
خلصت مراجعة داخلية في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، الاثنين، إلى أن فيلماً وثائقياً أنتجته بالتعاون مع شركة إنتاج مستقلة حول الأطفال في غزة، وأثار جدلاً في الأشهر الأخيرة، خالف معايير الهيئة التحريرية الخاصة بالدقة، وذلك نتيجة عدم الكشف عن أن الطفل الراوي هو نجل مسؤول سابق في حكومة حماس في غزة.
وكان مدير عام "بي بي سي"، تيم ديفي، قد كلف بإجراء مراجعة للوثائقي "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب"، بعد أن سُحب من منصة آي بلاير في فبراير/ شباط الماضي عندما أُثيرت قضية صلات الطفل بوالده بعد حملة تحريض قادتها منظمات مناصرة لإسرائيل والسفيرة الإسرائيلية في لندن.
وأشار تقرير المراجعة إلى أن شركة الإنتاج المستقلة هويو فيلمز تتحمل معظم مسؤولية الفشل، لكنها قالت أيضاً إن "بي بي سي" تتحمل بعض المسؤولية، وكان ينبغي عليها بذل المزيد من الجهد في إشرافها، كما أكدت "بي بي سي" أنه ما كان ينبغي الموافقة على الوثائقي، وأنها تتخذ الإجراءات المناسبة بشأن المساءلة.
مع ذلك، لم يجد التحقيق الداخلي في إنتاج فيلم "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب" أي انتهاكات أخرى لإرشادات الإنتاج، بما في ذلك الحياد بحسب ما قالت المراجعة، كما وجد أنه لم تؤثر أي مصالح خارجية "بشكل غير لائق على البرنامج"، وخلص التقرير إلى أنه "جرى النظر بعناية في متطلبات الحياد الواجب في هذا المشروع نظراً لطبيعة الموضوع المثيرة للجدل بشدة".
يأتي هذا التقرير بعد استفسار قدّمته قبل أيام وزيرة الثقافة، ليزا ناندي، عن سبب عدم فقدان أي شخص لوظيفته بسبب الفيلم الوثائقي، مع استمرار حملات ضغط على "بي بي سي" تقودها مجموعات مناصرة لإسرائيل. مع العلم أن ناندي كانت سابقاً رئيسة مجموعة "أصدقاء حزب العمال لفلسطين والشرق الأوسط".
وتولى مدير الشكاوى والمراجعات التحريرية في "بي بي سي"، بيتر جونستون، عملية المراجعة بعد سحب الفيلم، وخلص إلى أن وظيفة الأب كانت "معلومات حساسة"، وهو ما لم تَطّلع عليه "بي بي سي" قبل بث الوثائقي. قال جونستون: "بغض النظر عن كيفية الحكم على أهمية منصب والد الراوي من عدمها، كان ينبغي إعلام الجمهور بهذا الأمر"، كما لم تجد المراجعة أي "أساس معقول" للاستنتاج بأن أي شخص شارك أو دفع مقابل البرنامج كان خاضعاً لعقوبات مالية، مثل "حماس"، إذ دُفعت رسوم قدرها 795 جنيهاً إسترلينياً للراوي.
من جهته، رأى مدير "بي بي سي"، تيم ديفي أن المراجعة الداخلية تظهر "تقصيراً كبيراً في دقة هذا الفيلم الوثائقي. أشكره على عمله الدؤوب، وأعتذر عن هذا التقصير"، مضيفاً: "سنتخذ الآن إجراءاتٍ على جبهتين: إجراءاتٍ عادلة وواضحة ومناسبة لضمان المساءلة السليمة، والتنفيذ الفوري لخطواتٍ لمنع تكرار مثل هذه الأخطاء". ولم توضح الهيئة ما إذا كانت ستتخذ إجراءات تأديبية ضد أي من الموظفين.
وأشار التقرير إلى أن ثلاثة من أعضاء فريق شركة "هويو فيلمز" كانوا على علم بمنصب والد الطفل، لكن لم يجرِ إبلاغ "بي بي سي" بذلك في حينه. واعتبرت المراجعة هذا الإغفال "تقصيراً جسيماً" من الشركة، كما انتقدت فريق التحرير في "بي بي سي" لعدم اتخاذ خطوات "استباقية كافية" أثناء عمليات التدقيق التحريري الأولية، و"لغياب إشراف نقدي على الأسئلة التي لم تُجب عنها بشكل كامل".
من جانبها، قالت شركة هويو فيلمز في بيان: "نأخذ النتائج الواردة في تقرير بيتر جونستون عن غزة: كيف تنجو من منطقة حرب على محمل الجد، ونعتذر عن الخطأ الذي أدى إلى خرق المبادئ التحريرية".
وينشر الطفل عبد الله اليازوري منذ أشهر عبر صفحته في إنستغرام فيديوهات عن معاناة الفلسطينيين في غزة في ظل القصف الإسرائيلي اليومي. وقال في فيديو نشره خلال عيد الفطر الأخير: "في هذا العيد، لا نفطر على ولائم، بل على حزن. منازلنا مدمرة، وعائلاتنا ممزقة - ومع ذلك، ما زلنا نجتمع، وما زال لدينا أمل".
ووقع أكثر من 600 شخصية بارزة في عالم السينما والصحافة والثقافة والإعلام في مايو/ أيّار الماضي، على رسالة طالبت "بي بي سي" ببث الفيلم بعد سحبه. وجاء في الرسالة في حينه: "هذا ليس تحذيراً تحريرياً، بل قمعٌ سياسي"، واتهم الموقعون هيئة الإذاعة البريطانية "بإسكات شهادات حيوية وتطبيق معايير مزدوجة على الأصوات الفلسطينية"، في ظل الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة التي يكون فيها الأطفال أكثر الضحايا تأثراً.
وكانت "بي بي سي" قد منعت مؤخراً بث فيلم آخر أنتجته عن الأطباء والعاملين في مجال الإغاثة في غزة خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع باسم "أطباء تحت الهجوم"، ولاحقاً قامت القناة الرابعة البريطانية ببث العمل.
وأشار تقرير صدر عن منظمة يونيسف في مايو الماضي إلى أن أكثر من 50 ألف طفل قُتلوا أو أصيبوا في غزة منذ أكتوبر/ تشرين أول 2023، كما أن 67 طفلاً قد ماتوا بسبب سوء التغذية، كما يعيش نحو 650 ألف طفل دون سن الخامسة في ظل خطر التعرض لسوء التغذية الحاد. ووثقت تقارير، الأحد، استشهاد ستة أطفال على الأقل في غارة إسرائيلية على نقطة لتجميع المياه في النصيرات بقطاع غزة.
