انفتاح مصري مشروط على اتفاقية الحدود البحرية التركية الليبية
Arab
1 hour ago
share

كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، عن حدوث تغيّر ملحوظ في موقف القاهرة تجاه اتفاقيات تعيين الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط، لا سيما الاتفاقية المثيرة للجدل الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية (السابقة) في عام 2019. فبينما كانت مصر من أشد المعارضين لاتفاقية الحدود البحرية التركية الليبية حين أُبرمت قبل نحو ست سنوات، معتبرة أنها تتداخل مع مناطقها الاقتصادية الخالصة المحتملة، أبدت القاهرة أخيراً نوعاً من المرونة حيال الاتفاق ذاته، وذلك في ظل الانفراجة التي شهدتها العلاقات بين القاهرة وأنقرة خلال العامين الماضيين، والتي توّجت بإعادة السفراء وتعزيز التعاون الثنائي في ملفات حيوية.

حسابات المصالح باتفاقية الحدود البحرية التركية الليبية

وبحسب المصادر، فإن الرفض المصري الصارم في عام 2019 لاتفاق الحدود البحرية التركية الليبية كان يرتكز على قناعة بأن الاتفاق يمسّ بمناطق بحرية تقع ضمن نطاق مصالح مصر المحتملة، فضلاً عن اعتباره مخالفاً لقواعد القانون الدولي في ما يخص الترسيم بين دول غير متقابلة. وقد جاء هذا الرفض ضمن سياسة مصرية لتعزيز تحالفها الثلاثي مع كل من اليونان وقبرص، اللتين تعارضان بدورهما الطموحات التركية في المتوسط. غير أن التحول الذي طرأ أخيراً، وفقاً للمصادر، لا يعني قبولاً كاملاً بالاتفاق، وإنما انفتاحاً مصرياً مشروطاً، يتناغم مع البراغماتية التي تطبع السياسة الخارجية المصرية في مرحلة ما بعد الأزمة الاقتصادية، والتي تتطلب إعادة تموضع إقليمي حذر لا يعزل مصر عن موازين القوى المتغيرة في شرق المتوسط.

وكان اللافت أن مصر أظهرت مرونة تجاه اتفاقية (بحرية) موازية محتملة لم تبرم بعد بين ليبيا واليونان، رغم ما قد تحمله من بنود قد تتقاطع بدورها مع المساحات البحرية التي قد تطالب بها مصر مستقبلاً. ويرى مراقبون أن هذا الموقف يمكن فهمه في سياق الحفاظ على التحالف مع أثينا ونيقوسيا، خصوصاً في ما يتعلق بمشاريع الطاقة وخطوط الغاز تحت البحر. لكن المصادر شدّدت على أن هذه المرونة "لا تعني بالضرورة أن القاهرة ترى الاتفاقية متوافقة بالكامل مع حقوقها البحرية"، مشيرة إلى أن "أي تداخل محتمل أو مخالفة لمبادئ الترسيم العادل قد يُضعف لاحقاً موقف مصر التفاوضي، إذا ما قرّرت ترسيم حدودها مع ليبيا أو أي من جيرانها في الجنوب الغربي للمتوسط".

أي تداخل محتمل أو مخالفة لمبادئ الترسيم العادل قد يُضعف لاحقاً موقف مصر التفاوضي، إذا ما قرّرت ترسيم حدودها مع ليبيا

وفي هذا السياق، أكدت المصادر أن القاهرة، رغم تهدئة خطابها العلني، تتابع عن كثب تطورات الملف الليبي والاتفاقيات البحرية المرتبطة به، وتسعى إلى التأكد من أن أي تسوية أو اتفاق يتم توقيعه في المنطقة لا ينال من حقوقها المشروعة أو يقوّض قدرتها على استغلال مواردها المستقبلية. وأضافت أن "أي مرونة تُبدى تجاه الاتفاقيات البحرية، سواء بين ليبيا وتركيا أو بين ليبيا واليونان، يجب أن تكون مؤطرة قانونياً وتحفظ لمصر كامل حقوقها"، مشددة على ضرورة عدم التهاون في قضايا ترسيم الحدود التي تمس الأمن القومي والموارد الطبيعية الاستراتيجية، مثل الغاز والنفط.

