
تشهد سماء قطاع غزة عمليات إنزال جوي لمساعدات، عبر طائرات تتبع دولاً عدة، لكن هذه الطريقة لم تلقَ قبولاً، ويطالب الفلسطينيون بفتح المعابر البرية.
بينما يتواصل الجوع في قطاع غزة بفعل الحصار المُطبق الذي تفرضه إسرائيل، من خلال إغلاق المعابر الحدودية، ومنعها إدخال المساعدات الإنسانية بشكل منتظم، لجأت بعض الدول العربية والغربية، أبرزها الأردن ومصر والإمارات وفرنسا، إلى إسقاط المساعدات من الجو، وقدر رقم المساعدات الواصلة بـ 57 طناً.
وبينما يقال إن المساعدات الجوية تسد بعض احتياجات السكان المحاصرين. يرى أهل غزة أنها طريقة مُذلة تحط من كرامتهم، وأن الحل الأمثل هو فتح المعابر البرية وإدخال المساعدات من خلالها.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة، الاثنين، تسجيل خمس وفيات من البالغين بسبب الجوع وسوء التغذية، ليرتفع عدد ضحايا التجويع إلى 180، من بينهم 93 طفلاً. وأكدت الوزارة أن الأزمة الإنسانية مستمرة بالتفاقم في ظل الحصار ونقص الإمدادات الغذائية والطبية، مجددة دعوتها للمجتمع الدولي ومؤسسات الإغاثة للتدخل الفوري.
وتفرض إسرائيل حصاراً مطبقاً على 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة، منذ 2 مارس/ آذار الماضي، وتمارس بحقهم سياسة تجويع ممنهجة، من خلال إغلاق المعابر الحدودية للقطاع، ما أدخل سكانه في مرحلة المجاعة، وأزهق أرواح كثيرين، وقد سمح في الآونة الأخيرة بإدخال أعدادٍ قليلة من الشاحنات المحملة بأكياس الطحين وبعض المساعدات الأخرى، بالتنسيق مع "برنامج الغذاء العالمي" إلى محافظة شمال قطاع غزة، عبر بوابة "زيكيم" في أقصى شمال غربي القطاع.
ويؤكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، لـ"العربي الجديد"، أن "آلية الإنزال الجوي للمساعدات التي تنفذها بعض الدول لا ترتقي لمستوى الاستجابة الإنسانية الحقيقية، وهي مجرد إجراء شكلي، وهدفها إعلامي، ولا تحدث أثراً يُذكر على أرض الواقع، وتستخدم بوضوح لتجميل صورة الاحتلال أمام العالم. ما يجري إسقاطه من مساعدات يغطي نسبة ضئيلة للغاية من الاحتياج اليومي لأهالي غزة، ولا يتجاوز حجمها اليومي حمولة شاحنتين إلى ثلاث شاحنات، في حين يحتاج القطاع إلى ما يزيد عن 600 شاحنة يومياً لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات".
ويضيف الثوابتة: "الإنزالات تحدث في مناطق خطرة، أمنياً وعسكرياً، ومعظمها مناطق قتال يمنع الاحتلال وصول المدنيين إليها، وقد تسببت في مقتل عدد من الفلسطينيين نتيجة سقوط الطرود عليهم، أو خلال محاولاتهم الوصول إلى أماكن سقوطها وسط القصف والاستهداف المباشر. آلية توزيع المساعدات عبر الجو هذه عشوائية، وغير عادلة، إذ تسقط في مناطق غير مأهولة، أو في مواقع يصعب الوصول إليها، ما يجعلها عرضة للنهب أو التلف، ويمنع وصولها إلى المستحقين".
ويقول: "يستغل الاحتلال هذه الإنزالات غطاء لصرف الأنظار عن الجريمة الكبرى التي يمارسها، وهي التجويع المتعمد، عبر منع دخول المساعدات والمواد الغذائية عبر المعابر البرية، والحل الجذري للأزمة هو فتح المعابر بشكل فوري ودائم، والسماح بدخول شاحنات الإغاثة، لا إسقاط الطرود من الطائرات في مشهد مسرحي لا يليق بكرامة الإنسان. نرفض تحويل أهل غزة إلى متسولين يركضون خلف طرود تتساقط من السماء في ظروف خطرة، ونطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته، وفرض إدخال المساعدات بكرامة وأمان عبر الطرق البرية والبحرية، وكسر الحصار المستمر منذ أكثر من 17 عاماً".
من جانبه، وصف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إنزال المساعدات على قطاع غزة عبر الجو باعتباره "مرحلة إضافية من إذلال الفلسطينيين وامتهان كرامتهم، كما يحمل مخاطر جسيمة على حياة المدنيين، في ظل تكدّسهم في أقل من 15% من مساحة القطاع، والأخطر أنه يُوظَّف للاستمرار في سياسة التجويع الجماعي التي تنتهجها إسرائيل عمداً كأداة من أدوات الإبادة الجماعية، في إطار سعيها المنهجي للقضاء على الفلسطينيين".
بدورها، تقول مديرة الإعلام والتواصل في وكالة أونروا، جولييت توما: "الإسقاطات الجوية غير ضرورية على الإطلاق، كما أنها غير فعّالة، ومكلفة، ومحفوفة بالمخاطر. هناك طريقة أكثر أماناً وأسرع وتحفظ كرامة الإنسان لإيصال المساعدات، وهي الطرق البرية".
يقول الفلسطيني خالد الرفاعي (35 سنة) وهو رب أسرة مكونة من خمسة أفراد، لـ"العربي الجديد": "الإنزالات الجوية ليست مساعدات، وإنما طريقة ذل وإهانة لسكان القطاع، وغالبية المظلات تنزل في مناطق حمراء، وفق تصنيف جيش الاحتلال، والكميات التي تحملها قليلة، ولا تكفي إلا عدداً محدوداً من الناس، في حين أن كل أهالي القطاع جائعون. الحل الأمثل هو فتح المعابر لإدخال المساعدات بشكل منتظم، وتوزيعها على المواطنين بشكل عادل، واستمرار إدخالها بكميات وفيرة وحده يمكن أن ينهي المجاعة التي تتفشى كل يوم بشكل أوسع في القطاع".
نزح الفلسطيني أبو حسام سليم (53 سنة) من مشروع بيت لاهيا شمالي القطاع إلى مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، ويؤكد لـ"العربي الجديد": "عندما نرى الطائرات تسقط الصناديق من السماء، نشعر بالإهانة أكثر من الراحة. ليس هذا ما نستحقه، فنحن بشر نحتاج إلى ممرات آمنة، وإلى ماء وغذاء ودواء بشكل منتظم، لا إلى طرود قد تسقط في البحر أو فوق منازلنا. الكميات التي تسقطها الطائرات لا تلبي أدنى الاحتياجات في القطاع المحاصر الذي يعاني غالبية سكانه من سوء التغذية، كما أن هذه الآلية مُهينة، وشعب غزة لا يجب أن يُعامل بهذه الطريقة".
يعيل الفلسطيني أكرم صلاح (40 سنة) أسرة مكونة من ستة أفراد، ويعيشون في خيمة قريبة من شاطئ البحر غربي مدينة غزة، ويقول لـ"العربي الجديد": "نعيش في خوف وقلق منذ بدء الإنزالات الجوية، إذ نخشى أن تسقط واحدة من المظلات فوق رؤوسنا. هذه ليست وسيلة لحل المشكلة، وإنما تزرع مزيداً من الخوف، وما تحمله لا يكفي شيئاً. مجرد أكذوبة تسعى بعض الدول من خلالها إلى تبييض صفحاتها أمام شعوبها والرأي العام العالمي، وإظهار أنه لا توجد مجاعة في غزة، في حين أن غالبية المساعدات تسقط في مناطق قريبة من وجود قوات جيش الاحتلال".
ويقول أحمد مطر (31 سنة) الذي يقيم في خيمة غربي مدينة غزة، إنه حاول مع كثيرين من الشبان الوصول إلى المساعدات التي تسقط من الجو، لكن من دون جدوى، ويضيف: "مُجرد سقوط مظلات المساعدات من السماء يحدث فوضى عارمة، ويشتد التدافع في مسعى للحصول على الفتات الذي تحمله، وفي كثير من الأحيان يحصل قليل من المواطنين على بعض الطعام، ويعود الباقون بلا شيء. نتقاتل من أجل الحصول على طعام يسقط من السماء، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى إصابات. نرفض هذا النوع من المساعدات، فهو يحد من الكرامة الإنسانية، ولا بديل عن فتح المعابر وإدخال المساعدات بطريقة تحفظ كرامة الناس".

Related News


