
في اليوم الثالث والأخير لصبرا وشاتيلا، وصلت الأنباء إلى بيان نويهض الحوت التي رحلت أول أمس، في بيتها الكائن بحي وطى المصيطبة البيروتي بالقرب من المجزرة. ألم شديد وإحساس بتقاسم المسؤولية مع الجميع، إذ لم يستطع أحد حماية الأبرياء في المنطقة، بالرغم من الضمانات الأميركية حينها بحماية المدنيين الفلسطينيين، بحسب "اتفاق فليب حبيب" الذي وُقّع قبل شهر من وقوع المجزرة.
لحظة لا تنسى في ذاكرة المؤرخة الفلسطينية دفعتها إلى توثيق ستّ وأربعين رواية في كتابها "صبرا وشاتيلا: أيلول 1982" (مؤسّسة الدراسات الفلسطينية، 2003)، الذي استمرّ تأليفه نحو عشرين عاماً جمعت خلالها أرشيف الصحافة من مقابلات وتحقيقات وصور وأشرطة الفيديو وشهادات ذوي الضحايا والناجين، التي استمرت لثلاث وأربعين ساعة متواصلة.
وقد عملت على الكتاب ضمن مراحل عدّة؛ الأولى تمثلت بتسجيل الشهادات في العام نفسه لوقوع المجزرة التي سعت السلطات اللبنانية للتعتيم عليها، ومارست أيضاً رقابة لصيقة على كوادر منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، ولم يكن سهلاً تفريغ أشرطة التسجيلات لعشرات المقابلات بسبب الخوف من الملاحقات الأمنية. ومثّل التاريخ الشفهي مصدراً أساسياً في عدد من كتبها. ثمّ بدأت المؤلفة بجمع أسماء الضحايا من أجل تفنيد تقرير لجنة كاهانا (لجنة تحقيق رسميّة أقامتها الحكومة الإسرائيليّة) ونشرت تقريراً في فبراير/ شباط 1983 الذي خلص إلى عدم وجود أدلة على تورط الجيش الإسرائيلي في المجزرة. وبعد ذلك، أجرت دراسة ميدانية لجمع معلومات وبيانات أكثر تتعلّق بالحدث لتوضع في نهاية الكتاب في أرقام ونسب مئوية وجداول وإحصائيات.
عملت على توثيق مجزرة صبرا وشاتيلا خلال عشرين عاماً
جهود بحثية كبيرة بذلتها بيان نويهض الحوت، ابنة بلدة رأس المتن اللبنانية التي غادرها والدها الكاتب والسياسي عجاج نويهض (1897-1982) إلى دمشق، ومنها إلى القدس، المدينة التي ولدت فيها وانتسبت إليها. لكنّها ببساطة كانت تعبّر في كتاباتها ومقابلاتها الصحافية عن فرحها عندما عادت إلى لبنان بعد النكبة، واستشعرت مباشرة الشبه بين بلديها، في تضاريس الطبيعة والناس.
في سيرة الراحلة، يبرز تأثّرها بشخصيتَين أساسيتَين؛ الأولى والدها عجاج نويهض الذي منحها مكتبةً ضخمة في القدس وبيروت فتحت لها عينيها على العالم، وإيماناً بفلسطين وطناً وقضية، وهو المشغول بالهم القومي ومناهضة الاستعمار، كما أكدت ذلك مواقفُه ومقالاته التي نشرها في الصحف العربية، إلى جانب مؤلفاته. السيرة التي جمعتها بيان في كتاب "مذكرات عجاج نويهض: ستون عاماً مع القافلة العربية" (دار الاستقلال، 1991). والشخصية الثانية زوجها المناضل والكاتب الفلسطيني شفيق الحوت الذي التقته أول مرة عام 1960 أثناء تحضيرها لإجراء حوار صحافي مع المفكر ساطع الحصري، ولفتها "فكره السياسي الواضح وثقافته العالية وجرأته غير العادية"، إذ تزوجته بعد عامين كما روت في إحدى مقابلاتها. شراكة ستتعمّق في رحلة إنسانية وسياسية طويلة.
وخلال عملها في الصحافة منذ بداية الستينيات، نشرت المؤرخة الراحلة حوارات مع أدباء وسياسيين منهم: جورج صيدح ومهدي بن بركة وزكي الأرسوزي وغيرهم. وفي عام 1978 نالت الدكتوراه في العلوم السياسية عن أطروحتها "القيادات والمؤسّسات السياسية في فلسطين، 1917 – 1948" التي أشرف عليها الباحث والمورخ الفلسطيني أنيس صايغ، لتعمل بعدها أستاذة في الجامعة اللبنانية. وتبدأ رحلة التأليف لمجموعة كتب ودراسات منها: "الشيخ المجاهد عز الدين القسام في تاريخ فلسطين" (دار الاستقلال، 1987)، و"فلسطين: القضية، الشعب، الحضارة: التاريخ السياسي من عهد الكنعانيين حتى القرن العشرين" (دار الاستقلال، 1991).

Related News