يذكر أن البرلمان الليبي أعلن أخيراً عزمه النظر في اتفاقية الحدود البحرية التركية الليبية الموقعة بين أنقرة حكومة السرّاج، في وقت تسود فيه خلافات حادة بين ليبيا واليونان بعد فتح الأخيرة الباب أمام صفقات محتملة للتنقيب عن النفط والغاز قبالة جزيرة كريت التي تقول السلطات الليبية إنها تدخل في إطار مياهها الإقليمية.

صياغة جديدة للتوازنات

وشدّد جاهد طوز، المستشار السابق في رئاسة الوزراء التركية، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، على أن تركيا "لن تسمح لأي طرف بالهيمنة على شرق البحر المتوسط أو بإقصائها من ترتيبات المنطقة"، مؤكداً أن "أنقرة ترى في التطورات الجارية فرصة لإعادة صياغة التوازنات بالتعاون مع دول الجوار، وعلى رأسها مصر". وقال طوز: "في الأيام المقبلة ستُعقد لقاءات مهمة لمناقشة هذه الملفات الحساسة"، مشيراً إلى أن "أي تحرك فعلي في البحر المتوسط للبحث عن الغاز يتطلب إمكانات ومعدات متطورة، وهي متوفرة لدى تركيا، بعكس مصر وليبيا اللتين لا تمتلكان أسطولاً بحرياً متخصصاً في عمليات التنقيب على نفس المستوى". وأضاف: "من مصلحة البلدين التعاون مع تركيا، وليس مع إسرائيل أو اليونان أو قبرص، ولهذا أتوقع أن تبدأ مشاورات مصرية تركية في هذا الشأن".

وبشأن قرار البرلمان الليبي اعتماد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، اعتبر طوز أن "هناك قلقا في القاهرة من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقليص النفوذ المصري في شرق المتوسط"، لافتا إلى أن "مصر تسعى إلى التواصل مع أطراف ليبية مثل (اللواء المتقاعد) خليفة حفتر و(رئيس البرلمان الليبي) عقيلة صالح للحصول على ضمانات أو مكاسب موازية، إلا أن هذا المسار، في رأيي، غير مضمون، لأن دور حفتر في تراجع مستمر".

جاهد طوز: في الأيام المقبلة ستُعقد لقاءات مهمة لمناقشة هذه الملفات الحساسة

من جهته، أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا وجود لأساس قانوني لحدود بحرية بين تركيا وليبيا"، موضحاً أن "وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المعمول بها منذ عام 1983، فإن الحدود البحرية لتركيا تنتهي عند قبرص، ولا تمتد إلى ليبيا بأي حال من الأحوال". وأشار حسن إلى أن مصر أبرمت اتفاقيات منفصلة مع كل من قبرص واليونان لترسيم حدودها البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، بما يتماشى مع القانون الدولي، متسائلاً: "فعلى أي أساس يتم الحديث عن وجود حدود بحرية بين تركيا وليبيا؟".

وفي تعليقه على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية التي وقعتها حكومة فايز السراج مع أنقرة عام 2019، قال السفير حسن: "هذه الاتفاقية لا تتسق مع قواعد القانون الدولي للبحار، ولا تستند إلى أي سند جغرافي أو قانوني واضح". وأضاف: "حتى إذا تمّ تمريرها من قبل مجلس النواب الليبي، فإنها تظل غير قابلة للتطبيق عملياً، ومن المرجح أن تتحول إلى أزمة إقليمية بين تركيا وليبيا من جهة، واليونان وقبرص من جهة أخرى". وختم حسن بالتأكيد على أن "المرجعية القانونية الدولية تظل في صالح قبرص واليونان، وهو ما سيضع تركيا وليبيا في موقف ضعيف إذا ما تمّ تصعيد النزاع أمام المحافل الدولية".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows