تحالفات مدنية في العراق بلا آمال لانتخابات بلا حافز
Arab
1 hour ago
share

يستعدّ المدنيون المنتمون إلى الأحزاب الناشئة وغيرها من الحركات العلمانية والليبرالية في العراق لخوض الانتخابات البرلمانية المقرّرة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على الرغم من أنّ معظم جماهير الأحزاب المدنية يركنون في خانة المقاطعين. ولم تعد تربط هذه الجماهير مع سياسة العراق الحالية، غير حسّ المعارضة ونفس التندّر من قرارات وطريقة إدارة الدولة، في ظل استمرار الأحزاب التقليدية بإمساك مقاليد الحكم عبر آلية تدوير الوجوه وتقسيم الوزارات وتقاسم الحصص.

وتقع خريطة الأحزاب المدنية التي ستخوض الانتخابات في العراق ضمن تحالفين؛ الأول هو تحالف "حلول" الذي يرأسه المستشار الفني لرئيس الوزراء العراقي، محمد صاحب الدراجي، وهو رئيس حزب "المهنيين للإعمار"، ويضمّ حركة "نازل آخذ حقي" وحزب "أمارجي". هذا التحالف جديد في العراق ولا يحظى باهتمام كبير بل إنّ قادته يُعتبرون من الشخصيات التقليدية التي سبق أن اتهمها نشطاء بأنها جزء من النظام الذي احتجوا ضدّه، عدا عن كون رئيس حركة "نازل آخذ حقي" مشرق الفريجي، كان قد شارك في الانتخابات السابقة ولم يفز، فيما لا يُخفي علاقته المتينة برئيس الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني.

أما التحالف الثاني، فهو "البديل"، الذي يتزعمه رئيس حركة الوفاء، محافظ النجف الأسبق، عدنان الزرفي، المعروف بمناوأته الشديدة للفصائل المسلّحة، وملاحظاته القاسية ضدّ الحكومات المتعاقبة. وسبق أن رُشح الزرفي لرئاسة الوزراء إلّا أنه انسحب بسبب عدم حصوله على تأييد سياسي. ويضم "البديل"، حزب "الاستقلال" الذي يقوده عضو البرلمان العراقي سجاد سالم، والحزب الشيوعي العراقي، وحزب "البيت الوطني"، والحركة المدنية الوطنية التي تتزعمها النائبة السابقة شروق العبايجي، ويصنف هذا التحالف نفسه بأنه معارض للحكومة ولإدارة الأحزاب التقليدية للبلاد. في المقابل، فإنّ حراك "البيت العراقي" وحزب "الخط الوطني" لن يشاركا في الانتخابات، فيما يغيب موقف المشاركة من عدمها لحزب "شروع" الذي يديره الناشط أحمد وشاح.

اهتمام شعبي ضعيف

هذه العناوين الكثيرة للأحزاب والحركات جميعها، لا تحظى باهتمام عراقي كبير، بل إنّ غالبيتها تكاد تكون من دون إدارة واضحة أو تنظيمات شعبية، كما هو الحال مع حزب "أمارجي" الذي يقوده رجل الأعمال قصي محبوبة، وحزب "البيت الوطني" الذي ذاع صيته عقب انتهاء احتجاجات تشرين عام 2019. وشهد "البيت الوطني" خلافات داخلية إثر تمسك الناشط حسين الغرابي بقيادة الحزب رغم اعتراض رفاقه ومطالبتهم بإزاحته عن المنصب، إلّا أنه بقي متمسكاً به، ما دفع عشرات الناشطين إلى الانسحاب من الحزب، ولم يعد له أي تأثير. أما الحزب الشيوعي العراقي فقد تذبذبت مواقفه كثيراً خلال السنوات الأربع الماضية، ما بين مقاطعة الانتخابات ثم المشاركة فيها، ورغم ذلك فإنّ الحزب يعاني من انسحابات متوالية لأعضائه.

من المتوقع أن تكون المشاركة في الانتخابات المقبلة الأدنى منذ العام 2005

عموماً، فإنّ الاهتمام الشعبي بالانتخابات ضعيف، بل وفق مراقبين من المتوقع أن تكون المشاركة في الانتخابات المقبلة الأدنى منذ العام 2005، جرّاء الاستياء المتفاقم من جهة، واستخدام الأساليب الترويجية والدعائية ذاتها من جهة أخرى، ومنها التنابز الطائفي والفضائح والتهديد واستعمال أدوات السلطة من بعض الأحزاب، بالإضافة إلى استغلال حالات الفقر لشراء الأصوات بالمال السياسي، إلّا أن الأحزاب المدنية هي الأقل تمويلاً، لكنّها وقعت في أخطاء بنيوية، أبرزها فقدان التواصل مع السواد الأعظم من الشعب العراقي، الذي يمثل القوة الانتخابية الأكبر في البلاد، والاكتفاء بالظهور الإعلامي وإطلاق التعليقات الصاخبة.

