انتهاء عملية "عربات جدعون": فشل أهداف الاحتلال في غزة
Arab
14 hours ago
share

انتهت عملية "عربات جدعون" فعلياً بعدما سحب جيش الاحتلال الإسرائيلي الفرقة 98 من قطاع غزة، بعد نحو ثلاثة أشهر من هذه العملية التي انطلقت بهدف الحسم العسكري في القطاع وإسقاط حكم حركة حماس واستعادة المحتجزين الإسرائيليين. وكان أحد أهداف هذه الخطة هو نقل السكان الفلسطينيين نحو جنوبي القطاع، وحشرهم في المنطقة الواقعة بين محوري موراغ (بين خانيونس ورفح) وصلاح الدين (فيلادليفي، بين القطاع ومصر)، لتهجير السكان في وقت لاحق، وهو أمر لم يتحقق على الرغم من حالة النزوح والتهجير المستمرة.

وأعلن جيش الاحتلال، في بيان على منصة إكس الخميس الماضي، سحب الفرقة 98 من شمالي قطاع غزة، تمهيداً لما قال إنها "مهام إضافية" لم يحددها، في خطوة اعتبرتها وسائل إعلام إسرائيلية مؤشراً على قرب نهاية عملية "عربات جدعون" العسكرية البرية. ونقلت إذاعة جيش الاحتلال هذ القرار في وقت لا تزال فيه أربع فرق عسكرية (252 و143 و36 و162) تتمركز بالقطاع. وبحسب الإذاعة فإن هناك فرقتين من أصل أربع تنفذ مهام قتالية شمالي القطاع وفي مدينة خانيونس جنوباً، في حين تقوم الفرقتان الأخريان بدور دفاعي، بالتزامن مع قرار رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير تقليص عدد قوات الاحتياط في كل الجبهات بنسبة 30%.

وتُعرف الفرقة 98 باسم "فرقة النار"، وهي فرقة نظامية نخبوية تضم ألوية مظليين و"كوماندوز" (قوات خاصة)، ومنذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلن الجيش مرات عدة عن إدخال وسحب هذه الفرقة من القطاع. وشاركت الفرقة العام الماضي في الحرب على لبنان واحتلال منطقة جبل الشيخ السوري والمنطقة العازلة بين إسرائيل وسورية، عقب سقوط نظام بشار الأسد في أواخر العام الماضي. ووفق صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، الخميس الماضي، "لم يعلن الجيش عن إدخال قوات إلى غزة لتحل محل الفرقة 98"، معتبرة أن ذلك قد يشير إلى قرب الإعلان عن انتهاء عملية "عربات جدعون".

وسجلت "عربات جدعون"، والتي انطلقت مطلع مايو/ أيار الماضي، عشرات القتلى والمصابين في صفوف جنود الاحتلال نظراً لطبيعة الكمائن العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في غزة، فضلاً عن محاولات لأسر جنود إسرائيليين. وأعلنت وسائل إعلام إسرائيلية عن مقتل 40 جندياً على الأقل خلال شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز الماضيين، في حين سجل الشهر الماضي انتحار مسبعة جنود، جميعهم خدموا في القطاع خلال حرب الإبادة المتواصلة. تأتي هذه التطورات الميدانية بالتزامن مع تعثر في مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعدما كانت المعطيات والتسريبات تشير إلى اقتراب إبرام اتفاق تبادل أسرى جزئي وهدنة لمدة 60 يوماً يجري خلالها بحث اتفاق شامل ينهي الحرب.

في المقابل، أعلنت حركة حماس، في بيان الخميس الماضي، "جاهزيتها للانخراط الفوري في المفاوضات مجدداً، حال وصول المساعدات إلى مستحقيها وإنهاء الأزمة الإنسانية والمجاعة في غزة". وأضافت أن "استمرار المفاوضات في ظل التجويع يفقدها مضمونها وجدواها، لا سيما بعدما انسحب الاحتلال الصهيوني المجرم من المفاوضات الأسبوع الماضي دون مبرّر، في الوقت الذي كنا فيه على وشك التوصّل إلى اتفاق". وبعد تعثر الجولة الأخيرة للمفاوضات في الدوحة، أعلن الطرفان الأميركي والإسرائيلي البحث عن خيارات جديدة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المتبقين في القطاع دون الإشارة إلى طبيعة هذه الخيارات. في المقابل، أفصحت جهات أمنية ومنصات مقربة من "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة حماس، عن رصد تحركات للاحتلال الإسرائيلي بحثاً عن أسراه في غزة، ما يوحي بنيته تنفيذ عمليات تخليص أسرى في القطاع.

"عربات جدعون" من دون أفق

رأى مدير مركز رؤية للتنمية السياسية، أحمد عطاونة، أن إنهاء عملية "عربات جدعان" يعكس حالة من الفشل في تحقيق الأهداف التي أعلن عنها جيش الاحتلال مع بداية العملية، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تقليص الوجود العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة يأتي نتيجة عدة عوامل". أبرز هذه العوامل، وفق عطاونة، أن "الاحتلال قد أحدث دماراً واسعاً ولم يعد بحاجة لقوات كبيرة على الأرض". واعتبر أن "العملية التي امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر لم تستطع حسم الموقف ميدانياً، فالمقاومة لا تزال فاعلة، والأسرى لا يزالون بيدها، ما يُعد ضربة قوية لرواية الاحتلال التي روّجت إمكانية إنهاء الحرب عبر هذا المسار العسكري".

أحمد عطاونة: القيادة الإسرائيلية أمام مأزق في التعامل مع سؤال اليوم التالي للحرب

وأشار عطاونة إلى أن الاحتلال "استنفد أدواته التقليدية في غزة، ولم يعد بمقدوره الاستمرار بالنهج ذاته من دون تحقيق إنجاز سياسي أو عسكري، ما يضع القيادة الإسرائيلية أمام مأزق واضح في التعامل مع سؤال اليوم التالي للحرب". وأوضح أن هذه القيادة "لم تعد تملك تصوراً لإدارة القطاع سياسياً أو أمنياً، ولا تقبل بعودة حكم حماس، ولم تنجح في إعادة السلطة الفلسطينية". فشل الاحتلال أيضاً، وفق عطاونة، في إنتاج طرف فلسطيني بديل يمكنه التعاون معه لإدارة غزة، مضيفاً أن "كل ما يُطرح من صيغ بديلة، كفكرة المدينة الإنسانية (على أنقاض رفح) أو المناطق الآمنة لم تتجاوز نطاق الأفكار النظرية غير القابلة للتطبيق". ورأى أن "الاحتلال عالق سياسياً وميدانياً، فيما المجتمع الدولي عاجز عن تقديم حل عملي بسبب الدعم الأميركي المفتوح (لإسرائيل) وتطرّف الحكومة الإسرائيلية، ما يجعل إنهاء هذه الحرب الدموية بعيد المنال في الأفق القريب".

رسائل داخلية

يحمل قرار تقليص القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، وفق الكاتب والمحلل السياسي، إياد القرا، عدة رسائل، ويعكس بالدرجة الأولى وجود أزمة داخلية بين الجيش والحكومة الإسرائيلية حول أهداف العملية العسكرية المعروفة باسم "عربات جدعون"، والتي تركزت بشكل رئيسي في شمالي القطاع ومدينة خانيونس. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أن العملية "كبّدت الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية كبيرة، إذ قُتل خلالها أكثر من 43 جندياً"، معتبراً أنها "من أعلى الخسائر منذ بدء الاجتياحات البرية والمناورات العسكرية، من دون تحقيق إنجاز ملموس على الأرض".

إياد القرا: البيئة الحالية قد تمهد لعودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات

في رأي القرا "لم يتم الإعلان عن تحقيق أي أهداف محددة، سواء في ما يخص ملف الأسرى (الإسرائيليين) أو تدمير القدرات الفعلية للمقاومة، ما يثير تساؤلات حول جدوى هذه العملية العسكرية". وأشار إلى أن "عربات جدعون" أُطلقت بعد تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار في مارس/آذار الماضي (رفض الاحتلال الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق 19 يناير/كانون الثاني الماضي واستأنف حرب الإبادة)". وقال إن هذه العملية "استخدمت ورقة ضغط ميداني على حركة حماس، لكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف، بدليل استمرار الحركة في التمسك بمطالبها المرتبطة بالانسحاب الكامل من القطاع، وإدخال المساعدات الإنسانية".

وذكر القرا أن العملية ترافقت مع سياسة التجويع كأداة ضغط إضافية، "لكن هذه السياسة، رغم تأثيرها الإنساني المدمر في القطاع، ارتدت سلباً على إسرائيل أمام المجتمع الدولي، وعرّت ممارساتها، ما أدى إلى تصاعد الانتقادات الدولية، وفرض ضغوط متزايدة على الإدارة الأميركية أيضاً". وأوضح أن "البيئة الحالية قد تمهد لعودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، خصوصاً بعد إعلان حركة حماس استعدادها للعودة إلى التفاوض بشرط التعامل مع أزمة المجاعة ووضع حد لها"، مشيراً إلى أن "هناك جهوداً دولية تُبذل، لكنها لم ترتق حتى اللحظة إلى حجم الكارثة الإنسانية في غزة".

تداعيات ميدانية

عزا مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، أحمد الطناني، قرار الاحتلال تقليص قواته في قطاع غزة إلى التداعيات الميدانية والإنهاك واسع النطاق، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الانتشار العسكري المكثف، والذي شمل نحو 70% من مساحة القطاع. وقال لـ"العربي الجديد"، إن "قوات الاحتلال لم تحصل على فترة راحة ميدانية حقيقية طوال هذه الفترة، في ظل تعرضها المستمر لكمائن المقاومة، حتى في المناطق التي سبق لها أن وصفتها بالمؤمّنة".

أحمد الطناني: بقاء جنود الاحتلال في حالة إنهاك وانتشار مكثف يحوّلهم إلى أهداف سهلة

وفي رأيه "هناك حاجة ميدانية مُلحة لتقليص أعداد الجنود في الميدان، ليس لأغراض الراحة فقط، بل لتقليل عدد الأهداف المكشوفة أمام المقاومة، خصوصاً مع رصد الجيش مؤشرات على نية المقاومة تفعيل خيار خطف الجنود كأداة ضغط في ظل انسداد المسار السياسي". وأشار إلى أن "بقاء الجنود في حالة إنهاك وانتشار مكثف يحوّلهم إلى أهداف سهلة، وهو ما قد يُمكّن المقاومة من تنفيذ عمليات نوعية تقلب المشهد برمته، بما في ذلك التأثير على مسار التفاوض". في هذا السياق بيّن أن "زامير يُظهر حساسية متزايدة إزاء ارتفاع أعداد القتلى في صفوف الجيش داخل القطاع، خصوصاً مع التراجع الملحوظ في شرعية استمرار الحرب أمام الرأي العام الإسرائيلي، وتصاعد موجة الرفض للخدمة العسكرية، والحراك الشعبي الغاضب من عائلات الجنود، إلى جانب تنامي ظاهرة الانتحار في صفوف الجنود". كل ذلك، وفق الطناني، "مؤشرات مقلقة تتحملها المؤسسة العسكرية دون وجود أفق سياسي لإنهاء الحرب أو تحقيق الحسم".

وبشأن تقييم عملية "عربات جدعون"، ذكر الطناني أن العملية "صُممت باعتبارها المرحلة الحاسمة من الحرب، وكان يفترض بها أن تُحدث انهياراً في بنية المقاومة وتُحيّد تشكيلاتها القتالية عبر سيطرة ميدانية بطيئة وطويلة الأمد، غير أن المعطيات على الأرض أثبتت فشل هذه الاستراتيجية فشلاً ذريعاً". وأوضح أن "عدد قتلى الاحتلال ارتفع مع طول مدة التمركز، بينما حافظت المقاومة على حضورها ونشاطها في مناطق متعددة، من رفح جنوباً إلى بيت حانون شمالاً، بما في ذلك مناطق كانت تُصنّف من قِبل الاحتلال مناطقَ مطهّرة (من عناصر المقاومة)".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows