
تتعدد سيناريوهات محتملة لغزو تايوان من قبل الجيش الصيني، يرسمها خبراء وباحثون ووكالات استخباراتية أميركية. يأتي ذلك في خضم تقلبات المشهد الدولي وأحداثه المتسارعة، وتورط الولايات المتحدة في مواكبة هذه التطورات والتصدر للدفاع عن حلفائها، الأمر الذي استدعى في مارس/آذار الماضي، سحب حاملات طائرات أميركية من منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، باتجاه الشرق الأوسط. ولعل أحدث هذه السيناريوهات، تقرير نشره الأسبوع الماضي، مركز أبحاث جيوسياسي مقره واشنطن، أفاد بأن إمدادات الغاز الطبيعي في تايوان ستنفد في غضون عشرة أيام إذا حاصرت بكين الجزيرة. وأشار التقرير الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن إمدادات الفحم في تايوان ستنضب في غضون سبعة أسابيع، واحتياطاتها النفطية في غضون 20 أسبوعاً. وحلّل مؤلفو التقرير 26 سيناريو حربياً لفهم التحديات العسكرية التي تواجه تايوان في مواجهة الحصار من بكين.
لين تشين: السيناريو الأكثر ترجيحاً هو الاعتماد على تفوق سلاح الجو الصيني
سيناريو حصار تايوان
وخلص الباحثون الأميركيون إلى أن الحصار لن يكون خياراً منخفض التكلفة والمخاطر بالنسبة إلى بكين، لأن الخسائر ستكون مرتفعة في جميع السيناريوهات المحتملة، وهناك احتمال كبير لأن يتحول الحصار إلى صراع أوسع نطاقاً. وفي سيناريوهين من سيناريوهات التصعيد الأقصى، ستتدخل الولايات المتحدة وستضرب صواريخها البر الرئيسي للصين. وفي هذين السيناريوهين، ستضرب الصواريخ الصينية أيضاً غوام واليابان، وفقاً للتقرير. ولكن ماذا عن الجانب الصيني؟ أيضاً كان أحدث ما أثير في هذا الشأن من جانب بكين، ما ذكرته مجلة "السفن البحرية والتجارية" العسكرية الصينية، أن انهيار الأنظمة في تايوان قد يؤدي إلى تدمير الجزيرة من دون قتال. وجاء في المقال الذي نُشر في عدد شهر مايو/أيار الماضي، أن الصين قد تتمكن من سحق تايوان من خلال تدمير العقد الأساسية للبنية التحتية الأساسية في الجزيرة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تضخيم نقاط ضعفها كثيراً مثل "تأثير الفراشة".
وتناول المقال ما بين 30 إلى 40 هدفاً "فائق الأهمية" يمكن أن تؤدي إلى انهيار متسلسل لأنظمة البنية التحتية الأساسية إذا تعرضت للهجوم "في أفضل توقيت"، بما في ذلك مرافق الغاز الطبيعي المسال التي كانت محور تدريبات أجراها الجيش الصيني أخيراً. وجاء في المقال: "إن انهيار النظام سيُدمر سريعاً إرادة قوى الاستقلال التايوانية في المقاومة، ويهيئ الظروف المواتية لتحقيق نصر من دون قتال، ويمكن أن يوفر خياراً عسكرياً منخفض التكلفة وعالي الكفاءة لحل قضية تايوان".
وعن ذلك، يقول أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الصين راكمت خبرات طويلة على مدار السنوات الماضية بشأن أفضل وأكثر الطرق كفاءة لاستعادة تايوان، خصوصاً خلال العقد الأخير الذي شهد تكثيف المناورات العسكرية في محيط الجزيرة. لكنه يلفت إلى أن مثل هذه السيناريوهات تظل سرية بطبيعة الحال، فضلاً عن أنها تخضع لتحديث مستمر في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم. ويضيف لين أن جميع ما ينشر في وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث محض اجتهادات لا أكثر، ولا يعكس بالضرورة واقع الحال، مشدداً على أن الجيش الصيني صاحب اليد العليا نظراً لتفوق قدراته العسكرية مقارنة بنظرائه في المنطقة. وأشار إلى أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو الاعتماد على تفوق سلاح الجو الصيني، موضحاً أنه في هذه الحالة ستجد تايبيه صعوبة في صد أي هجوم صيني محتمل، نظراً لافتقار دفاعاتها الجوية إلى الكفاءة اللازمة.
من جهته، يلفت الباحث في الشؤون الدولية، لي تشونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن اتساع مضيق تايوان الذي يبلغ طوله حوالى 320 كيلومتراً، ومتوسط عرضه حوالى 85 ميلاً بحرياً (نحو 157.42 كيلومتراً)، قد يغري القيادة الصينية بالاعتماد على القوات البحرية لمحاصرة الجزيرة من جميع الاتجاهات وقطع الإمدادات في حالة الغزو. ولكن سوء الأحوال الجوية في المضيق، والعواصف الموسمية المتكررة والأمواج العاتية، قد يصعّب من هذه المهمة، كذلك إن تحسن الأجواء المرتبط بأوقات محددة قد يرفع من حالة التأهب لدى الدفاعات التايوانية، لذلك يظل الخيار الجوي هو الأكثر ترجيحاً، مع التركيز على ضرب المرافق الحيوية في الجزيرة لشلّ الحركة بالتزامن مع أي هجوم مباغت.
جين توي: أكبر معضلة تواجه تايوان في الدفاع عن نفسها، هي عجزها عن الرد عسكرياً
خطورة النهج الصيني
في المقابل، يشير أستاذ الدراسات السياسية السابق في جامعة تايبيه الوطنية، جين توي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى خطورة النهج الذي تتبعه بكين، من خلال تكريس الأنشطة العسكرية في محيط الجزيرة، وإعطاء انطباع بأنها عمليات روتينية. ويقول جين إن أكبر معضلة تواجه تايوان في الدفاع عن نفسها، عجزها عن الرد عسكرياً على الاستفزازات أو التهديدات من الدول المعادية، لأن القيام بأي ردة فعل من شأنه أن يثير اتهامات بالتحريض على الصراع. ويلفت إلى أنه لطالما حذر المسؤولون الأميركيون تايوان من شنّ هجوم أولي، وأصرّوا على ضرورة انتظار هجوم الصين قبل الرد لضمان الاعتراف الدولي بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ، قد بدأ حرباً، وبالتالي من الضروري تصوير الصين على أنها الطرف المعتدي.
ويرى جين أنه حين تشنّ بكين هجوماً واسعاً على الجزيرة، في الوقت الذي تمارس فيه تايبيه ضبط النفس، سيكون الجيش الصيني قادراً على السيطرة على جميع المرافق الحيوية مثل الموانئ والمطارات، وشبكات الاتصالات، وهذا سيقطع بطبيعة الحال الإمدادات الخارجية، بما في ذلك الإسناد الأميركي الذي سيكون عرضة للاستهداف عبر جميع الممرات والطرق المؤدية إلى الجزيرة. ويضيف أن الإجراءات الاحترازية وحالة التأهب القصوى، خصوصاً من الجانب الأميركي، هي الضمانة الوحيدة لأمن تايوان، عدا ذلك، سيكون أي غزو صيني حاسماً، بحيث لا يترك مجالاً للتفكير في الطريقة الأمثل لصده.

Related News
