الأهوار العراقية في مواجهة الجفاف: نزوح متزايد وتهديد للأرزاق
Arab
3 hours ago
share

تعيش محافظة ذي قار جنوبي العراق واحدة من أسوأ أزماتها البيئية، مع تصاعد موجات الجفاف التي تضرب مناطق الأهوار، ما دفع مئات العائلات إلى النزوح القسري من ست مناطق متضررة، في مشهد يعكس انهياراً بيئياً غير مسبوق. وتتوزّع أهوار جنوب العراق بين محافظات البصرة وميسان وذي قار، وتشمل هور الحويزة وهور الحمار وهور الجبايش، إضافة إلى أهوار القرنة والفاو، وتبلغ المساحة الإجمالية للأهوار نحو 20 ألف كيلومتر مربع، بينها أكثر من سبعة آلاف كيلومتر مربع ضمن حدود محافظة ذي قار.

وكانت أهوار ذي قار في السنوات الماضية، وتحديداً هور الجبايش وهور الجباية، تمثل بيئة غنية بالأسماك والجاموس ومورداً أساسياً لآلاف العائلات. لكن اليوم، يواجه هور الجباية والجبايش معاً خطر الجفاف الكامل، بعد أن انخفضت مناسيب المياه إلى مستويات حرجة، وتراجعت معها الثروة السمكية والحيوانية بشكل كبير، إذ تواجه الأهوار العراقية، المُدرجة على قائمة التراث العالمي منذ عام 2016، خطر الانهيار نتيجة التغيرات المناخية وتراجع الواردات المائية من دجلة والفرات، إلى جانب ضعف إدارة الموارد المائية، وسط تحذيرات من استمرار موجات النزوح وغياب المعالجات الفعلية للأزمة.

الجفاف يُفاقم أزمة سكان الأهوار العراقية

ويروي سكان الأهوار في محافظة ذي قار، لـ"العربي الجديد"، معاناتهم اليومية جراء تفاقم أزمة الجفاف التي أدت إلى تدهور البيئة وفقدان مصادر الرزق الأساسية، ما دفع العديد من العائلات إلى النزوح القسري من مناطقهم. ويُبيّن أبو جاسم الحمداوي، أحد سكان هور الجبايش في ذي قار، أن مناطق الأهوار تعاني من تدهور بيئي حاد نتيجة الجفاف الشديد، ما أدى إلى نفوق عدد من المواشي التي كان يمتلكها، ودفعه للهجرة قسراً مع عدد من العائلات بحثاً عن ملاذ آمن لما تبقى لهم من ثروة حيوانية. مضيفاً أن جفاف الأهوار وصل إلى مراحل متقدّمة من الخطر، ومع استمرار الوضع على هذا النحو فإن حياة السكان في المنطقة مهددة، مؤكداً أن الأزمة لم تقتصر على فقدان الثروة الحيوانية، بل تعدّتها لتشمل نقص مياه الشرب الصالحة. ويؤكد أنّ السكان يعيشون أزمة مزدوجة تتمثل في فقدان مصادر رزقهم التقليدية بالإضافة إلى غياب الخدمات الأساسية، محملاً الجهات المعنية مسؤولية ما تعرضوا له، في حين أن موجات النزوح ستتسع وستفقد الأهوار سكانها الأصليين.

أزمة جفاف غر مسبوقة

قالت زينب الأسدي، عضوة لجنة الموارد المائية في مجلس محافظة ذي قار، إن أزمة الجفاف التي تضرب مناطق الأهوار وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، مؤكدة أن الأوضاع الحالية دفعت مئات العائلات إلى مغادرة قراها باتجاه مناطق أخرى بسبب انعدام المياه وتدهور الواقع البيئي. موضحةً لـ"العربي الجديد" أن المؤشرات تظهر أن جميع مناطق الأهوار أصبحت الآن ضمن نطاق الخطر، بسبب التراجع الحاد في المناسيب، وانعدام فرص البقاء للسكان الذين يعتمدون على المياه في معيشتهم اليومية. مضيفة أن "ست مناطق حتى الآن سجلت نزوحاً فعلياً لسكانها، مع توقعات بزيادة الأعداد خلال الأيام المقبلة إذا استمر الوضع على حاله"، ومشيرةً إلى أن "الأهالي فقدوا مصادر رزقهم بسبب نفوق الثروة السمكية وتراجع أعداد الجاموس، ما عمّق مشكلات الفقر والبطالة". وطالبت الأسدي الحكومة الاتحادية بالتحرك السريع لتقديم معالجات واقعية تتضمّن توفير المياه الصالحة للشرب ودعم العائلات المتضررة بفرص عمل بديلة، محذرة من أن "التقاعس يعني استمرار موجات النزوح واتساع الكارثة".

من جانبه، حذر الناشط البيئي أحمد الغزي من أن الوضع وصل إلى مرحلة تهدد بانهيار النظام البيئي بشكل كامل، مع حدوث نزوح واضح ومتصاعد لسكان المناطق المتضررة بسبب فقدان مصادر المياه. قائلاً لـ"العربي الجديد" إن المشكلة الأساسية تكمن في غياب المعالجات الجذرية، فوزارتا الموارد المائية والزراعة تتحكمان بملف المياه بشكل مباشر، وهما المسؤولتان عن سوء توزيع الحصص المائية، وهو ما عمّق أزمة الجفاف في مناطق الأهوار. موضحاً أن الكارثة البيئية انعكست بشكل مباشر على حياة السكان المحليين، حيث نفقت أعداد كبيرة من الجاموس والثروة السمكية، وأغلقت مصادر الرزق التقليدية، ما دفع مئات العائلات إلى النزوح من مناطق مثل هور الجبايش، هور الجباية، المشرح، بني هاشم، القصر، وقضاء سوق الشيوخ، بحثاً عن مناطق أكثر أمناً.

وأشار إلى أن الأزمة دفعت عشرات القرى إلى تنظيم احتجاجات في مناطق مثل قضاء الكحلاء وناحيتي المشرح وبني هاشم بمحافظة ميسان (جنوباً)، بعد انقطاع المياه عن الأنهار والجداول المغذية لتلك المناطق. موضحاً أن الفرق البيئية مستمرة في رفع التقارير إلى وزارة البيئة والمنظمات الدولية، تتضمن توثيق حالة الجفاف وتداعياته على السكان، لكن حتى الآن لم تُسجل استجابة حقيقية لمعالجة هذا الوضع المتدهور. وأكد أن معالجة الأزمة تتطلب إطلاق حصص مائية عادلة وإنقاذ مناطق الأهوار من الجفاف عبر إعلانها منطقة منكوبة بيئياً، مع توفير بدائل اقتصادية عاجلة للسكان المتضررين، ودعم مشاريع تشغيلية مؤقتة، إلى جانب تحرك حكومي ودولي جاد للضغط على دول المنبع لضمان حصة العراق المائية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows