
أصدر قادة الحزب الجمهوري في ولاية تكساس الأميركية، أول من أمس الاثنين، مذكرات ملاحقة واعتقال بحق زملائهم الديمقراطيين في الولاية، الذين هربوا من تكساس، لتعطيل النصاب وعدم التصويت على مشروع قانون، يصب في مصلحة الجمهوريين. هذان الكرّ والفرّ، وأوامر الاعتقال، ليست غير مألوفة في تاريخ السياسة الأميركية، علماً أنها ترتبط بما يسمى بالتلاعب بالدوائر الانتخابية، لكنها اليوم، تبدو لافتة للنظر، نظراً لأنها تحمل طابعاً تحريضياً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما أنها في العادة، تلتزم بأوقات محددة، كأن يجري ترسيم الدوائر الانتخابية كل عشر سنوات، بعد تعداد سكّاني يجري مرة واحد كلّ عقد. اليوم، يبدو الاشتباك الانتخابي على أوجه بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، علماً أن القضية لا بتّ فيها حاسماً قانونياً، وهي مشرعة على العديد من التأويلات القانونية، لكنها في النهاية، ترسم بشكل دقيق صورة عن نوع من التلاعب الانتخابي يسمح به الدستور الأميركي، وقد يزداد حدة، بالتزامن مع محاولة ترامب الحدّ من الهجرة إلى البلاد، ووقف نزيف التغييرات الديمغرافية التي يحدثها تنامي الأقليات في البلاد، الذين يصوتون عادة للديمقراطيين.
ترسيم الدوائر الانتخابية... تلاعب قديم
وكلّما اقترب موعد الانتخابات في الولايات المتحدة، سواء أكانت الرئاسية كل أربعة أعوام أو النصفية لتجديد أعضاء الكونغرس كلّ عامين، يتحرك الحزبان المتنافسان الرئيسيان، على خط التجمعات الانتخابية، والكتل السكّانية البارزة، والمتغيرات الديمغرافية، في محاولة حثيثة للهيمنة على الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، والسيطرة على البيت الأبيض. ويدرك كلا الحزبين، أن هذه اللعبة، يلعب الفارق فيها أحياناً، بواقع عضو أو اثنين فقط في الكونغرس، وكذلك في الرئاسيات، حيث تكون أصوات ولايات بعينها هي بيضة القبّان، التي قد تحمل أحد الحزبين إلى الرئاسة. لكن كل ذلك يحتاج إلى أصوات ناخبين، كل عامين أو أربعة أعوام، بينها تدور في الأوقات المتبقية أخرى، معارك طاحنة، ومناورات سياسية طاحنة، لتبديل المعادلات.
ظلّ أكثر من 51 مشرّعاً ديمقراطياً في مجلس نواب تكساس الاثنين، خارج الولاية
وتدخل في صلب هذه المناورات، ما تسمى في الولايات المتحدة "أكبر عمليات فساد داخلية في النظام الانتخابي"، وهي عبارة عن "تغيير ترسيم (أو تلاعب) الدوائر الانتخابية" أو gerrymandering، الذي يسمح به الدستور الأميركي بناء على التعداد السكّاني الذي يجري كل عشر سنوات. واليوم، يحاول الجمهوريون في ولاية تكساس الجنوبية، المهيمنون على مجلس نواب الولاية، تمرير إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية في الولاية، بما يضمن زيادة عدد نوابهم في مجلس النواب الأميركي في واشنطن، في الانتخابات المقبلة، بواقع خمسة نواب إضافيين. وللعلم، فإن نواب تكساس في مجلس النواب بالكونغرس الأميركي، يبلغ عددهم بعد انتخابات العام الماضي، 38، من بينهم اليوم 25 جمهورياً، والباقون ديمقراطيون. ويطمح المشرعون الجمهوريون اليوم، في الولاية، بدعم من حاكم الولاية، غريغ آبوت، إلى إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية في الولاية، بما يضمن فوز الحزب بعدد أكبر من 25 نائباً في الانتخابات النصفية المقرّرة في خريف عام 2025.
ودفع هذا الأمر، المدعوم بقوة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، النواب الديمقراطيين في مجلس نواب الولاية، إلى "تعطيل النصاب"، وذلك عبر مغادرة حدود الولاية، لعرقلة تمرير مشروع إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية. وفي قانون الولاية، فإن بإمكان المجلس الدعوة إلى جلسات استثنائية لمدة شهر كامل لتمرير المشروع، لكن حاكم الولاية قد يسمح بأن تكون الجلسات مفتوحة، أي من دون مهلة زمنية. ويتكون مجلس نواب تكساس، من 150 عضواً، ويحتاج إلى 100 عضو، لعقد جلسة تشريعية، والتصويت على أي مشروع قانون، أي أنّ مغادرة 51 نائباً، تكفي لتعطيل النصاب.
وبالفعل، ظلّ أكثر من 51 مشرّعاً ديمقراطياً في مجلس نواب تكساس (يضم المجلس 62 مشرعاً ديمقراطياً) يوم أول من أمس الاثنين، خارج الولاية، حيث مكث بعضهم في مدينة شيكاغو، في ولاية إيلينوي، والآخرون توجهوا إلى مدينة نيويورك، ما عطّل تمرير المشروع في جلسة عقدت الاثنين، ولكن بحسب الإعلام الأميركي، فقد أصدر حاكم الولاية الجمهوري غريغ آبوت، وذلك بحسب بيان صدر عن مكتبه، ونشر على موقع المكتب الإلكتروني، أمراً، باعتقال النواب الديمقراطيين المغادرين، والذين وصفهم البيان بـ"المرتكبين لجنحة"، معتبراً أن "النواب الديمقراطيين تقاعسوا عن أداء واجباتهم تجاه سكّان الولاية"، متحدثاً عن إخفاق جلسة أول من أمس، في التصويت على مشاريع قوانين ضرورية لمساعدة ضحايا الفيضان في الولاية، وتمرير مساعدة ضريبية. وبحسب البيان، فقد أصدر رئيس مجلس نواب تكساس، داستن بوروز، أمر اعتقال لإجبار هؤلاء المتخلفين على العودة للمجلس، وأن الحاكم أمر قسم الأمن العام في الولاية، "بالبحث عن المتخلفين واعتقالهم وإعادتهم إلى غرفة مجلس النواب". ووصف البيان النواب بـ"المختفين"، وأن الأمر سيظلّ سارياً حتى محاسبتهم وإعادتهم. وكان بوروز اعتبر في بيان من جهته، أن "مغادرة الولاية لن توقف المجلس عن القيام بعمله، بل ستؤخره فقط"، ما يعكس تصميم الجمهوريين على استكمال أجندتهم الخاصة بإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية. في المقابل، أكد جين وو، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب بتكساس، أن قرار المغادرة "لم يتخذ باستخفاف" من جانبهم. وانضم رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية (دي أن سي)، كين مارتن، لدعم نواب تكساس من حزبه، مؤكداً في بيان أن الحزب الأزرق "لن يتراجع"، مندداً بـ"محاولة الاستيلاء على السلطة الجبانة" من جانب النواب الجمهوريين في تكساس.
دعا حكّام ديمقراطيون لإعادة ترسيم الدوائر أيضاً في ولاياتهم، مثل كاليفورنيا
شرعية دستورية
وكان الأمر قد بدأ بالتصاعد الأسبوع الماضي، مع تقديم الحزب المحافظ في الولاية، المسودة النهائية لمشروع القانون، الذي يقضي بإعادة رسم الدوائر الانتخابية في تكساس، بشكل قد يُمكّن الجمهوريين وفق المعلومات والإحصاءات الحزبية، من إضافة بين ثلاثة وخمسة نواب إلى رصيد الحزب من الولاية، في مجلس النواب بالكونغرس الأميركي. وفي الحالة هذه، يبدو الأمر مشروعاً من ناحية دستورية، لكن الصرخة خرجت سريعاً من ولاية كاليفورنيا، التي تعد معقلاً للديمقراطيين، حيث أعلن حاكم الولاية، غافين نيوسوم، عزمه أيضاً على إعادة توزيع الدوائر، كما أبدى حكّام ولايات ديمقراطيون تشجيعاً لكل ولاية ديمقراطية ترغب بإجراء إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية. واعتبروا خطوة ولاية تكساس، "غير دستورية" و"غير أميركية"، كما أعربوا عن أملهم في أن يتدخل القضاء لمنعها. وقال حاكم ويسكونسن الديمقراطي، طوني إيفرز، الخميس الماضي، إن ما يجري في تكساس "تهديد متواصل لديمقراطيتنا"، واعتبر آخرون من نظرائه الديمقراطيين أنه "حان الوقت للقتال ضد الخطط الجمهورية لإعادة توزيع الدوائر المدعومة من ترامب، لاسيما أن ولايات أخرى قد تحذو حذو تكساس، مثل ميسوري"، وفق موقع شبكة آي بي سي نيوز، يوم السبت الماضي.
ويتعلق تعديل الدوائر الانتخابية في تكساس هذه المرة، كما يشتهيه الجمهوريون، ويرغبون بتمريره في ما تسمى جلسة تصويت استثنائية، بإعادة رسم الدوائر الانتخابية لتضمّ المقاطعات الانتخابية التي يمسك فيها الديمقراطيون حالياً في دالاس وهيوستن وفي ضواحي أوستن وسان أنطونيو، في الولاية، والمعروفة بأنها معاقل ديمقراطية بالولاية المحافظة، عدداً أكبر من الناخبين الذين يصوتون للجمهوريين. وبحسب التقسيم المقترح، أيضاً، يفترض أن تصبح مقاطعتان تنافسيتان في وادي ريو غراندي على الحدود مع المكسيك، أسهل للجمهوريين كي يفوزوا بها. ويؤثر التقسيم الجمهوري في العادة، على حقوق الأقليات، بشكل كبير، وتعهد النواب الديمقراطيون المتغيبون بالالتزام بالبقاء بعيداً عن الولاية لمدة أسبوعين، وهو الموعد المتوقع لنهاية الدورة الاستثنائية التي تستمر 30 يوما، لكن حاكم الولاية آبوت يجادل أن المحاكم قد تقرر أن الديمقراطيين تخلّوا عن واجبات وظائفهم، ما يسمح له بالدعوة إلى انتخابات خاصة لاستبدالهم، كما يطالبه جمهوريون.
وبحسب تقرير لموقع "بي بي أس"، نشر أول من أمس الاثنين، فإن كلمة Gerrymandering، في القاموس السياسي الانتخابي الأميركي، تعود إلى العام 1812، عندما وقّع حاكم ولاية ماساشوستس، ألبريدج جيري، على مشروع قانون أعاد رسم دوائر في الولاية لمصلحة الحزب الديمقراطي الجمهوري آنذاك، وذكرت إحدى الصحف آنذاك أن إحدى المقاطعات تمّ رسمها مثل الحيوان البرمائي "السلمندر"، ليطلق على العبارة اسم الجريمندرة. ولا تملك السلطات القضائية سلطة كبيرة لوقف هذه العملية، والتي يجب أن تحصل كل عشر سنوات، بناء على التعداد السكاني الذي يجري كلّ عقد، لكن لا يوجد أي نصّ دستوري يمنع أن تجري بطلب مشرعي الولاية كلّما تمكنوا من فعل ذلك، وهو ما يتم عادة بسهولة إذا كان حاكم الولاية من ذات الحزب المهيمن على مجلس نواب الولاية، مثل حالة تكساس. لكن بعض الأحكام القضائية في الولايات، أمرت بإعادة الرسم، بعدما وجدت أن عمليات من هذا النوع أضرّت بأقليات.

Related News
