
في مشهد متشابك بين الإعلام والسلطة، وبين الرقابة الأخلاقية والفضاء الرقمي، اشتدت المواجهة داخل الوسط الصحافي المصري بين فريقين متناقضين: الأول يرى في منصات مثل "تيك توك" تهديداً أخلاقياً يستوجب التطهير والحظر، والثاني يرفض تحويل الصحافة إلى أداة وصاية على المجتمع، مؤكداً ضرورة الدفاع عن حرية التعبير وعدم تقييدها.
شهدت الأيام الأخيرة حملة أمنية موسعة شنّتها وزارة الداخلية ضد عدد من مشاهير "تيك توك"، بينهم أسماء معروفة مثل "سوزي الأردنية" و"شاكر" و"مداهم" و"علياء قمرون" و"بنت مبارك". وُجهت لهم اتهامات متنوعة بينها نشر محتوى "خادش للحياء"، و"الإساءة إلى الأعراف الاجتماعية"، بالإضافة إلى شكوك حول مصادر ثرواتهم وعلاقتها بأنشطة مشبوهة.
وأوضحت وزارة الداخلية المصرية أن الحملة تأتي ضمن جهودها لحماية "القيم الاجتماعية" من المحتوى المسيء، في حين اعتبر ناشطون أن الحملة جزء من سياسة موسعة لفرض رقابة أخلاقية صارمة على الفضاء الرقمي المصري.
لا تعد هذه الحملة الأولى من نوعها، إذ سبق أن شهد عام 2020 ملاحقة شابتين معروفتين على "تيك توك"، هما حنين حسام ومودة الأدهم، اللتان حكم عليهما بالسجن وفرض غرامات بتهم تتعلق بـ"انتهاك القيم" و"الرقابة على السلوكيات". وأدانت منظمات دولية تلك الملاحقات، بوصفها أدوات لقمع حرية التعبير، تحت ذريعة الاتهامات الأخلاقية.
في هذا السياق، أصدرت شعبة محرري الاتصالات بنقابة الصحافيين بياناً في 4 أغسطس/آب، رحّبت فيه بالحملة الأمنية، معتبرة إياها جزءاً من "حملة تطهير المجتمع" من المحتوى المسيء والمنصات التي تستغل الفتيات في "الدعارة الإلكترونية" عبر البث المباشر وعمليات "الكاستينج" والتجنيد، واصفة التطبيقات مثل "تيك توك" بأنها تمثل "تهديداً مباشراً للنسيج الاجتماعي" وأدوات لتفكيك البنية القيمية للمجتمع، مطالبة بالإغلاق الفوري لتلك التطبيقات، وتشديد الرقابة والعقوبات.
غير أن البيان أثار جدلاً واسعاً في الوسط الصحافي، حيث رفض عدد من الصحافيين تصريحات الشعبة، معتبرين أنها تشكل انزلاقاً مهنياً وتحريضاً على مؤثري مواقع التواصل، ويدفع الصحافة إلى تبني دور وصاية أخلاقية بدلاً من الدفاع عن حرية التعبير. بدوره، أعرب المرصد المصري للصحافة والإعلام عن قلقه من خطاب شعبة محرري الاتصالات، مؤكداً أنه يمثل "انحرافاً عن الدور المهني للصحافة بوصفها حامية لحرية التعبير والحقوق الرقمية"، و"ينحاز لأجندات رقابية وأبوية تؤدي إلى تكميم الأفواه، وتقييد المجال العام، عبر عبارات فضفاضة" مثل "تطهير المجتمع" و"النزيف الأخلاقي". وحذّر المرصد من مخاطر توظيف مفاهيم "الأخلاق العامة" و"الهوية المجتمعية" أدوات لقمع التنوع، مشيراً إلى أن هذا الخطاب يهدد حرية الصحافة ذاتها، ويدفع إلى توسّع صلاحيات الرقابة، ما يقوّض استقلالية العمل الصحافي. كما نبه المرصد إلى أن هذه الخطابات تكرس التمييز ضد النساء، من خلال تجريم وجودهن الرقمي بحجة مكافحة الفساد الأخلاقي، ما يحد من مشاركتهن في المجال العام، ويعيد إنتاج وصايات بالية بدلاً من حمايتهن.
وشهدت السنوات الأخيرة استهدافاً متزايداً لصناع محتوى على منصات مثل "تيك توك"، حيث وُجهت إليهم اتهامات بـ"الإساءة إلى القيم" و"الانحلال" وحتى "الانتماء إلى جماعات إرهابية"، من دون ارتباط بالمحتوى السياسي. من بين هؤلاء "سوزي الأردنية"، التي احتُجزت عدة أيام في 2025 بتهم نشر أخبار كاذبة والانتماء لتنظيم إرهابي، قبل الإفراج عنها، إضافة إلى تكرار ملاحقات بحق حنين حسام ومودة الأدهم. وتختلف هذه الحملة الأمنية عن سابقاتها بحدة وقسوة غير مسبوقة، ما يثير قلق مراقبين من تحولها إلى استهداف منهجي للجيل الجديد من صناع المحتوى الرقمي، وتطبيق رقابة سلوكية صارمة على الفضاء العام الرقمي.

Related News