وفاقم الإهمال الشعبي لملف الانتخابات، انسحاب "التيار الصدري" (التيار الوطني الشيعي) الذي يتزعمه مقتدى الصدر، الذي تصدر في انتخابات عام 2021 لكنه مُنع من تشكيل الحكومة. وإلى جانب انسحاب التيار الصدري، فقد انسحب أخيراً "ائتلاف النصر" برئاسة حيدر العبادي، فيما تتوقع بعض الأطراف الفاعلة في العمل السياسي المدني وغيره، انسحابات مرتقبة لأحزاب قد تجد نفسها أمام مشكلة عزوف الناخبين عن الانتخابات، وهي الأكبر بالنسبة للأحزاب.  على أرض الواقع، لم يعد هناك ذكر لحراك الأحزاب المدنية العراقية كما كان قبل بضع سنوات، خصوصاً بعد فشل تحالف "قيَم" في الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023.

وعلى الرغم من حصول التحالف على ستة مقاعد في تلك الانتخابات، لكن أياً من الفائزين لم يكونوا ضمن صفوف أي حزب من الأحزاب، ما أدى إلى تدهور تماسكه وتشتته والتخلي عن عقد أي اجتماعات، باستثناء لقاءات شخصية وفردية لا أهمية سياسية لها. وترى معظم شرائح الشعب العراقي أن الأحزاب المدنية الجديدة لا تختلف كثيراً عن الأحزاب التقليدية، من ناحية القدرة على التغيير وعدم الوضوح في الأهداف، بالإضافة إلى التشكيك الدائم في مصادر التمويل. ورغم مقاطعته الانتخابات السابقة، إلا أن الحزب الشيوعي يؤكّد أن المقاطعة في المرحلة الانتخابية "خيار غير صحيح" لأنه لا ينزع الشرعية عن النظام كما لا يخدم أهداف المشروع المدني في العراق. وبرأي سكرتير اللجنة المركزية للحزب، رائد فهمي، لـ"العربي الجديد"، فإنّ "الوضع السياسي الحالي يستدعي عدم مقاطعة الانتخابات المقبلة، بل التوجه على نحوٍ كبير نحو صناديق الاقتراع"، مؤكداً أن "أهداف معظم المقاطعين، وهم السواد الأعظم من الشعب العراقي، تنسجم وتتشابه مع أهدافنا، بالتالي فإنّ المقاطعين لو لجأوا إلى الانتخابات لتحقق ميزان جديد للوضع السياسي والبرلماني في البلد".

الأحزاب المدنية في العراق

من جهته، يتساءل الناشط السياسي من محافظة النجف، علي الحجيمي، "أين المرشحون من المدنيين الذين شاركوا في الانتخابات السابقة وفازوا بمقاعد في البرلمان"، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنهم "صاروا جزءاً من الرؤية السياسية التقليدية، بل إنّ كثيراً منهم تحالف مع الأحزاب والفصائل المسلّحة ورئيس الحكومة".

علي الحجيمي: التحالفات المدنية لا تعارض الأحزاب التقليدية في الحقيقة

ويقول إن "التحالفات المدنية الموجودة حالياً لديها خطوط تواصل مع الأحزاب التقليدية وهي ليست منقطعة عنها ولا تعارضها في الحقيقة، بل إنّ علاقتها مبنية على التنافس"، مشدداً على أنّ "في هذا إخلال وخذلان كبير للجمهور المدني الذين يتجه إلى التغيير، لأن الإصلاح ثبت أنه مهمة صعبة، لذلك نجد أغلب النشطاء في الحراك المدني صاروا على خصام مع الأحزاب المدنية". أما الباحث في الشأن السياسي العراقي، عبد الله الركابي، فيرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الخلل البنيوي للأحزاب المدنية أنها تتعامل مع الانتخابات على أنها الحل لمشاكل العراقيين، مع العلم أن الانتخابات باتت جزءاً من مشاكل السياسة"، والدليل في رأيه "ما حدث مع التيار الصدري صاحب الرقم الأعلى في النتائج السابقة، وهو الآن معزول عن العمل السياسي"، مضيفاً أن "الأحزاب المدنية لا تعي أن آليات الحكم في البلاد ليست بنتائج الانتخابات إنما بالسيطرة على القرار".

 عبد الله الركابي:  الأحزاب المدنية بلا جمهور، وستتعرض إلى احتيال سياسي من الأحزاب التقليدية

ولو أنّ الأحزاب المدنية عملت، وفق الركابي، على "خطوات تنموية وتعشيق وتشبيك مع الشعب، لتمكّنت من إحداث تغييرات جوهرية في الحكم، وليس على مستوى البرلمان فحسب"، ويشير إلى أن "النتائج المقبلة للمدنيين لن تكون جيّدة، لأن الأحزاب المدنية بلا جمهور، وستتعرض إلى احتيال سياسي من الأحزاب التقليدية سواء بالتراضي عبر المال، أو بالقوة والتهديد". وشهد العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003، خمس عمليات انتخابية، أولاها في 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقل من عام)، فيما كانت الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، واعتُمد قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة في النسخ الأربع الأولى. والانتخابات الأخيرة في عام 2021 أُجريت وفق الدوائر المتعدّدة، بعد ضغط قوي من الشارع و"التيار الصدري" لإجراء هذا التعديل الذي كان يعارضه "الإطار التنسيقي" الحاكم. وفي مارس/ آذار 2023، صوّت البرلمان على التعديل الثالث لقانون الانتخابات البرلمانية العراقية الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows