
أعلنت رئاسة مجلس النواب الليبي في خطوة مفاجئة، عن تأجيل الجلسة الرسمية المقرر عقدها اليوم الاثنين، التي كانت مخصصة لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2025. وجاء قرار التأجيل إلى يوم غد الثلاثاء، وفق بيان المجلس، "إلى حين وصول السادة أعضاء المجلس عن المنطقة الغربية"، في إشارة إلى النواب القادمين من غرب ليبيا.
وكان رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، قد دعا السبت الماضي، أعضاء مجلس النواب إلى حضور جلسة اليوم الاثنين، لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2025 وعدد من بنود جدول أعمال المجلس. وليل أمس الأحد، أصدر مجلس النواب بيانا اتهم فيه مصلحة الطيران المدني في طرابلس، التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، بـ"منع" أعضاء المجلس من السفر إلى بنغازي عبر مطار معيتيقة الدولي في العاصمة طرابلس، معربا عن "استنكاره الشديد" لما وصفه بـ"المخالفة الصريحة" و"الانتهاك الفاضح" للإعلان الدستوري، الذي يضمن حق حرية التنقل لجميع المواطنين الليبيين "وعلى رأسهم أعضاء السلطة التشريعية".
وطالب مجلس النواب "الأطراف المعنية"، دون أن يسميها، بتسهيل الإجراءات اللازمة لضمان تمكين النواب من أداء مهامهم الدستورية "بكل استقلالية وحرية بعيدا عن أي تدخلات أو عراقيل تؤثر سلبا على المسار السياسي والوطني"، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة ألا "تسمح هذه الجهات لأي طرف كان بإعاقة سير العملية السياسية أو التعدي على مؤسسات الدولة".
ويأتي عقد جلسة مناقشة الموازنة العامة وإقرارها في هذا التوقيت الحساس وسط جدل طويل ومستمر حول إدارة المالية العامة الليبية، والذي تصاعد بشكل ملحوظ منذ البيان الذي أصدره المصرف المركزي الليبي في شهر إبريل/نيسان الماضي، إذ سلط فيه الضوء على حجم الهدر الواسع في الإنفاق الحكومي المزدوج خلال العام المنصرم 2024، والذي بلغ 224 مليار دينار (نحو 41 مليار دولار).
وكانت لجنة التخطيط والمالية بمجلس النواب، قد أحالت في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، مقترحا لميزانية عام 2025 بقيمة تتجاوز 160 مليار دينار ليبي إلى رئاسة المجلس لاعتمادها تمهيدا للمناقشة والتصويت عليها، غير أن مجلس النواب كان وقتها في انتظار إحالة المصرف المركزي ملاحظاته الرسمية على مسودة مشروع الميزانية.
وفي السادس من يوليو/تموز الماضي، وجه محافظ مصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، خطابا إلى مجلس النواب، أوضح فيه عدم قدرة المصرف على تقديم ملاحظاته الفنية والمالية المدروسة على مشروع الميزانية المقترح خلال المهلة القصيرة التي حددها المجلس بثلاثة أيام فقط، وطالب المجلس بـ"ضرورة إعادة النظر في المشروع".
وفي حين أكد المحافظ على الحاجة الملحة لمزيد من التشاور والدراسة المتأنية مع مؤسسات الدولة ذات العلاقة قبل اعتماده، أوضح أن إبداء ملاحظات ذات قيمة عملية وفنية خلال ثلاثة أيام فقط "لا يحقق أهداف وغايات التشاور الحقيقي والبناء، ولا يؤدي في النهاية إلى إخراج موازنة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع". وحذر المحافظ من أن تقديم "مشروع قانون الميزانية بهذا الشكل العاجل والمختزل لا يؤدي إلى إخراج ميزانية واقعية وقابلة للتنفيذ بفعالية".
وشدد المحافظ في خطابه على الأهمية القصوى للتشاور المسبق مع المصرف المركزي حول الأسس والمحددات الرئيسية لأي ميزانية، خاصة فيما يتعلق بالهدف الجوهري المتمثل في توحيدها لضبط النفقات العامة الهائلة والحد من الهدر، معتبرا أن "العمل على إقرار ميزانية موحدة للبلاد هو شرط أساسي لا غنى عنه". كما أشار إلى أن المشروع المقدم من مجلس النواب قد "تجاهل معطيات أساسية وواقعية لا يمكن تجاوزها"، أبرزها مرور ما يقارب نصف السنة المالية الحالية بالفعل، وما جرى تحقيقه خلال هذه الفترة من إيرادات فعلية ونفقات حقيقية مسجلة، داعيا إلى "ضرورة اعتماد تقديرات واقعية ومدروسة بعناية تأخذ في الاعتبار المعطيات الفعلية على الأرض".
وكان المصرف المركزي قد طالب مرارا بضرورة تقديم مقترح ميزانية موحدة واحدة للبلاد، كإجراء حاسم للحد من ظاهرة الهدر في الإنفاق الحكومي المتكرر، في إشارة واضحة إلى الانقسام السياسي القائم في ليبيا بين حكومتين: حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، المعترف بها دوليا، وحكومة أخرى يدعمها مجلس النواب وتتمركز في بنغازي.
وتعكس أزمة الموازنة السنوية للدولة هذا الانقسام العميق، فعلى الرغم من تمكن المصرف المركزي من توحيد فرعيه في طرابلس وبنغازي، فإنه لم يتمكن من تنفيذ العديد من المقترحات والتوصيات التي قدمتها حكومتا البلاد بشأن الموازنة السنوية. وكان آخر تلك المحاولات مقترح ميزانية تقدمت به حكومة مجلس النواب في بنغازي، والذي أقرّه المجلس نفسه في يوليو/تموز من العام الماضي 2024 بقيمة إجمالية بلغت 174 مليار دينار ليبي.
ووسط سيل من الاتهامات المتبادلة بين الحكومة في طرابلس والحكومة في بنغازي، حيال المسؤولية عن الهدر في الإنفاق الحكومي، أصدر المصرف بيانا في إبريل الماضي، كشف فيه عن حجم الإنفاق العام المزدوج خلال عام 2024 الذي بلغ نحو 224 مليار دينار ليبي، مشيرا إلى جملة من التداعيات السلبية التي حالت "دون تحقيق أهداف المصرف المركزي الأساسية في المحافظة على استقرار سعر الصرف والرفع من القيمة الحقيقية للدينار الليبي"، مما وضع "تحديات جسيمة أمام المصرف في ظل محدودية الأدوات النقدية المتاحة له، لاحتواء هذه الزيادة الكبيرة وتداعياتها التضخمية المحتملة".
(الدولار= 5.45 دنانير ليبية)

Related News

