
تعهدت وزارة الإسكان المصرية، بعرض 248 ألف وحدة سكنية في القاهرة والمدن الرئيسية في المحافظات، لتلبية احتياجات المواطنين المتضررين من تطبيق قانون الإيجار القديم، فيما تظهر قيم الوحدات المطروحة من خلال الوزارة والشركات والجهات الحكومية ارتفاعاً في الأسعار يصل إلى الضعف.
وأكد وزير الإسكان شريف الشربيني في تصريحات صحافية أخيراً، أن وحدات المتضررين من قانون الإيجارات القديم، تأتي ضمن حزمة كبيرة يجري طرحها من قبل الحكومة لكلّ المواطنين، تشمل 750 ألف وحدة سكنية جاهزة لسكنى محدودي الدخل.
وفقاً للوزير تقرر طرح 110 آلاف وحدة سكنية، ضمن مشروع سكن لكل المصريين للمواطنين محدودي الدخل، وتنفيذ 350 ألف وحدة أخرى، لشقق الإسكان الاجتماعي، لعرضها للبيع بالتقسيط على 20 عاماً، تراوح مساحتها بين 75 إلى 90 متراً، لافتاً إلى منح المتضررين من فسخ عقود الإيجار القديم، فرصة الحصول على سكن بالإيجار المدعوم من الدولة، والإيجار المؤدي إلى التمليك بعد 20 عاماً، أو التمليك بنظام التمويل العقاري.
تأتي تعهدات الوزير مواكبة لزيادة هائلة في أسعار الوحدات المعروضة من الهيئات والشركات التابعة لوزارة الإسكان والتعمير، تصل إلى ضعف قيمتها، عن الأسعار التي طرحتها خلال عامين، حيث ارتفع متوسط قيمة المتر المربع، من 10 آلاف جنيه (202 دولار) إلى 20 ألف جنيه، تصل إلى 30 ألفاً (606 دولارات) لمشروعات بنك الإسكان والتعمير، الذراع المالية للوزارة، و40 ألفاً بمشروعات العاصمة الإدارية ومدينة العلمين بالساحل الشمالي، مع زيادة في قيمة المقدمات المطلوبة، من متوسط 50 ألفاً إلى 100 ألف جنيه للوحدة، وارتفاع قيمة الفائدة على الأقساط، لتماثل الفائدة التجارية في البنوك التي تصل إلى 27%، مع زيادة الأموال المدفوعة لإتمام عمليات الحجز وخدمات التأمين وإدارة المشروعات السكنية الجديدة.
وسط حالة ارتباك يمر بها السوق العقاري، منذ إقرار قانون جديد للايجارات قبل أيام، يمنح الملاك حق استرداد وحداتهم، انتشرت توقعات محللين عقاريين بزيادة الطلب على شراء الوحدات الحكومية، دفعت مئات الحاجزين بالمشروعات الحكومة إلى توجيه نداء إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، على وسائل التواصل الاجتماعي مع تحذير المواطنين من الوقوع في فخ المشكلات التي يعانونها، بمشروعات الإسكان التابعة للحكومة، بمراحل الحجز وما بعد تسلّمهم الوحدات.
تبدو العروض الحكومية أقل عدداً من الوحدات المطروحة عن طريق المطورين العقاريين بالقطاع الخاص، ولكنها أكثر انتشاراً في المحافظات وتنافسية في أسعارها عن الشركات الخاصة، في سوق يشهد زيادة هائلة في أسعار المتر المربع، بسبب ارتفاع قيمة الأراضي التي تطرحها الجهات الحكومية، التي تحولت إلى محتكر لجميع الأراضي المتاحة للبناء في كلّ المحافظات، واشتدت قيودها الاحتكارية مع وقف البناء على الأراضي الزراعية والمناطق الشاغرة وتراخيص البناء في المناطق السكنية القديمة.
يشير مواطنون من راغبي الحجز وشراء الوحدات التي تطرحها وزارة الإسكان إلى حالة فوضى تجري أثناء السباق على طلب الوحدات السكنية الحكومية، تعكس عدم التزام الجهة المنفذة للعروض، بكراسات الشروط المفروضة قسراً على طالبي الحجز، في مشروعات الإسكان الاجتماعي والمتوسط والفاخر، وتعطل إجراءات الحجز الرقمي عبر بوابات "بنك الإسكان" والجهات التابعة لوزارة الإسكان، بما يمكن بعض العاملين في تلك الجهات وشركات السمسرة، من حجز الوحدات، وإعادة طرحها للبيع بفروق أسعار تراوح قيمتها ما بين 20% إلى 50% من قيمة الوحدة.
في جولة لـ"العربي الجديد" في مدن السادس من أكتوبر والشيخ زايد وحدائق أكتوبر الجديدة غرب القاهرة، والقاهرة الجديدة (شرق)، على مدار الأسبوع الماضي، رصدت تغييراً جوهرياً في تخطيط المناطق السكنية الجديدة، مع تطوير الشكل، ليقترب من المستويات الجمالية والمعمارية، التي يقيمها القطاع الخاص. شمل التغيير الشكلي معظم المشروعات المنفذة بعد عام 2022، بينما تمثل الأشكال التقليدية المسماة شعبياً بـ"علب الكبريت" المبنية على النهج الاشتراكي القديم، السمة الغالبة على الأبنية القائمة قبل تلك الفترة.
رغم التطوير الشكلي للمشروعات السكنية، تظل المشكلات العالقة بالمشروعات السكنية الحكومية كما هي، المتمثلة في سوء التشطيبات الخارجية والداخلية، وعدم اكتمال المرافق الأساسية، وتأخير عمليات التسليم للوحدات بمدد تراوح ما بين أربع إلى خمس سنوات، تنخفض قليلاً في المشروعات الفاخرة إلى مدة عامين. وترجع أجهزة المدن الجديدة تأخير التسليم إلى تباطؤ مقاولي التنفيذ، في إنهاء الأعمال بسبب الاختلاف حول أسعار مواد البناء والمحروقات التي ترتفع بوتيرة سريعة، أو عدم اكتمال المرافق العامة كالطرق المؤدية إلى الأحياء ومرافق الكهرباء والصرف.
يشير مواطنون إلى وجود مشكلات جوهرية في معظم المشروعات السكنية الجديدة تتمثل في بناء العقارات على أراض جيرية بدون أساسات جيدة، تظهر عيوبها عند التسلّم، أو تسرب المياه في الأرض، مع سوء التشطيبات بما يهدد سلامة تلك المباني.
كان لافتاً كثرة الشكاوى في مشروع إسكان "جنة" الذي طرحته وزارة الإسكان على مدار السنوات الخمس الماضية، ضمن خطتها للتوسع في الإسكان الفاخر. بدأ طرح وحدات "جنة"، أيقونة الإسكان الحكومي، في 12 مدينة بسعر للمتر يبدأ بمنطقة القاهرة الجديدة الملاصقة للعاصمة الإدارية بنحو 11 ألفاً و575 جنيهاً ليرتفع مؤخراً إلى 19 ألفاً و900 جنيه، وفي شرق العاصمة بمدينة الشروق 8 آلاف و800 جنيه، والعبور 8 آلاف و70 جنيهاً، والمنيا الجديدة جنوب وادي النيل 5 آلاف و855 جنيهاً، و6 أكتوبر غرب القاهرة 9 آلاف و580 جنيهاً ليصل إلى 16 ألف جنيه في المتوسط، مع ارتفاعه بالقاهرة الجديدة والشيخ زايد والعلمين الجديدة لمعدلات تبدأ من 20 ألفاً إلى 40 ألف جنيه.
يذكر هشام بسيوني عضو رابطة سكان أحد مشروعات "جنة" شرق القاهرة، أنه رغم تحمل المشترين أعباء مالية كثيرة، ومرورهم بسباق "ماراثوني" يتنافس فيه عشرات الآلاف من المشترين الراغبين في وحدة سكنية في مشروع تعده الحكومة أيقونة الإسكان الفاخر على مستوى الدولة، تترك الشركات المنفذة، "قنابل موقوتة" تهدد ساكنيه في أي لحظة، تتمثل في إقامة الوحدات على تربة جيرية هشة بدون أساسات جيدة، ومد شبكات مياه وصرف، غير سليمة، تلقي بالمياه أسفل العقارات، تسبّب تشقق جدران المباني قبل سكنها.
يؤكد بسيوني لـ"العربي الجديد" أنه تقدم بمذكرة نيابة عن السكان لمسؤولي جهاز القاهرة الجديدة، لإنقاذ المباني المتصدعة، وإصلاح الأخطاء الفنية التي ارتكبها المقاولون، خاصة التشطيبات السيئة التي تعكس رداءة المنتجات والعمالة القائمة بها، مع عدم صلاحية المصاعد أو اختفاء أجزاء منها، وفوجئنا بأن الإدارة المالكة، لا تملك الإمكانات المالية ولا الصلاحيات الإدارية، على المنفذين للمشروعات، وكأنها خرجت من عباءة وزارة الإسكان التي ما زالت تحصل على قيمة الوحدات، المدفوعة بنظام التقسيط.
يشدد بسيوني على ضرورة التزام وزارة الإسكان بمعالجة الشروخ القائمة في المباني وتكليف مركز بحوث الإسكان، بوصفه جهة استشارية للوزارة، بعمل دراسات فنية، لتحديد حجم المخاطر التي تواجه المقيمين، في ظل تدفق مياه الشرب والصرف والمكيفات إلى أساسات العمارات، بما يعرض التربة الجيرية للانتفاخ وميل المباني وتصدع الحوائط.
يبدي الشاب العشريني محمد عبده تعجبه من طرح وزارة الإسكان للأسر محدودي بقيمة تبدأ من 1.5 مليون جنيه للوحدة في المدن الجديدة، لتزيد بنحو 500 ألف جنيه في حالة تقسيط الوحدة على دفعات على مدد زمنية تبدأ من ثلاث سنوات وبحد أقصى سبع سنوات، بينما تلزم الراغبين في وقف الفوائد بدفع 50% من قيمة الوحدة عند إجراء الحجز وسداد النسبة الباقية لها عند التسلّم، وبحد أقصى خلال عام التسليم، مشيراً إلى إلزام حاجزي جميع الوحدات، بدفع 10% باعتبارها نسبة تميز لموقع الوحدة، على النواصي (الأطراف) والمزودة بحديقة و10% أخرى تدفع رسوماً وديعة للصرف منها على إدارة المشروع السكني.
يشير عبده إلى أن كراسة الشروط التي تبيعها وزارة الإسكان لراغبي الحجز، بمبالغ تبدأ من 500 جنيه للوحدة مع إضافة 50 دولاراً للمغتربين، تبين التزام جهة المشروع بإنشاء أندية اجتماعية وحمامات سباحة ومسطحات خضراء، ونظام إطفاء داخل المباني والجراجات، مع وحدة إسعاف وإطفاء مركزية داخل المجمع السكني لمواجهة الطوارئ، يجري تحميل تكلفتها على المبالغ المخصصة من قيمة الوحدة، مؤكداً أن هذه الخدمات الحيوية غير موجود على أرض الواقع، في مشروعات جرى تسليمها منذ سنوات.
يذكر الخمسيني صموئيل حنا، موظف، أن وزارة الإسكان أسندت إدارة وصيانة المشروعات في مشروع "جنة" إلى شركات خاصة، بعضها يتبع كبار مطورين عقاريين، ليس من مصلحتهم نجاح المشروعات العامة، لأنهم يبيعون المتر في نفس المنطقة في حدود 60 ألف جنيه للوحدات السكنية و250 ألف جنيه للتجاري والإداري.
حصلت إحدى شركات الصيانة التابعة لشركة عقارية كبرى، على 3 ملايين و850 جنيهاً شهرياً للقيام بأعمال صيانة المصاعد ورفع المخلفات وتجميل الحدائق والمراقبة بالكاميرات وأجهزة الأمن، من دون أن تقدم أية أعمال من المتفق عليها لحساب السكان نهائياً بمشروع "جنة" في القاهرة الجديدة. وفقاً لـ"حنا" تركت الشركات المناطق السكنية ساحات مفتوحة أمام الكلاب الضالة والمفترسات التي تنتشر في المناطق الصحراوية.
وجه سكان "جنة" مذكرة عاجلة إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان، حصلت "العربي الجديد " على نسخة منها، يطالبون فيها بإلزام إدارة مشروعات "جنة"، بعمل شبكات ري وزراعة على أسس فنية، بدلاً من العشوائية المنتشرة بالمواقع، تهدد سلامة المباني وتجعل من البرك المائية المتعفنة مرتعاً للأوبئة والحيوانات الضالة، وإحالة المسؤولين عن تلك المخالفات الفنية على النيابة العامة، والعمل على ضمان حقوق المشترين للوحدات وأرواح السكان واستثماراتهم، وأمانهم الاجتماعي.
يشير الطبيب الثلاثيني مرقص الهامي إلى حالة الإهمال التام للحدائق، مع ترك مياه الري تتدفق على مدار الساعة من أنابيب المياه، في وقت تعرض فيه مياه الشرب للانقطاع، بما يضع السكان في حيرة من أمرهم، وإهدار أموالهم التي دفعوها في صناديق الصيانة والإدارة تضيع هباء.

Related News
