نتنياهو يريد حرباً بلا نهاية في غزة
Arab
1 hour ago
share

تختار الحكومة الإسرائيلية، مرة أخرى، الهروب إلى الأمام عبر اللجوء إلى الأدوات العسكرية وتوسيع حرب الإبادة في غزة، رافضة التوصل إلى اتفاق يمكن أن يؤدي إلى إنهاء الحرب. هذا ما يُمكن فهمه من تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الأيام الأخيرة، ومن الحديث المتزايد عن قراره التوجه نحو احتلال كامل قطاع غزة، وتوسيع العمليات العسكرية في مدينة غزة ومخيمات وسط القطاع. وصرّح نتنياهو أن إسرائيل مصممة على تحقيق أهداف الحرب، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس وتحرير المحتجزين الإسرائيليين عبر الحسم العسكري.

صدام مع المؤسسة العسكرية

تصريحات نتنياهو وتوجهه نحو توسيع الحرب تأتي على الرغم من اتساع الخلاف مع قيادة الأركان الإسرائيلية، التي تفضّل التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمخطوفين، وتقترح تنفيذ عمليات عسكرية محدودة وأقل حدّة، من دون أن تؤدي إلى احتلال كامل لقطاع غزة. كما يحذر الجيش الإسرائيلي من أن مثل هذا الخيار قد يشكّل تهديداً مباشراً على حياة الأسرى الإسرائيليين. ووفقاً لتقارير الإعلام الإسرائيلي، فإن إقدام نتنياهو على قرار احتلال القطاع بالكامل قد يدفع رئيس الأركان، إيال زامير، إلى تقديم استقالته.

يعكس الخلاف الحالي بين نتنياهو وزامير اختلافاً جذرياً في التصورات الاستراتيجية بين الطرفين

الصدام بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية حول إدارة الحرب وأهدافها، وإن لم يكن جديداً على المشهد الإسرائيلي، إلا أنه يثير بعض الدهشة في حالته الراهنة مع إيال زامير، نظراً لكون الأخير مقرّباً من التيار اليميني. فقد اعتبر نتنياهو وحكومته تعيين زامير بمثابة إنجاز وتحول داخل المؤسسة العسكرية، بعد سلسلة من الخلافات الحادة مع رئيس الأركان السابق، هرتسي هليفي.

اختلف نتنياهو وهليفي في معظم جوانب إدارة الحرب، بدءاً من أهدافها، مروراً بمسارها والمفاوضات مع "حماس"، حيث أبدت المؤسسة العسكرية رغبتها بالتوصل إلى اتفاق. كما رفض الجيش تحمّل مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية، وأصرّ على ضرورة بلورة سياسة واضحة لليوم التالي للحرب. إضافة إلى ذلك، رفض الجيش الإسرائيلي احتلال قطاع غزة بالكامل، أو إدارة شؤون السكّان من خلال إدارة مدنية خاضعة له.

لم يؤدِ تغيير رئيس الأركان وعدد كبير من جنرالات هيئة الأركان إلى تغيير جوهري في مواقف المؤسسة العسكرية. صحيح أن زامير أعلن عند تعيينه عن رغبته في إحداث تحول في إدارة الحرب واستراتيجيتها، وأكد نيّته العمل على حسم الحرب باستخدام المزيد من القوة، إلا أن هذه التطلعات اصطدمت، على ما يبدو، بجدار الواقع الميداني، المتمثل في تآكل قدرات الجيش، وإرهاق الجنود، والنقص في أعدادهم. يُضاف إلى ذلك استمرار المؤسسة العسكرية في المطالبة بوضع استراتيجية واضحة لإدارة الحرب وتحديد أهدافها، إلى جانب رفضها المتواصل لاحتلال كامل لقطاع غزة أو تولي مسؤولية إدارة الحياة اليومية للسكان.

يُعدّ الصدام الحالي بين نتنياهو وزامير الأبرز والأهم منذ تولّي زامير منصبه في مارس/آذار الماضي، ويكشف عن عمق الخلاف بين الحكومة والمؤسسة العسكرية. يتعدّى هذا الخلاف مجرّد تباين في وجهات النظر، ليعكس اختلافاً جذرياً في التصورات الاستراتيجية بين الطرفين، ويشير إلى أن قرارات الحكومة تنبع في الأساس من اعتبارات ومصالح سياسية، وليس بالضرورة من دوافع عسكرية أو أمنية بحتة.

توسيع الحرب رغم تصاعد الانتقادات

تأتي رغبة نتنياهو في توسيع الحرب، رغم تعمّق الأزمة الدبلوماسية التي تواجهها إسرائيل واتساع عزلتها الدولية، والتي تُعدّ، بحسب محللين، الأزمة الأصعب في تاريخ الدبلوماسية الإسرائيلية منذ عقود. يترافق هذا مع تزايد عدد الدول الأوروبية التي أعلنت نيّتها الاعتراف بدولة فلسطين خلال الأشهر المقبلة، ومع تصاعد الاحتجاجات داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، وارتفاع الأصوات التي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.

ورأى المحلل السياسي في موقع "واينت"، نداف إيال (في 3 أغسطس/ آب الحالي)، أن جذور الأزمة الدولية الحالية تعود إلى "تجاهل إسرائيل لحالة الجوع في قطاع غزة، وإلى تصريحات صدرت عن قيادات إسرائيلية تعاملت مع جميع سكان غزة على أنهم "إرهابيون" ينتمون إلى حركة حماس، وذلك في إطار حملة استمرت نحو عامين تحت عنوان: "لا يوجد أبرياء في غزة". وأضاف: "هذا يعني أن كل طفل في غزة مُدان، وكل طفل هو هدف. هذا الكلام قيل من قبل شخصيات سياسية، وجرى تكراره في وسائل الإعلام. إسرائيل كانت تغطّ في سبات عميق ولم تُغيّر سياستها. والآن نحن نشهد أزمة هي إلى حدّ كبير أزمة إنسانية، وقد تكون أيضاً دليلاً على أزمة أخلاقية. وهي تقود إسرائيل إلى انهيار سياسي".

مع اتساع عزلة إسرائيل، وإعلان عدد من الدول الأوروبية المركزية عن نيّتها الاعتراف بدولة فلسطين خلال الأشهر القليلة المقبلة، إلى جانب تصاعد المطالبات الدولية بوقف الحرب، يرى العديد من المحللين الإسرائيليين أن إقدام إسرائيل على توسيع العمليات العسكرية سيغرقها أكثر فأكثر في مستنقع العزلة، وربما يقود إلى فرض عقوبات دولية عليها. ومع ذلك، لا يبدو أن هناك أي رد فعل جدي أو تعامل واقعي من جانب الحكومة الإسرائيلية تجاه هذه التطورات.

اتهامات رسمية بالإبادة

بالتوازي مع تصاعد الانتقادات الدولية، ارتفعت في الأسابيع الأخيرة داخل إسرائيل أصوات تتهم الحكومة بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية في غزة. من بين هذه الأصوات، تقارير مهمة صدرت عن مؤسسات حقوقية إسرائيلية ذات مكانة دولية، مثل مؤسسة "بتسيلم" وجمعية "أطباء لحقوق الإنسان"، اتهمتا إسرائيل رسمياً بارتكاب جرائم إبادة في القطاع. وتكمن أهمية هذين التقريرين في استنادهما إلى القانون الدولي ومعطيات موثقة من الميدان.

كما نُشرت رسائل موقّعة من قبل شخصيات بارزة في المؤسسة العسكرية والأمنية السابقة، إلى جانب مجموعات واسعة من الفنانين، طالبت بوقف الحرب وبصفقة تبادل، ووجهت اتهامات صريحة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب.

ارتفعت في إسرائيل أصوات تتهم الحكومة بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية في غزة

تعكس هذه المواقف بوادر تحوّل في مواقف شريحة جدّية من المجتمع الإسرائيلي، لا تكتفي بالمطالبة بوقف الحرب وإعادة الأسرى والمخطوفين فحسب، بل تتبنى رواية انتهاك القانون الدولي وارتكاب جرائم بحق المدنيين في غزة. ورغم أن هذه الأصوات جاءت متأخرة، إلا أنه لا يمكن التقليل من أهميتها وتأثيرها، دون الوقوع في فخ المبالغة والتهويل.

نتنياهو أفشل المفاوضات

تزايدت الشكوك داخل إسرائيل حول أهداف ونوايا نتنياهو من توسيع الحرب على غزة، وذلك بعد أن كشفت القناة 13 الإسرائيلية مساء الإثنين الماضي، معلومات حسّاسة حول مفاوضات صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس. حيث نشرت القناة جزءاً من محاضر المداولات السرّية التي جرت داخل الطاقم الإسرائيلي المفاوض في شهر مارس/ آذار الماضي، والتي تُظهر بوضوح أن نتنياهو رفض المضي قدماً في الصفقة، رغم تقديرات الأجهزة الأمنية بأن بالإمكان التوصل إلى مرحلة ثانية منها، تشمل إطلاق سراح المزيد من الأسرى والمخطوفين.

وبحسب القناة، فإن رئيس الحكومة اختار بدلاً من ذلك خرق الاتفاق القائم حينها، وقرّر إطلاق عملية "عربات جدعون" العسكرية. وأضافت القناة: "تكشف البروتوكولات بوضوح أن قادة الأجهزة الأمنية كانوا على قناعة بإمكانية التوصل إلى صفقة شاملة في ذلك الوقت، مع إمكانية استئناف الحرب لاحقًا إذا اقتضت الضرورة، لكن نتنياهو رفض هذا الخيار بشكل قاطع". تخلص القناة بالقول: "لقد أخطأت القيادة الإسرائيلية بأكملها في تقديرها أن ما سيدفع حماس إلى الاستسلام هو الضغط في المسألة الإنسانية. وبعد مضي خمسة أشهر، بات من الواضح أن طريقة تعامل إسرائيل مع إدخال المساعدات إلى غزة ألحقت ضرراً بالغاً بمكانتها في الساحة الدولية، ولم تؤثر على موقف حماس".

وأوضح الصحافي عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس (2 أغسطس) أن نهج نتنياهو في عرقلة جهود التوصل إلى اتفاق لم يتوقف عند شهر مارس الماضي، بل استمر خلال الشهر الأخير. وأضاف هرئيل: "رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تعمّد وضع عراقيل أمام المفاوضات خلال الشهر الماضي (يوليو/تموز)". ووفقاً له، كانت النظرية السائدة في وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو ينتظر فقط عطلة الصيف للكنيست: فبمجرد زوال الخطر عن ائتلافه الحكومي، سيستغل فترة العطلة، التي لا يمكن خلالها إسقاط الحكومة، من أجل بلورة صفقة مؤقتة، رغم معارضة شركائه من أحزاب اليمين المتطرف. لكن ما حدث فعلياً لم يكن كذلك".

الآن، تبدو فرص التوصّل إلى صفقة أقلّ حتى مما كانت عليه في السابق. يتّضح أكثر فأكثر أن نتنياهو لا يسعى فعلياً للتوصّل إلى اتفاق مع حركة حماس، ولا يرغب بوقف الحرب، على الرغم من تصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية، ومعارضة الجيش لمخططاته. أصبح توسيع رقعة الحرب، ومحاولة الهروب إلى الأمام، سِمَة ثابتة في سياسات وخطوات نتنياهو خلال الشهور الأخيرة.

في هذه الظروف والمعطيات، لا نُجافي الحقيقة إن قلنا إن توجه نتنياهو نحو توسيع الحرب قد يشكّل مغامرة جديدة، بل وقد يتحول إلى ما يمكن وصفه بـ"جسر واحد أبعد من اللازم" (استعارة من عنوان كتاب كورنليوس رايان الصادر عام 1974). مثل هذه المغامرة قد تؤدي إلى تعميق العزلة الدولية المتزايدة لإسرائيل، وربما إلى فرض عقوبات فعلية من قِبل بعض الدول الأوروبية. في الداخل، قد لا يتحمّل المجتمع الإسرائيلي تبعات توسيع الحرب، خصوصاً إذا ما أسفر ذلك عن خسارة مزيد من الأسرى والمخطوفين. كما تثار تساؤلات جدّية حول قدرة الجيش الإسرائيلي، المنهك والمستنزف، على تحقيق أهداف الحرب التي أعلنها نتنياهو.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows