في المسرحية أنها لا تسعى إلى تبرئة دال ولا إلى إدانته، بل تقدّم نقاشاً طويلًا وعميقاً ومليئاً بالانزلاقات الأخلاقية، حول متى يصبح الموقف السياسي عبئاً على الإبداع، ومتى يتحوّل الصمت إلى عار. ما لم يُقل على الخشبة، هو أن هذا الجدل لم يكن النهاية بالنسبة لدال، بل مجرّد فصل قديم أُعيد فتحه بعد أربعين عاماً، حين نشرت أسرته وشركة إدارة إرثه الأدبي بيان اعتذار عام 2020 عن تصريحاته القديمة. وكأن الاعتذار المتأخر، المسجّل على موقع إلكتروني، بات ضرورة من ضرورات البقاء الرمزي. 

لكن المثير أكثر أن الشركة نفسها بدأت بعد الاعتذار بمراجعة النصوص الأصلية لدال لتخفيف لغتها، وإزالة بعض الصفات أو التلميحات التي قد تكون صادمة للقراء الجدد. تغييرات مثل استبدال "سمينة" بـ"ضخمة"، أو إفراغ شخصيات الساحرات من إيحاءاتها السلبية. هذه المحاولات لتنقية الأدب، وإن كانت بحسن نية، تطرح سؤالاً شائكاً: هل نعدّل النصوص أم نعدّل قراءتنا لها؟ هل نحاكم الفن بأثر رجعي، أم نفترض أن الزمن يعيد تفسير كل شيء؟

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows